46/11/05
بسم الله الرحمن الرحیم
خاتمة؛ الشرظ الثالث؛ البحث الخامس؛ الجهة الأولی: الاستدلال علی أصالة الصحة/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /خاتمة؛ الشرظ الثالث؛ البحث الخامس؛ الجهة الأولی: الاستدلال علی أصالة الصحة
4. الاستدلال بالإجماع القولي و العملي
قال الشیخ الأعظم(قدسسره): «أمّا القولي فهو مستفاد من تتبع فتاوی الفقهاء في موارد كثیرة، فإنّهم لایختلفون في أنّ قول مدّعي الصحّة في الجملة مطابق للأصل و إن اختلفوا في ترجیحه على سائر الأصول كما ستعرف.
و أمّا العملي فلایخفی على أحد أنّ سیرة المسلمین في جمیع الأعصار على حمل الأعمال على الصحیح و ترتیب آثار الصحّة في عباداتهم و معاملاتهم و لا أظنّ أحداً ینكر ذلك إلا مكابرةً»([1] ).
هذا ما أفاده الشیخ الأنصاري(قدسسره)([2] ).
نظرية المحقّق النائیني(قدسسره)
إنّ المحقّق النائیني(قدسسره) استدلّ علیها بالإجماع.
الاستدلال بالإجماع
قال(قدسسره): «إنّ الإجماع تارة ینعقد على الحكم الشرعي في الموارد الجزئیة و أخری ینعقد على عنوان كلّي.
فإن كان الإجماع على الوجه الأوّل فلابدّ من الاقتصار على الموارد التي انعقد فیها الإجماع و لایجوز التعدّي عنها و إن كان على الوجه الثاني، فاللازم هو الأخذ بإطلاق معقد الإجماع، كما إذا قام دلیل لفظي على ذلك، فللفقیه الفتوی بالحكم معتمداً على الإجماع و لو في مورد الاختلاف.
و الظاهر أنّ الإجماع في المقام تامّ على الوجه الثاني، كما یظهر ذلك بالمراجعة في كلمات القوم»([3] ).
هذا ما أفاده في فوائد الأصول([4] ).
و لكنّه رجع عنه في أجود التقریرات و قال: «الظاهر عدم ثبوت الإجماع القولي كما یظهر ذلك لمن راجع كلماتهم فینحصر المدرك في الإجماع العملي المستفاد من تمسكهم بها في موارد متفرقة»([5] [6] ).
مناقشة المحقّق الخوئي(قدسسره) في الإجماع
«أوّلاً: إنّ تحقّق الإجماع على أصالة الصحّة و إن كان مسلّماً في الجملة إلا أنّ تحصیل الإجماع من تتبع الفتاوی في جمیع موارد جریان أصالة الصحّة حتّی العقود و الإیقاعات بل المعاملات بالمعنی الأعمّ الشامل للطهارة و النجاسة دونه خرط القتاد.([7] )
و ثانیاً: إنّه على تقدیر تسلیم تحقّق الإجماع في جمیع الموارد لمیتّضح كونه إجماعاً تعبّدیاً كاشفاً عن رضا المعصوم، لاحتمال كون المدرك عند المجمعین هي الأدلّة الآتیة»([8] [9] ) .
الاستدلال بالسيرة القطعية
إنّ المحقّق النائیني و المحقق الخوئي(قدسسرهما) استدلّا علیها بالإجماع العملي أي السيرة القطعية من جميع المسلمين.
«دعوی السیرة القطعیة([10] ) من جمیع المسلمین المتدینین على ترتیب آثار الصحّة على أعمال الناس من العبادات و المعاملات و العقود و الإیقاعات و لذا لایقدم أحد على تزویج امرأة، لاحتمال كون العقد الواقع بینها و بین زوجها باطلاً و هذه السیرة متّصلة بزمان المعصوم و لمیردع عنها»([11] [12] ).
ملاحظة علی إطلاق السیرة
إنّ وجود السیرة القطعیة بین جمیع المسلمین على ترتیب آثار الصحّة على عمل الغیر في الجملة من المسلّمات، و لكن الكلام في دائرة انعقاد السیرة و ارتكازها في أذهان المتشرعة، و التحقیق یقتضي تقیید عنوان «عمل الغیر» بعمل المسلم الذي لمیحرز كونه غیر مبالٍ في دینه و رعایة أحكامه.([13] )
و الحاصل أنّ الاستدلال على أصالة الصحّة بالآيات مخدوش، و بالروايات أيضًا لم يُمكن إثبات أصالة الصحّة. و أما الدليل العقلي – و هو لزوم اختلال نظام المعاش فيما إذا لم يُعمل بأصالة الصحّة - فهو تام. و أما الاستدلال عليها بالإجماع القولي فهو أيضًا مخدوش. و أما الاستدلال عليها بالسيرة القطعيّة بين جميع المسلمين فهو صحيح، إلا أنّ أصالة الصحّة حينئذٍ مقيدة بما إذا كان العمل صادرًا عن المسلم الذي لم يُحرز كونه غير مبالٍ في دينه.
