46/08/25
بسم الله الرحمن الرحیم
التنبیه الرابع عشر؛ البحث حول قول الرابع و الخامس؛ بیان النظریة الخامسة/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الرابع عشر؛ البحث حول قول الرابع و الخامس؛ بیان النظریة الخامسة
التنبيه الرابع عشر: التمسك بعموم العام أو استصحاب حكم المخصص
البحث حول القول الرابع والخامس.
بيان النظرية الخامسة لصاحب الكفاية[1] (قدس سره) في باب الاستصحاب:
وصل بحثنا إلى هذه النقطة، وهي أنه عندما يتم تخصيص العام بواسطة مخصص لفترة زمنية معينة، وحالياً قد انتهت تلك الفترة، فإننا نشك في الحكم الخاص: هل يشمله العموم الآن أم أن حكم المخصص يبقى له؟
هذا الموضوع هو آخر بحث من تنبيهات الاستصحاب، والنظرية المطروحة هنا هي النظرية الخامسة لصاحب الكفاية(قدس سره). ونحن أيضاً نقبل هذه النظرية.
تقسيم صاحب الكفاية(قدس سره): أخذ الزمان على صورتين
يقول صاحب الكفاية(قدس سره) إن الزمان الذي يُؤخذ في الحكم يكون على صورتين:
إذا أُخذ الزمان على نحو الفردية: ففي هذه الحالة يُعتبر كل زمان فرداً مستقلاً للعام.
إذا أُخذ الزمان على نحو الظرفية: ففي هذه الحالة لا يُعتبر الزمان فرداً للعام، بل يُعتبر مجرد ظرف لتحقق الحكم.
وينبغي أن نفترض نفس الاحتمالين بالنسبة للمخصص أيضاً، أي:
إمّا أن يُؤخذ الزمان بالنسبة للخاص على نحو الفردية،
أو على نحو الظرفية، وفي هذه الحالة لا يُنشئ فرداً للمخصص أيضاً.
الصورة الأولی: أخذ الزمان على نحو الظرفية في العام و المخصص
هنا يُفصّل صاحب الكفاية(قدس سره) في المسألة. بالطبع، قد أورد المحقق الخوئي(قدس سره) اعتراضاً على هذا التفصيل، لكننا نعتقد أن هذا التفصيل صحيح. التفصيل هو أنه ينبغي أن نبحث هل كان التخصيص منذ البداية، أو من الوسط، أو من النهاية.
إذا كان المخصص من أثناء:
ففي هذه الحالة يجري الاستصحاب. لأن عندما يدخل المخصص من وسط العام، فإنه يُخرج أفراداً من تحت العام. و في هذه الحالات، يُستصحب حكم المخصص لتلك الأفراد. و هذا هو ما نقول عنه أنه عندما يخرج الفرد من تحت العام، فإنه لا يعود إليه. و السبب في ذلك أن الزمان بالنسبة للعام قد اعتُبر على نحو الظرفية. أي أن العام كلي و مجموعي، و له حكم واحد لجميع أفراده، و ليس له أفراد أخرى. و عندما يخرج فرد من هذا الحكم، فإنه لا يعود إليه.
أما إذا أُخذ الزمان على نحو الفردية: فإنه ستكون هناك أحكام متعددة للعام، لأن كل واحد من هذه الأزمنة يُعتبر فرداً مستقلاً للعام. و في هذه الحالة، سيكون هناك إمكانية للعودة.
لكن هنا، حيث فرضنا الظرفية، و العام له حكم واحد فقط، فعندما يخرج فرد منه، فإنه لا يعود إليه. و هنا محل التخصيص، و يُستصحب حكم المخصص لذلك الفرد، لأن التخصيص قاطع لحكم العام.
و في هذه الحالة، لا بد من استصحاب حكم الخاص. في غير مورد الدلالة، أي في الحالة التي نشك فيها، و المخصص موجود قطعاً في ذلك الموضع، يُجري استصحاب حكم الخاص.
