< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الثاني؛ المقام الثاني؛ المطلب الثاني؛ النحو الأول؛ صورة الثالثة؛ المناقشة الثانیة

 

المناقشة الثانیة

و هذه المناقشة تتوجّه إلى الدلیل الأوّل الذي ذكرناه قبل أسطر على إثبات القول بالتعیین و هو الوجه الذي استدلّ به المحقّق النائیني، و المناقشة هي أنّ ما أفاده من أنّ الأصل عدم المؤونة الزائدة أي عدم ثبوت التقیید یرجع إلى استصحاب عدم لحاظ العدل، و إثبات الوجوب التعییني به متوقّف على القول بالأصل المثبت و لا‌نقول به.

یلاحظ علیها

إنّ إثبات الوجوب التعییني في مقام الثبوت یحتاج إلى أمرین:

الأوّل: جعل الوجوب له.

الثاني: عدم جعل الوجوب لعدله أو عدم جعل جواز الترخیص في تركه إلى البدل.

و الأمر الأوّل ثابت بالوجدان و الأمر الثاني ثابت باستصحاب عدم جعل الوجوب لعدله أو عدم جعل جواز الترخیص في تركه إلى البدل.

المناقشة الثالثة

إنّ مرجع عدم ثبوت التقیید إلى استصحاب عدم لحاظ العدل كما تقدّم و هذا معارض باستصحاب عدم لحاظ الطرف الآخر بالخصوص.

یلاحظ علیها

إنّ ثبوت تقیید أصل الوجوب بوجود العدل كما في الوجوب التخییري أو عدم ثبوت التقیید، كما في الوجوب التعییني، كلاهما جزءان للوجوب التخییري أو التعییني و رتبة الجزء مقدّمة على رتبة الكلّ، و تعارض استصحاب عدم لحاظ العدل و استصحاب عدم لحاظ الطرف الآخر بالخصوص في رتبة أخری غیر رتبة ثبوت التقیید أو عدم ثبوته أمّا ثبوت التقیید فلا‌یجري فیه الاستصحاب لعدم وجود حالة سابقة فيه و أمّا عدم ثبوت التقیید فیجري فیه الاستصحاب بلا وجود معارض.

المناقشة الرابعة

إنّ ما ذكره من أنّ الوجوب التخییري یحتاج إلى مؤونة زائدة في مقام الإثبات فهو إنّما یتمّ إذا دلّ دلیل لفظي على وجوب شيء، من دون ذكر عدل له فیتمسّك بإطلاقه لإثبات كون الوجوب تعیینیاً.

و أمّا إذا لم‌یكن هناك دلیل لفظي كما هو المفروض في المقام «إذ محلّ كلامنا عدم وجود دلیل لفظي و البحث عن مقتضى الأصول العملیة» فلایترتّب علیه الحكم بالوجوب التعییني.

یلاحظ علیها

إنّ محلّ الكلام هو وجود الدلیل اللفظي على وجوب الفعل الأوّل، فما أفاده لایمكن الإلتزام به.

الدلیل الثالث: ما أفاده المحقّق النائیني
([1]
)

إنّ الشك هنا متعلّق بمرحلة السقوط و الامتثال، فإنّه إذا علم وجوب شيء في الجملة، فمرجع الشك في تعیینیته و تخییریته إلى الشك في أنّ الشارع جعل له مسقطاً آخر غیر الإتیان بمتعلّقه أو لا؟ و إلا فحقیقة الوجوب لیس لها قسمان: تعییني و تخییري، فإذا رجع الشك إلى مرحلة السقوط و الامتثال، فلا‌محالة یحكم العقل بالاشتغال دون البراءة.

إیراد المحقّق الخوئي
علی الدلیل الثالث ([2]
)

إنّ التخییر المحتمل في المقام إمّا تخییر عقلي و إمّا تخییر شرعي.

أمّا في موارد التخییر العقلي فتعلّق التكلیف بالجامع معلوم و إنّما الشك في كونه مأخوذاً في متعلّق التكلیف على نحو الإطلاق و لا‌بشرط أو على نحو التقیید و بشرط شيء، إذ لایتصوّر الإهمال بحسب مقام الثبوت.

