46/10/20
بسم الله الرحمن الرحیم
خاتمة؛ الشرط الأول؛ البحث الأول/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /خاتمة؛ الشرط الأول؛ البحث الأول
خاتمة حول شروط جریان الاستصحاب
الشرط الأول: بقاء الموضوع
البحث الأول: معیار بقاء الموضوع أو اتحاد القضیتین
المبحث الثاني: في خروج قاعدة المقتضي والمانع
أول شروط جريان الاستصحاب هو اتحاد القضية المتيقَّنة والقضية المشكوكة من حيث الموضوع والمحمول. ومن هذا الشرط يُستنتج أن قاعدة المقتضي والمانع خارجة عن نطاق الاستصحاب؛ لأنه في هذه القاعدة لا يكون هناك اتحاد بين القضية المتيقَّنة والمشكوكة.
وظاهر النهي عن نقض اليقين بالشك هو أن الشك يتعلق بنفس ما تعلق به اليقين، مع اختلاف زمن المتيقن وزمن المشكوك، حيث يكون زمن المتيقن سابقًا لزمن المشكوك. أي أن اليقين يتعلق بالحدوث، بينما الشك يتعلق ببقاء نفس الأمر الذي تعلق اليقين بحدوثه.
أما في قاعدة المقتضي والمانع، فإن اليقين يتعلق بوجود المقتضي، بينما الشك يتعلق بوجود المانع. ومثال ذلك: الشك في وجود مانع على أعضاء الوضوء أو الغسل، حيث أن المقتضي هنا هو صب الماء ومرور اليد، لكن الشك يقع حول وجود مانع خارجي على العضو.
وبناءً على ذلك، فإن قاعدة المقتضي والمانع خارجة عن نطاق النهي عن نقض اليقين بالشك؛ لأن اليقين تعلق بالمقتضي، بينما الشك تعلق بالمانع.
وقد استدل بعض الفقهاء - كالمرحوم الشيخ هادي الطهراني (رحمه الله) - بأدلة الاستصحاب لإثبات قاعدة المقتضي والمانع، ولكن هذا الاستدلال غير مقبول؛ لأن الاستصحاب مشروط باتحاد اليقين والشك في الموضوع والمحمول، فلا يشمل هذه القاعدة، وبالتالي لا يمكن أن يكون دليلاً معتبرًا لإثباتها. [1]
طريقتان لإثبات حجية قاعدة المقتضي والمانع:
الطريقة الأولى: أصل عدم المانع كمعيار في تطبيق القاعدة
يمكن توسيع نطاق الاستصحاب ليشمل حالات هذه القاعدة - وإن لم تشملها القاعدة نفسها - لكن هذا التوسع لا يُعتبر تطبيقًا لـ"قاعدة المقتضي والمانع"، بل يُصنف تحت عنوان "أصل عدم المانع".[2]
شرح ذلك:
اليقين والشكّ كلاهما يتعلقان بعدم المانع، وبذلك تتحد القضية المتيقَّنة (اليقين بعدم المانع سابقًا) مع القضية المشكوكة (الشك في وجود المانع حاليًا). أي أن عدم المانع كان مُتيقَنًا في الماضي وأصبح مشكوكًا فيه الآن، فيقتضي الاستصحاب الأخذ بعدم المانع تعبديًا.
تطبيق ذلك على القاعدة:
في جميع حالات قاعدة المقتضي والمانع، وإن كان يُقال إن النهي عن نقض اليقين بالشك لا يشمل المقتضي (لأن اليقين تعلق بوجوده) ولا يشمل المانع (لأن الشك تعلق بوجوده)، إلا أنه يمكن القول بأن النهي عن نقض اليقين بالشك يشمل خصوصًا مسألة الشك في وجود المانع. وذلك لأن عدم المانع كان مُتيقَنًا في السابق وأصبح مشكوكًا فيه الآن، فيجري الاستصحاب هنا.