دلیل عدم دلالة الحكم العام على ما بعد الخاص يعود إلى نقطتين:
عدم دخوله على حدة: أي أن الزمان في هذا الفرض ليس قيداً للعام بحيث يوجِد العموم الاستغراقي. و لذلك، لا يمكن اعتبار الزمان بعد التخصيص فرداً مستقلاً للعام، و لا يدخل تحت موضوع العام. بمعنى آخر، العام ليس له فرد جديد، و الفرد المخصص ليس فرداً من العام.
انقطاع العام بواسطة الخاص: أي أن الخاص يقطع استمرار حكم العام. فالخاص يدل على ثبوت الحكم في الزمن السابق، و لكنه لا يدل على ثبوت الحكم في الزمن اللاحق. و لذلك، لا يبقى إلا استصحاب حكم الخاص.
إذا كان التخصيص منذ البداية:
ففي هذه الحالة، الخاص ليس قاطعاً للعام و لا يلحق به ضرراً. و لهذا، يمكن التمسك بالعام.
على سبيل المثال، إذا كان الخاص منذ البداية، فإن أول زمن استمرار حكم العام يكون بعد زمن الخاص. و لهذا السبب، يمكن التمسك بالعام.
كما هو الحال في التمسك بآية ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾[2] ، حتى لو خُصِّصت هذه الآية بخيار المجلس. ففي هذه الحالة، بمجرد أن يُجري الطرفان المعاملة، يجري المخصص (خيار المجلس) و يكون للطرفين الخيار. و لكن بمجرد أن يغادرا المجلس، فإن العام، أي ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾، يجري و تصبح المعاملة لازمة.
و في هذه الحالة، العام ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ لم يُكسَر.
خلاصة الكلام: إذا كان المخصص منذ البداية، مثل خيار المجلس، خيار الحيوان أو القبض في بيع الصرف، فإن حكم العام يجري بعد انتهاء زمن المخصص. و بمعنى آخر، زمن بدء استمرار حكم العام يكون بعد انتهاء زمن المخصص.
على سبيل المثال:
• في خيار المجلس: زمن بدء حكم العام يكون بعد انفصال الطرفين عن المجلس، كما ورد في الرواية: «فَإِذَا افْتَرَقَا وَجَبَ الْبَيْع»[3] [4] .
• في خيار الحيوان: زمن بدء حكم العام يكون بعد مرور ثلاثة أيام من المعاملة.
• في بيع الصرف: زمن بدء حكم العام يكون بعد تحقق القبض.
في جميع هذه الحالات، حكم العام أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لا ينقطع بسبب المخصص، بل يجري بعد انتهاء زمن المخصص و يستمر. و بهذا الشكل، فإن المخصص يقيِّد حكم العام لفترة زمنية محددة فقط، و بعد ذلك يجري حكم العام بدون أي انقطاع.
الصورة الثانیة: أخذ الزمان في دليل العام و المخصص على نحو القيدية
في هذه الصورة، البحث يدور حول أنه إذا أُخذ الزمان في دليل العام و المخصص على نحو القيدية، فما هو التكليف؟ صاحب الكفاية(قدس سره) يقول:
«لابدّ من التمسّك بالعامّ بلا كلام، لكون موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان من أفراده [أي إنّ الزمان المشكوك وهو زمان بعد المخصّص يكون من أفراد العامّ]، فله [أي للعامّ] الدلالة على حكمه، والمفروض عدم دلالة الخاصّ على خلافه».[5]
و بمعنى ذلك أنه في هذه الحالة، يجب التمسك بدليل العام بلا أي تردد. لأن الزمن الذي يبقى بعد المخصص (أي الزمن المشكوك)، يُعتبر من أفراد العام. و دليل العام يدلّ على شمول هذا الزمن، و من جهة أخرى، الفرض أن دليل الخاص لا يدلّ على خلاف دليل العام.