و العلم الإجمالي ینحلّ لجریان البراءة بالنسبة إلى التقیید و عدم وجود معارض له لعدم جریان البراءة في ناحیة الإطلاق حیث أنّ الإطلاق لا كلفة فیه و لا تضییق بالنسبة إلیه.

و أمّا في موارد التخییر الشرعي فالوجوب التخییري على تقدیر تحقّقه یتعلّق بالجامع الانتزاعي المعبّر عنه بأحد الشیئین أو أحد الأشیاء، فإذا شككنا بین التعییني و التخییري حینئذٍ فتعلّق التكلیف بعنوان أحد الشیئین في الجملة معلوم و إنّما الشك في الإطلاق و التقیید فتجري أصالة البراءة عن التقیید، فالوجوب معلوم بالوجدان و بانضمام أصالة البراءة إلیه یحكم بالتخییر.

فیحكم بالتخییر عند دوران الأمر بین التعیین و التخییر في الصورة الثالثة.

یلاحظ علیه

قد تقدّم([3] ) بطلان ما أفاده بالنسبة إلى التخییر الشرعي حیث أنّ التكلیف فیه لایتعلّق بالجامع الانتزاعي.

فتحصّل على هنا: أنّ دوران الأمر بین التعیین و التخییر في الأحكام الواقعیة في مرحلة الجعل (و هو القسم الأوّل من الدوران بین التعیین و التخییر) یتصوّر فیه صور ثلاث:

أمّا الصورة الأولى: فقد تقدّم أنّه إن كان التخییر بینهما عقلیاً فالحقّ البراءة من خصوصیة كلّ منهما و العلم التفصیلي بالجامع یقتضي التخییر بین الفعلین، و أمّا إن كان التخییر شرعیّاً فالحقّ هو التعیین، لأنّ وجوب كلّ من الطرفین معلوم و الأصل في كلّ وجوب عند الشك في تعیینیته أو تخییریته هو التعیین.

أمّا الصورة الثانیة و الثالثة: ففیهما أیضاً إن كان التخییر بینهما عقلیاً فتجري البراءة عن خصوصیة الفعل الأوّل و العلم التفصیلي بوجوب الجامع یوجب انحلال العلم الإجمالي إمّا بوجوب الجامع بخصوصه و إمّا بوجوبه بشرط الإتیان بالفعل الأوّل.

و إن كان التخییر شرعیاً فیحكم بالتعیین لوجهین:

الأوّل: البراءة عن وجوب الفعل الثاني فیجب الإتیان بالفعل الأوّل تعییناً.

و الثاني: أنّ وجوب الفعل الأوّل معلوم إمّا تعییناً و إمّا تخییراً و التخییر یحتاج إلى مؤونة زائدة و الأصل عدمها.

النحو الثاني: الدوران في الأحكام الظاهریة في مرحلة الجعل

فإنّ المحقّق النائیني فصّل في هذا القسم بین مبنی السببیة بمعناه المعقول و هي المصلحة السلوكیة و بین مبنی الطریقیة.

أمّا على القول بالمصلحة السلوكیة قال بأنّه یرجع الأمر عند تعارض الخبرین إلى التزاحم و علیه یكون التخییر عند تعارضهما على طبق القاعدة و أمّا إذا شك في التعیین و التخییر في أحدهما فیرجع إلى النحو الثالث و هو دوران الأمر بین التعیین و التخییر في المتزاحمین و سیجيء([4] ) الكلام حوله.

و أمّا على مبنی الطریقیة المحضة الذي هو مختار المحقّق النائیني فطریقیة ما یحتمل تعیّنه و كونه مورداً لجعل الوسطیة في الإثبات تعییناً أو تخییراً معلوم بالفرض و أمّا الطرف الآخر فطریقیته مشكوكة و الشك في الطریقیة مساوق للقطع بعدم الطریقیة الفعلیة.