الجهة الثانية: أصالة الصحّة أصل أو أمارة؟
إنّ الشیخ الأعظم الأنصاري(قدسسره) ذهب في فرائد الأصول([14] ) إلى أنّ الظاهر من كلمات جماعة بل الظاهر من كلمات الأكثر هو أنّ أصالة الصحّة من الظواهر و حینئذ تُعدّ من الأمارات الشرعیة، فإنّ الظواهر أمارات ظنّیة[15] و في قبال ذلك بعض الأعلام ذهبوا على أنّ أصالة الصحّة من الأصول العملیة التعبّدیة و منهم المحقّق النائیني و المحقق الخوئي(قدسسرهما).
بیان المحقّق النائیني(قدسسره) في أنّ أصالة الصحّة أصل تعبّدي
«ربّما یقال بأنّ أصالة الصحّة في فعل الغیر بإزاء قاعدة الفراغ في عمل الشخص، فكما أنّ قاعدة الفراغ قد استظهر أماریتها من بعض أدلّتها على ما تقدّم فكذلك تكون أصالة الصحّة.
و أنت خبیر بأنّ الشك في الصحّة في مورد القاعدة [أي قاعدة الفراغ] إنّما كان من جهة الشك في تحقّق الإرادات الجزئیة على طبق الإرادة الكلّیة المتعلّقة بالعمل حین الشروع، و قد ذكرنا أنّ مقتضی تعلّق الإرادة بشيء هو تعلّق الإرادة الجزئیة بكلّ من أجزائه في ظرفه، و هذا هو جهة أماریتها.
و أمّا أصالة الصحّة فلیس في موردها ما یوجب أماریتها إلا ظهور حال المسلم في أنّه لایأتي بالفاسد.
و من الواضح أن غایة ما یترتّب على هذا الظهور هو إحراز الصحّة عند الفاعل دون الصحّة الواقعیة التي هي محطّ البحث في المقام، فتكون متمحّضة في الأصلیة ... فظهر بذلك أنّه لایترتّب بأصالة الصحّة إلا الآثار الشرعیة المترتّبة علیها دون اللوازم و الملزومات»([16] [17] [18] ).
يُلاحظ عليه:
أنّه قد تقدّم أنّ المراد من أصالة الصحّة ليس حمل العقلاء لأعمال غيرهم على الوجه الصحيح، بل المراد هو أنّه إذا كان الفاعل مسلمًا ولم يُحرز كونه غير مُبالٍ في دينه، فهذه قرينة وأمارة على صحّة عمله عند المتشرّعة. فحينئذٍ تُعدّ أصالة الصحّة من الأمارات الشرعية.
الجهة الثالثة: في تعارض الاستصحاب مع أصالة الصحّة
هنا نوعان من التعارض نبحث عنهما:
النوع الأوّل: تعارض الاستصحاب الحكمي مع أصالة الصحّة
مقتضی التحقیق وفاقاً للشیخ الأنصاري(قدسسره) هو تقدیم أصالة الصحّة على الاستصحاب الحكمي.
استدلال الشيخ الأنصاري في تقديم أصالة الصحة
قال الشیخ الأعظم(قدسسره) في الاستدلال على ذلك: «أمّا تقدیمه على استصحاب الفساد و نحوه فواضحٌ، لأنّ الشك في بقاء الحالة السابقة على الفعل المشكوك أو ارتفاعها ناشٍ عن الشك في سببیة هذا الفعل و تأثیره، فإذا حكم بتأثیره، فلا حكم لذلك الشك، خصوصاً إذا جعلنا هذا الأصل من الظواهر المعتبرة ... لأنّ هذا الأصل إن كان من الظواهر المعتبرة فهو كالید دلیل اجتهادي لایقاومه الاستصحاب، و إن كان أصلاً تعبّدیاً فهو حاكم على أصالة الفساد، لأنّ مرجعها إلى استصحاب عدم تحقّق الأثر عقیب الفعل المشكوك في تأثیره، و إذا ثبت التأثیر شرعاً بهذا الأصل فیترك العدم السابق»([19] ).
و قال المحقّق الخوئي(قدسسره): «أمّا الاستصحاب الحكمي، فلاینبغي الإشكال في تقدیم أصالة الصحّة علیه، كما إذا شك في صحّة بیعٍ لاحتمال الاختلال في شرط من شروطه، مع إحراز قابلیة الفاعل و المورد، فلا مجال للتمسّك بالاستصحاب الحكمي أي استصحاب عدم الانتقال المعبّر عنه بأصالة الفساد، بل المتعیّن هو الحكم بالصحّة لأصالة الصحّة»([20] ).