ملاحظة حول التمسك بالاستصحاب
يشير صاحب الكفاية(قدس سره) إلى أنه إذا كان دليل العام معارضاً بدليل آخر، و بسبب هذا التعارض سقط العام عن الدلالة، ففي هذه الحالة لا يمكن التمسك باستصحاب حكم المخصص أيضاً. لأن الاستصحاب هنا لا يجري. و بالتالي، يجب الرجوع إلى الأصول العملية مثل البراءة أو الاشتغال.
إذا أُخذ الزمان في المخصص على نحو القيدية، فإن المخصص سيكون له فرد مستقل في كل زمن. و في هذه الحالة، لا يمكن جريان الاستصحاب؛ لأن الاستصحاب يعتمد على وحدة الموضوع، بينما هنا الزمن المتيقن (زمن المخصص) و الزمن المشكوك (زمن بعد المخصص) هما فردان منفصلان.
و بمعنى آخر، عندما يُؤخذ المخصص على نحو القيدية:
• الزمن المتيقن للمخصص يُعتبر فرداً مستقلاً.
• الزمن المشكوك يُعتبر فرداً آخر.
• و لهذا السبب، لا يمكن استصحاب حكم فرد معين (مثل عمرو) لفرد آخر (مثل زيد).
تعدد الأفراد في دليل العام و المخصص
في الحالة التي يُؤخذ فيها الزمن في كلا الدليلين (العام و المخصص) على نحو القيدية، فإن كلا العام و المخصص سيكون لهما أفراد متعددة.
في هذه الحالة، الفرد بعد المخصص سيكون أحد أفراد العام. لكن حتى إذا لم نرجع إلى العام، فلا يمكن أيضاً التمسك باستصحاب حكم المخصص؛ لأن في المخصص أيضاً، بسبب قيدية الزمن، توجد أفراد متعددة، و الاستصحاب في مثل هذه الظروف لا يجري.
الصورة الثالثة: أخذ الزمان ظرفاً في دليل العام و قيداً في دليل المخصص
في هذه الصورة، يُؤخذ الزمن في دليل العام على نحو الظرفية، وفي دليل المخصص على نحو القيدية. صاحب الكفاية(قدس سره) يقول في هذا الصدد:
«لا مورد للاستصحاب، فإنّه و إن لمیكن هناك دلالة أصلاً، إلا أنّ انسحاب الحكم الخاصّ إلى غیر مورد دلالته من إسراء حكم موضوع إلى آخر، لا استصحاب حكم الموضوع و لا مجال أیضاً للتمسّك بالعامّ لما مرّ آنفاً، فلابدّ من الرجوع إلى سائر الأصول».[6]
عدم إمكانية التمسك بدليل العام
في هذه الحالة، حيث يُؤخذ الزمن في دليل العام على نحو الظرفية، يكون العموم مجموعياً، وحكمه يُعتبر حكماً واحداً لجميع أفراده. ومن جهة أخرى، دليل المخصص يقطع حكم العام في نطاقه الخاص. وبالتالي، الفرد الذي خرج من حكم العام بواسطة المخصص، لا يمكن القول إنه يعود إلى العام بعد انتهاء المخصص.
عدم إمكانية استصحاب حكم المخصص
في هذه الحالة، يُؤخذ الزمن في دليل المخصص على نحو القيدية بحيث يكون عمومه استغراقياً، ودليل المخصص لديه أفراد متعددة. وبالتالي، الفرد المتيقن (الزمن الذي يشمله دليل المخصص بشكل صريح) يختلف عن الفرد المشكوك (الزمن الذي يأتي بعد المخصص). ولهذا السبب، لا توجد وحدة في الموضوع، ولا يمكن جريان الاستصحاب هنا.
الرجوع إلى الأصول العملية
في هذه الحالة، لا يمكن التمسك بدليل العام ولا بدليل المخصص. وبالتالي، يجب الرجوع إلى الأصول العملية مثل أصالة البراءة أو أي أصل مناسب آخر.
الصورة الرابعة: أخذ الزمان قيداً في دليل العام وظرفاً في دليل المخصص
في هذه الحالة، يُؤخذ الزمن في دليل العام على نحو القيدية وفي دليل المخصص على نحو الظرفية. صاحب الكفاية(قدس سره) يقول:
«كان المرجع هو العامّ، للاقتصار في تخصیصه بمقدار دلالة الخاصّ [أي یقتصر في تخصیص العامّ بالقدر المتیقّن الذي دلّ علیه المخصّص] و لكنّه لولا دلالته لكان الاستصحاب مرجعاً، لما عرفت من أنّ الحكم في ظرف الخاصّ قد أخذ على نحوٍ صحّ استصحابه.»[7]
إمكانية التمسك بدليل العام
حيث يُؤخذ الزمن في دليل العام على نحو القيدية، يكون حكم العام استغراقياً وله أفراد متعددة. وبالتالي، يتم تخصيص دليل العام بواسطة دليل المخصص فقط بمقدار دلالته. بمعنى آخر، دليل المخصص يخصص فقط القدر المتیقّن من العام الذي يدلّ عليه بوضوح، بينما تبقى باقي الأفراد تحت شمول دليل العام.
لذلك، في هذه الحالة يمكن الرجوع إلى دليل العام وأخذ حكم الفرد المشكوك منه؛ لأن الفرد بعد المخصص يُعتبر أحد أفراد العام، وتخصيص دليل العام بواسطة دليل المخصص يقتصر فقط على حدود القدر المتیقّن.
إمكانية استصحاب حكم المخصص
في هذه الحالة، حيث يُؤخذ الزمن في دليل المخصص على نحو الظرفية، فإن المخصص يُعتبر حكماً واحداً يجري في فترة زمنية معينة. وبالتالي، يمكن جريان استصحاب حكم المخصص هنا بسبب وجود وحدة الموضوع. بمعنى آخر، موضوع المخصص هنا يُعتبر حكماً واحداً يمكن أن يستمر، واستصحاب حكمه يمكن أن يجري حتى الوصول إلى الزمن المشكوك.
لكن، طالما أن الأصل اللفظي موجود ويمكن التمسك به، وهو دليل العام، فإننا نتمسك به، ولا ننتقل إلى الأصل العملي (الاستصحاب) إلا إذا تعذر التمسك بالعام.
مناقشتان من المحقق الخوئي(قدس سره) حول بيان صاحب الكفاية(قدس سره)
المناقشة الأولى
المحقق الخوئي(قدس سره) يعترض على التفصيل الذي ذكره صاحب الكفاية(قدس سره) في الصورة الأولى، حيث فرّق صاحب الكفاية(قدس سره) بين حالتين:
إذا دخل المخصص منذ البداية، يتم الرجوع إلى دليل العام.
إذا دخل المخصص في الوسط، يتم التمسك باستصحاب حكم المخصص.
المحقق الخوئي(قدس سره) يرى أن هذا التفصيل صحيح فقط إذا كان العموم والاستمرار مستفادَين من دليل خارجي، ولكن إذا كان استمرار الحكم مستفاداً من نفس دليل العام (مثل قوله تعالى: (أوفوا بالعقود))، فإن هذا التفصيل غير مقبول. وقد بيّن ذلك بقوله:
«أما ما ذكره من إمكان الرجوع إلى العموم المجموعي مع كون التخصيص في الأوّل، فهو صحيح فيما إذا كان العموم والاستمرار مستفاداً من الدليل الخارجي، بأن يدل دليل على إثبات الحكم في الجملة، ودليل آخر على استمراره، فحينئذٍ يمكن الفرق بين كون التخصيص في الأوّل وكونه في الوسط بإمكان الرجوع إلى العام في الأوّل، لكون التخصيص دالاً على أن الاستمرار ثابت للحكم المذكور بعد هذا الزمان، بخلاف ما إذا كان التخصيص في الوسط، فإن الاستمرار قد انقطع، وإثبات الحكم بعده يحتاج إلى دليل. أما إذا كان الاستمرار مستفاداً من نفس الدليل الدال على ثبوت أصل الحكم كما في المقام، فإن اللزوم والاستمرار كليهما مستفاد من قوله تعالى: (أوفوا بالعقود)، فلا فرق بين كون التخصيص في الأوّل أو في الوسط، لأن الدليل يدل على حكم مستمر، فإذا انقطع يحتاج إثباته بعد التخصيص إلى دليل على مذاقه».[8]
توضيح كلام المحقق الخوئي(قدس سره)
إذا كان العموم و الاستمرار مستفادَين من دليل خارجي:
في هذه الحالة، يوجد دليل يثبت الحكم بشكل عام، و يوجد دليل آخر يؤكد استمرار الحكم. في مثل هذه الحالة:
إذا دخل المخصص منذ البداية، يمكن الرجوع إلى دليل العام؛ لأن المخصص يقطع استمرار الحكم فقط في فترة زمنية محددة، و لكن الحكم العام يبقى مستمراً بعد هذه الفترة.
أما إذا دخل المخصص في الوسط، فإن استمرار الحكم ينقطع تماماً، و لا يمكن إثبات استمرار الحكم بعد المخصص إلا بدليل جديد.
إذا كان استمرار الحكم مستفاداً من نفس دليل العام:
مثل قوله تعالى ﴿أوفوا بالعقود﴾ الذي يشير إلى أصل الحكم و استمراره، ففي هذه الحالة لا يوجد فرق بين دخول المخصص منذ البداية أو دخوله في الوسط.
لأن دليل العام يدل على حكم مستمر، و إذا قطع المخصص هذا الحكم، فإن إثبات استمرار الحكم بعد المخصص يحتاج إلى دليل جديد بغض النظر عن وقت دخول المخصص.
ملاحظة الأستاذ على المناقشة الأولى
ما طرحه المحقق الخوئي(قدس سره) في مناقشته يمثل خلطاً بين مرحلة بيان الحكم و مرحلة تنفيذ الحكم. فقد ركّز على مرحلة بيان الحكم و فرّق بين حالتين:
• أن يكون العموم و الاستمرار مستفادَين من دليل خارجي.
• أن يكون العموم و الاستمرار مستفادَين من نفس دليل العام.
لكن هذا التفريق ينحصر في مقام بيان الحكم، و ليس له أي ارتباط بمناقشتنا التي تقع في مقام تنفيذ الحكم. التوضيح الدقيق لهذه المسألة يكون كالتالي:
توضيح مقام البيان
في مقام البيان، لا فرق في كيفية بيان الحكم أو استمراره، حيث يمكن أن يتم ذلك بطرق متعددة:
قد يبيّن الشارع أولاً دليل الاستمرار، مثل قوله: (حلال محمد(صلی الله علیه و آله) حلال إلى يوم القيامة)، ثم يبيّن مصاديق الحلال.
قد يكون هناك دليل واحد يبيّن أصل الحكم واستمراره في الوقت نفسه، كما في قوله: ﴿أوفوا بالعقود﴾.
أو قد يبيّن دليل أصل الحكم، ويأتي دليل آخر يشرح استمراره.
كل هذه الحالات تقع في مقام البيان ولا تأثير لها على مناقشتنا الحالية، لأن بحثنا يتركز على مقام التنفيذ، حيث يتم تطبيق الحكم العام أو الخاص أثناء التنفيذ الفعلي للحكم، وليس أثناء بيانه.
توضيح مقام التنفيذ
في مقام التنفيذ، المسألة تتعلق بالشخص الذي يقوم بإجراء معاملة، وأي دليل – العام أو الخاص – ينطبق عليه.
في المرحلة الأولى، يتم تنفيذ المخصص، لأن الشخص يمتلك خياراً (مثل خيار المجلس). بمعنى أنه خلال وجود الشخص في مجلس المعاملة، يكون دليل الخاص (الخيار) هو الحاكم.
بمجرد انتهاء المجلس وانقضاء مدة الخيار، يصبح المخصص غير قابل للتنفيذ ويتم تطبيق الحكم العام.
على سبيل المثال، بعد انتهاء مجلس المعاملة، يتم تنفيذ الحكم العام (مثل: (حلال محمد(صلی الله علیه و آله) حلال إلى يوم القيامة)) في أول وقت بعد انتهاء المخصص.
في هذه الحالة، المخصص يُنفَّذ منذ البداية ولا يقطع الحكم العام بشكل دائم، وبالتالي يمكن الرجوع إلى الحكم العام بعد انتهاء فترة تنفيذ المخصص.
المناقشة الثانية
المحقق الخوئي(قدس سره) في هذه المناقشة، وعلى خلاف تسالم الشيخ الأنصاري(قدس سره) و صاحب الكفاية(قدس سره)، يصل إلى نتيجة مفادها أنه لا يوجد فرق بين العموم الاستغراقي و العموم المجموعي في إمكانية الرجوع إلى العموم بعد التخصيص.
يرى(قدس سره) أن حتى في العموم المجموعي، الحكم له دائرة شمولية، و مع دخول المخصص، يتم قطع جزء من هذه الدائرة، بينما تبقى باقي الأجزاء تحت حكم العام.
بعبارة أخرى، في العموم المجموعي أيضاً يمكن الرجوع إلى العموم بعد التخصيص، و وضع الحالات المشكوك فيها تحت شمول العام.
وقد عبّر عن ذلك بقوله:
«إنّه لایمكن المساعدة على ما تسالم علیه الشیخ و صاحب الكفایة من أنّه إذا كان العموم من قبیل العموم المجموعي لایمكن الرجوع إلیه و یتعیّن الرجوع إلى الاستصحاب إمّا مطلقاً كما علیه الشیخ أو فیما إذا كان الزمان في الدلیل المخصّص ظرفاً كما علیه صاحب الكفایة، و ذلك لما نقحناه في بحث العامّ و الخاصّ من عدم الفرق في جواز الرجوع إلى العامّ بین كونه استغراقیاً و مجموعیاً.
فكما لا فرق بینهما في الأفراد العرضیة، و یرجع إلى العموم في غیر ما علم خروجه بمخصّص متّصل أو منفصل، سواء كان بنحو العموم الاستغراقي -كما إذا قال المولى: «أكرم العلماء» و كان مراده اكرام كلّ واحد من العلماء على نحو الاستقلال، ثم خرج منه زید یقیناً، و شك في خروج فرد آخر فنرجع إلى العموم و نحكم بعدم خروجه، لأنّ التخصیص بالنسبة إلى فرد لایمنع شمول العامّ للأفراد الأُخر- أو كان بنحو العموم المجموعي -كما إذا قال المولى: أكرم هذه العشرة و كان مراده إكرام مجموع العشرة من حیث المجموع، ثم علمنا بخروج زید من هذه العشرة، و شككنا في خروج جزء آخر، فنرجع إلى العموم و نحكم بعدم الخروج، إذ التخصیص باعتبار جزء لایمنع شمول العامّ للأجزاء الأُخر- فكذا لا فرق بین العموم الاستغراقي و العموم المجموعي بالنسبة إلى الأفراد الطولیة في جواز الرجوع إلى العامّ مع الشك في التخصیص.
غایة الأمر أنّه یثبت بالرجوع إلى العموم الاستغراقي حكم استقلالي و بالعموم المجموعي حكم ضمني للجزء المشكوك فیه، فلا فرق بین العموم الاستغراقي و المجموعي من هذه الجهة».