النحو الثالث: الدوران من جهة التزاحم

فإنّ التزاحم إنّما یكون في ما إذا كان الملاك في كلّ من الطرفین ملاكاً ملزماً و كان إطلاق كلّ من الطرفین شاملاً لصورة الإتیان بالطرف الآخر أو عدم الإتیان به مع أنّ المكلّف عاجز عن الجمع بین امتثال كلا الطرفین و هنا ثلاث صور:

الصورة الأولى

أن یكون أحدهما معلوم الأهمیّة فإطلاق خطابه باق بحاله و یتعیّن الإتیان بمتعلّقه و یسقط إطلاق الخطاب في الطرف الآخر إلا إذا عصی الخطاب الأهم بناء على الترتّب.

الصورة الثانیة

أن یكون أحدهما محتمل الأهمیة، فحینئذٍ یتعیّن الإتیان بمحتمل الأهمیة.

بيّن المحقّق النائیني ذلك:([5] ) إنّ الشك في الأهمیّة لشبهة موضوعیة أو حكمیة یرجع إلى الشك في سقوط كلا الإطلاقین و أمّا سقوط إطلاق طلب غیر محتمل الأهمیة فهو معلوم على كلّ تقدیر و أمّا سقوط إطلاق محتمل الأهمّیة فهو غیر معلوم و مع عدم إحراز سقوطه لایمكن الحكم بالسقوط، فیجب الإتیان بمحتمل الأهمیة.([6] )

الصورة الثالثة

أن لایكون أحدهما أهمّ أو محتمل الأهمیة فقال المحقّق النائیني بسقوط كلا الخطابین فلا‌بدّ من التخییر بینهما.

هذه أقسام دوران الأمر بین التعیین و التخییر و قد ذكرنا حكم جمیع الأقسام.([7] )

و نتیجة هذه الأبحاث:

هو أنّ للأقل و الأكثر الارتباطیین في الأجزاء التحلیلیة ثلاثة أقسام و تجري البراءة عن التقیید بالأكثر في جمیع الأقسام حتّی القسم الثالث الذي قال المحقّق النائیني فیه بأنّه من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر فیجب الإتیان بالأكثر لعدم إمكان تعلّق التكلیف بالطبیعة الجنسیة التي هي متحقّقة في الأقلّ اللابشرط، و قد تقدّم بطلان مبنی المحقّق النائیني و قلنا بإمكان تعلّق الخطاب و التكلیف بالطبیعة الجنسیة.