بتعبير آخر المعيار في تطبيق قاعدة المقتضي والمانع هو أصل عدم المانع، حيث يُستصحب عدم المانع السابق عند الشك في وجوده الحالي.
إيراد على الطريقة الأولى والدفاع عنها:
بعض الأعلام - كالشيخ الأنصاري (ره) - يرى أن "أصالة عدم المانع" في إثبات غَسل البشرة ووصول الماء إليها هي أصل مثبت (أي يثبت أمرًا وجوديًا)، لكنه استثنى حالات خفاء الواسطة، حيث اعتبر أن الاستصحاب هنا - رغم كونه أصلًا مثبتًا - حجةٌ بلا إشكال بسبب خفاء الواسطة. [3] [4] [5] [6]
بينما اعترض المحقق الخوئي (ره) على هذا الاستثناء (أي حالات خفاء الواسطة)، كما سبق الإشارة إليه[7] ، وهذا الاعتراض موجَّهٌ أيضًا لرأي الشيخ الأنصاري (ره).
دفاع الأستاذ عن الطريقة الأولى:
نسلِّم بصحة اعتراض المحقق الخوئي (ره) ونوافق أنَّه لا يمكن الرد على هذا الاعتراض من باب "خفاء الواسطة".
لكنّ الجواب يأتي من مسار آخر:
صحيح أن الاستصحاب هنا أصل مثبت، لكن حجيته ليست مستندةً إلى استثناء خفاء الواسطة، بل إلى استثناء آخر وهو "واسطة جَلِيّة" (أي واضحة) حيث تتحقق ملازمة عرفية بين التعبُّد باللازم (عدم المانع) والتعبُّد بالملزوم (صحّة الوضوء مثلًا).
وهذا مطابق تمامًا للاستثناء الثاني من مستثنيات حجية الأصل المثبت، الذي التزم بصحته صاحب الكفاية (ره).
وفي بحوثنا[8] - خلافًا لرأي المحقق الخوئي (ره) - تم قبول نظر صاحب الكفاية (ره) كرأي تامٍّ وحاسم.
الطريقة الثانية: السيرة العقلائية
السيرة العقلائية تقوم على أنه عند العلم بوجود المقتضي وعدم العلم بوجود المانع، يحكمون بتحقق المطلوب. أي أن العقلاء عند تحقق المقتضي يحكمون بوجود الشيء ولا ينتظرون العلم بعدم المانع. طبعاً إذا علموا بوجود المانع حكموا بعدم تحقق الشيء، لكن مع الشك في وجود المانع أو عدمه، فإن مجرد تحقق المقتضي يجعلهم يحكمون بوجود الشيء. [9]
والجدير بالذكر أن السيرة العقلائية في هذا البحث ترتبط نوعاً ما بالاستصحاب. وإن لم يمكن القول بأن كل السير العقلائية ترجع للاستصحاب، لكن في هذه الحالة يمكن القول إن لهذه السيرة ارتكازاً استصحابياً. بمعنى أن العقلاء دائماً ما يستصحبون عدم وجود المانع ويبنون عليه حكمهم بتحقق الشيء، ومن هنا نشأت هذه السيرة.
ومن النقاط المهمة أن المحقق الطهراني (قدس سره) حيث كان يرى أن أدلة الاستصحاب تدل على قاعدة المقتضي والمانع، فقد كان يثبت الاستصحاب على أساس السيرة العقلائية.
إیراد المحقّق الخوئي(قدس سره) علی تحقّق السیرة العقلائیة
«إنّه لمیثبت لنا استقرار هذه السیرة بل ثبت خلافها، فإنّه لو رمی [رجل] حجراً إلى أحد، و شك في وجود المانع عن وصوله إلیه مع العلم بأنّه لو وصل إلیه لقتله، فهل یحكم العقلاء بتحقّق القتل و جواز القصاص؟»([10] [11] ).
ملاحظة علی إیراد المحقّق الخوئي(قدس سره)
إنّ السیرة العقلائیة لیست مطلقة في هذا الباب كما ادّعي في الطریق الثاني و لیست منتفیة مطلقاً كما ادّعاه المحقّق الخوئي(قدس سره)، بل لابد من التفصیل فیها فإنّ العقلاء یبنون على تحقّق الشيء عند وجود مقتضیه فیما إذا كان احتمال وجود المانع قلیلاً -و إن لمیطمئنّوا بعدمه لیحصل لهم العلم العادي بعدم تحقّق المانع- بل یكتفون في عدم الاعتناء به بقلة نسبة احتماله. و أمّا إذا لمتكن نسبةاحتماله قلیلة فلایحكمون بتحقّق الشيء بنفس تحقّق مقتضیه فالملاك عندهم قلّة نسبة احتمال المانع و عدم قلّتها فلايأملون وجود الحجّة على عدم المانع مثل الاطمینان بعدم تحقّقه.
الشرط الثاني: أن یكون متیقّناً حالَ الشك بوجود المستصحب سابقاً
و مفاد هذا الشرط اجتماع صفة الیقین و صفة الشك، من غیر تفاوت بین حدوث الیقین قبل حصول الشك و معه و بعده، فلو فرضنا تأخر حدوث صفة الیقین بالمتعلّق عن حصول الشك في نفس المتعلّق، یجمع أیضاً كلتا القضیتین في الزمان المتأخّر أي زمان حدوث الیقین. و الوجه في اجتماع الیقین و الشك المتعلقین بمتعلّق واحد هو تقدّم زمان المتیقّن بما هو متیقّن على زمان المشكوك بما هو مشكوك.
و بهذا الشرط یخرج مفاد قاعدة الیقین عن الاستصحاب، فإنّ الیقین و الشك في قاعدة الیقین لایجتمعان لأنّ زمان المتیقّن و المشكوك فیها واحد إلا أنّ بعض الأعلام مثل المحقّق السبزواري(قدس سره)([12] ) صاحب ذخیرة المعاد التزم بشمول أخبار لاتنقض لقاعدة الیقین و الشك الساري و في قباله تصدّی جمع من المحققین مثل الشیخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) و المحقّق النائیني(قدس سره) و غیرهما لدفع ذلك.
بیانان لعدم شمول أخبار «لَا تَنْقُض» لقاعدة الیقین
البیان الأوّل: من المحقّق النائیني(قدس سره)
إنّ المحقّق النائیني(قدس سره) قال: «لایمكن أن تعمّ أخبار الباب كلاً من القاعدة [قاعدة الیقین] و الاستصحاب لأنّه لایمكن الجمع بینهما في اللحاظ من جمیع الجهات لا من جهة الیقین، و لا من جهة المتیقّن، و لا من جهة النقض و لا من جهة الحكم»([13] ).
عدم إمكان الجمع بین قاعدة اليقين و الاستصحاب في اللحاظ
من جهات أربع:
الجهة الأولی: الیقین
«إنّ الیقین في باب الاستصحاب إنّما یكون ملحوظاً من حیث كونه طریقاً و كاشفاً عن المتیقّن، و في القاعدة یكون ملحوظاً من حیث نفسه، لبطلان كاشفیته بعد تبدّله إلى الشك»([14] ).
إنّ المحقّق النائیني(قدس سره) یری عدم إمكان الجمع بین اللحاظین لاستلزامهما لحاظ الشيء و لحاظ عدمه، فإنّ الاستصحاب یقتضي الحكم بحرمة النقض حال وجود الیقین و لكن قاعدة الیقین تقتضي الحكم بحرمة النقض حال عدم الیقین، و الیقین حین الحكم بحرمة النقض طریق إلى المتیقّن في الاستصحاب و هو حین الحكم المذكور لیس طریقاً إلى المتیقّن في قاعدة الیقین، لأنّ الیقین زال بالشك فكیف یكون طریقاً للمتیقّن.([15] )