«انّ الحكم الواحد قد انقطع بالنسبة إلى جزء واحد و خروج باقي الأجزاء یحتاج إلى دلیل».[9]
عدم التفاوت بين العموم الاستغراقي والمجموعي في الأفراد العرضية
المحقق الخوئي(قدس سره) يبيّن أنه في الأفراد العرضية (أي الأفراد الذين يوجدون في نفس الزمن)، لا يوجد فرق بين العموم الاستغراقي و العموم المجموعي.
في العموم الاستغراقي (مثل: «أكرم العلماء»)، كل فرد يكون مستقلاً تحت الحكم. فإذا خرج زيد عن هذا العموم، و شككنا في خروج عمرو أيضاً، نرجع إلى العموم و نحكم بعدم خروج عمرو.
أما في العموم المجموعي (مثل: «أكرم هذه العشرة»)، فإن المجموعة ككل تكون وحدة واحدة مشمولة بالحكم. فإذا خرج زيد من هذه المجموعة، و شككنا في خروج جزء آخر منها، نرجع إلى العموم و نحكم بعدم خروج ذلك الجزء.
إذن، تخصيص فرد أو جزء لا يُلغي شمول الحكم العام لبقية الأفراد أو الأجزاء.
المحقق الخوئي(قدس سره) يعمّم هذا الحكم ليشمل الأفراد الطولية (أي الأفراد المرتبطين بالزمن). بمعنى أنه إذا كان العموم بصيغة مجموعية، و ورد دليل مخصص لفترة زمنية معينة، فإنه بعد انتهاء فترة المخصص، يمكن الرجوع إلى العموم.
الفرق بين العموم الاستغراقي و المجموعي
المحقق الخوئي(قدس سره) يرى أن الفرق بين العموم الاستغراقي و العموم المجموعي يكمن فقط في نوع الحكم الذي يُثبت بالرجوع إلى العموم:
في العموم الاستغراقي، يُثبت الحكم بصورة استقلالية للفرد المشكوك فيه.
في العموم المجموعي، يُثبت الحكم بصورة ضمنية للجزء المشكوك فيه.
استمرار شمول العموم المجموعي
المحقق الخوئي(قدس سره) يضيف أنه في العموم المجموعي، إذا خرج جزء من المجموعة بسبب المخصص، فإن خروج الأجزاء الأخرى أو الفترات الزمنية الأخرى يحتاج إلى دليل منفصل. لذلك، بعد انتهاء فترة المخصص، يمكن الرجوع إلى العموم المجموعي و الحكم بأن بقية الأجزاء أو الفترات الزمنية الأخرى ما زالت مشمولة بالحكم العام.
ملاحظة الأستاذ على المناقشة الثانية للمحقق الخوئي(قدس سره)
الإشكال الرئيسي في كلام المحقق الخوئي(قدس سره) هو الخلط بين قيدية الزمان و ظرفية الزمان. هذا الخلط أدى إلى أن يصل(قدس سره) إلى نتيجة غير صحيحة في تحليله لإمكانية الرجوع إلى العموم بعد التخصيص. وفيما يلي شرح أدق لهذا الإشكال:
قيدية الزمان
في هذا الرأي، يُعتبر الزمان قيداً للموضوع أو الحكم. بمعنى أن كل فترة زمنية تُعتبر فرداً أو جزءاً مستقلاً من الموضوع أو الحكم.
مثلاً، إذا قيل: (أوفوا بالعقود) و ورد مخصص يقول: «في هذه الفترة الزمنية المحددة يوجد خيار»، فإنه يمكن القول إن الفترات الزمنية الأخرى (مثل ما بعد انتهاء المجلس) تبقى تحت شمول الحكم العام.
في هذه الحالة، خروج فترة زمنية معينة من الحكم يعني خروج فرد أو جزء مستقل، بينما تبقى الأفراد أو الأجزاء الأخرى مشمولة بالحكم العام.
ظرفية الزمان
في هذا الرأي، يُعتبر الزمان مجرد ظرف يتحقق فيه الحكم، و الموضوع أو الحكم يتحقق داخل هذا الظرف الزمني المحدد فقط.
بعبارة أخرى، الزمان لا يؤثر على تعدد أو استقلال الأفراد أو الأجزاء؛ بل هو مجرد محل يجري فيه الحكم.
مثلاً، إذا قيل: (أوفوا بالعقود) و ورد مخصص يقول: «في هذه الفترة الزمنية المحددة يوجد خيار»، فإن ذلك يعني خروج نفس الفرد الواحد في تلك الفترة الزمنية المحددة من شمول الحكم العام. و في هذه الحالة، لا يوجد حديث عن أجزاء أو أفراد مستقلة.
خطأ المحقق الخوئي(قدس سره)
المحقق الخوئي(قدس سره) افترض قيدية الزمان، و تصور أن خروج الحكم في فترة زمنية محددة يشبه خروج جزء من الكل. و بناءً على ذلك، استنتج أن باقي الأجزاء (أي الفترات الزمنية الأخرى) تبقى تحت شمول الحكم العام.
هذا الافتراض غير صحيح إذا اعتُبر الزمان ظرفاً للحكم و ليس قيداً له، لأن الحكم العام في هذه الحالة لا يُقسَّم إلى أفراد أو أجزاء بناءً على الفترات الزمنية، بل يتعلق بالموضوع في ظرفه الزمني المحدد فقط.
لكن الخطأ الذي وقع فيه هو أن النقاش هنا مبني على ظرفية الزمان، وليس قيديته.
في فرض ظرفية الزمان، خروج الحكم في وقت معين يعني خروج نفس الفرد الواحد، ولا يبقى مجال للحديث عن أجزاء أو أفراد أخرى.
عندما يكون الزمان ظرفاً، تصبح المسألة على النحو التالي: في فترة زمنية معينة، الدليل المخصّص يؤدي إلى خروج فرد واحد من شمول الحكم العام (مثلاً في زمن خيار المجلس، يكون العقد تحت حكم المخصّص).
بعد انتهاء زمن المخصّص، لا يعود هناك حديث عن أفراد أو أجزاء مستقلة؛ بل يبقى النقاش محصوراً في نفس الفرد الواحد الذي خرج سابقاً من شمول الحكم العام بسبب الدليل المخصّص.
السؤال الرئيسي: هل يعود نفس الفرد الواحد إلى شمول الحكم العام بعد انتهاء زمن المخصّص أم لا؟
هنا، لا مجال للحديث عن أفراد أو أجزاء طولية (مثل أوقات أخرى)؛ بل يبقى النقاش متعلقاً بنفس الفرد المعين الذي خرج من الحكم العام خلال فترة المخصّص.
مقتضى التحقيق
مع الأخذ بعين الاعتبار الإشكالات المذكورة أعلاه، يتضح أن مناقشة المحقق الخوئي(قدس سره) غير واردة، وأن رأي صاحب الكفاية(قدس سره) القائل بعدم إمكان الرجوع إلى العموم في الموارد التي ورد فيها المخصص، هو الرأي الصحيح. [10] [11] [12]
وعلى خلاف رأي الشيخ الأنصاري(قدس سره)، والمحقق النائيني(قدس سره)، والمحقق الخوئي(قدس سره)، فإن صاحب الكفاية(قدس سره) قد أدرك بشكل صحيح أنه في الموارد التي ورد فيها المخصص لا يمكن الرجوع إلى العموم، لأن النقاش حول الأجزاء أو الأفراد المتبقية يعتمد على فرضية خاطئة وهي قيدية الزمان، في حين أن الزمان في هذه الموارد ظرف للحكم.