[3] تقدّم في ص372.
[4] يجي في الصفحة التالية.
[6] بيان المحقّق الخوئي على ما في الهداية في الأصول، الصافي الإصفهاني، الشيخ حسن، ج3، ص462.: «و مقتضى القاعدة في ذلك هو التعيين، لعدم جريان البراءة عن خصوصية الأهمّ، فإنّه لا شكّ لنا في كيفية جعل الأهمّ احتمالاً، بل نقطع بكونه بالخصوص تحت الإلزام في مقام الجعل، و إنّما الشكّ حصل في مقام الامتثال، و أنّه هل يجب على المكلّف صرف قدرته في الإتيان بالأهمّ احتمالاً، أو لا‌يجب صرف قدرته إلّا في أحدهما بلا تعيين؟ فإذا صرف قدرته في المحتملة أهمّيّته، فقد امتثل قطعاً، لكونه إمّا هو المتعيّن عليه إذا كان في الواقع أهمّ، أو رافعاً لموضوع خطاب الآخر لكون خطاب الآخر مشروطاً بعدم الإتيان به قطعاً و قد أتى به، و لكن إذا صرف قدرته في غيره، فلا‌يقطع بالامتثال، لاحتمال كون خطاب المحتملة أهمّيّته مطلقاً غير مشروط بعدم إتيان الآخر ...».بیان منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج5، ص243..: «الثاني: دوران الأمر بين التعيين و التخيير في باب التزاحم، كما إذا تزاحم واجبان كان أحدهما محتمل الأهمية، فإنه يدور الأمر بين تعيين محتمل الأهمية و التخيير بينه و بين غيره. و في مثل ذلك يلتزم بالتعيين أيضاً، لأن مرجع التخيير إلى الالتزام بتقييد إطلاق كلّ منهما بصورة عدم الإتيان بالآخر- إذ المزاحمة تنشأ من تعارض الإطلاقين-. و عليه، فمع احتمال أهمية أحدهما يعلم بتقييد إطلاق الآخر، على كلا التقديرين كما هو واضح. و أما محتمل الأهمية فلا‌يعلم بتقييد إطلاقه، فيكون إطلاقه محكماً، و هو معنى الترجيح»‌
[7] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص457.: «و أمّا القسم الثالث: و هو ما إذا دار الأمر بين التعيين و التخيير في مقام الامتثال لأجل التزاحم، فالحقّ فيه أيضاً هو الحكم بالتعيين، و تحقيق ذلك يستدعي ذكر أمرين:الأوّل: أنّ التزاحم في مقام الامتثال يوجب سقوط أحد التكليفين عن الفعلية لعجز المكلف عن امتثالهما، و يبقى الملاكان في كلا الحكمين على حالهما، إذ المفروض أنّ عجز المكلف هو الذي أوجب رفع اليد عن أحد الحكمين في ظرف امتثال الآخر، و إلّا كان الواجب عليه امتثالهما معاً لتمامية الملاك فيهما.الثاني: أنّ تفويت الملاك الملزم بعد إحرازه بمنزلة مخالفة التكليف الواصل في القبح و استحقاق العقاب بحكم العقل، و لا‌يرتفع قبحه إلّا بعجز المكلف تكويناً أو تشريعاً، كما إذا أمره المولى بما لا‌يجتمع معه في الخارج، فما لم‌يتحقق أحد الأمرين يحكم العقل بقبح التفويت و استحقاق العقاب عليه.إذا عرفت هذين الأمرين فنقول: إذا كان أحد الواجبين المتزاحمين معلوم الأهمّية فلا محالة يكون التكليف الفعلي متعلقاً به بحكم العقل، و الملاك في الطرف الآخر و إن كان ملزماً في نفسه، إلّا أنّ تفويته مستند إلى عجزه تشريعاً، لأنّ‌ المولى أمره بصرف القدرة في امتثال الأهمّ، فيكون معذوراً في تفويته. نعم لو عصى التكليف بالأهمّ كان مكلفاً بالمهم بناءً على ما ذكرناه في محلّه من إمكان التكليف بالضدّين على نحو الترتب‌.و إذا كان الواجبان المتزاحمان متساويين من حيث الملاك، فلا‌يعقل تعلّق التكليف الفعلي المطلق بخصوص أحدهما دون الآخر، لقبح الترجيح بلا مرجح، فلا مناص من الالتزام بتعلّق التكليف بكلّ منهما مشروطاً بعدم الاتيان بالآخر أو بهما معاً على نحو التخيير على الخلاف المذكور في شرح الواجب التخييري‌ و على كلّ تقدير لا إشكال في جواز الاكتفاء بأحدهما عن الآخر لعدم قدرته على أزيد من ذلك في تحصيل غرض المولى.و أمّا إذا كان أحدهما محتمل الأهمّية فلا إشكال في جواز الإتيان به و تفويت الملاك في الآخر، لدوران الأمر بين كونه واجباً متعيناً في مقام الامتثال، أو مخيراً بينه و بين الطرف الآخر، و على كلّ تقدير كان الإتيان به خالياً عن المحذور. و أمّا الاتيان بالطرف الآخر و تفويت الملاك الذي احتمل أهمّيته فلم‌يثبت جوازه، فإنّه متوقف على عجز المكلف عن تحصيله تكويناً أو تشريعاً، و المفروض قدرته عليه تكويناً و هو واضح، و تشريعاً لعدم أمر المولى بإتيان خصوص الطرف الآخر ليوجب عجزه عن تحصيل الملاك الذي احتمل أهمّيته، فلا‌يجوز تفويته و إلّا لاستحقّ العقاب عليه بحكم العقل».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo