< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الثاني؛ الجهة الثانية: جریان البرائة الشرعیة؛ بیان المحقق النائیني

 

بیان المحقّق النائیني
لجریان البراءة الشرعیة([1]
)

إنّ الشك في كون الماهیة المأمور بها مأخوذة لا‌بشرط أو بشرط شيء عبارة أخری عن الشك في كون الماهیة مطلقةً أو مقیّدةً، و قد ذكرنا مراراً أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید إنّما هو تقابل العدم و الملكة، ‌فشمول حدیث الرفع للجزء المشكوك و نفي جزئیته من جهة‌ الشك في انبساط الأمر النفسي إلیه، یثبت الإطلاق الظاهري، و أنّ الماهیة المأمور بها لیست في مقام الظاهر مقیّدة و إن كانت في الواقع كذلك، و مع ثبوت إطلاق المأمور به و لا بشرطیته و لو ظاهراً یتحقّق الانحلال لا‌محالة و یرتفع الإجمال المانع عنه (أي یرتفع إهمال قضیة وجوب الأقلّ الذي هو المعلوم تفصیلاً، فإنّ المحقّق النائیني قال: إنّ انحلال العلم الإجمالي لابدّ أن یكون بالعلم التفصیلي بوجوب الأقلّ على نحو القضیة المطلقة لا المهملة و حیث أنّ جریان البراءة العقلیة بالنسبة إلى التقیید بالجزء المشكوك لایثبت الإطلاق «لأنّ مفاد البراءة العقلیة هو قبح العقاب لا نفي التكلیف عن الجزء المشكوك» فلا‌یمكن إثبات الإطلاق بالبراءة العقلیة، بخلاف البراءة الشرعیة حیث أنّها تنفي التقیید و ذلك یثبت الإطلاق، فیرتفع الإجمال و الإهمال الذي یمنع عن انحلال العلم الإجمالي، و نتیجة ذلك هو انحلال العلم الإجمالي، و وجوب الأقلّ و جریان البراءة الشرعیة عن وجوب الجزء المشكوك.)

ثم قال المحقّق النائیني: إنّه لو قلنا بأنّ تقابل الإطلاق و التقیید هو تقابل التضادّ أیضاً ینحلّ العلم الإجمالي و تجري البراءة الشرعیة عن وجوب الجزء المشكوك، لأنّ كون الإطلاق أمراً وجودیاً ملازماً لعدم التقیید على تقدیر صحتّه إنّما هو من الأُمور العقلیة الدقیقة و العرف لایری الإطلاق إلا نفس عدم التقیید، و على هذا مفاد حدیث الرفع هنا أیضاً و إن كان نفي التقیید إلا أنّ ذلك متّحد عرفاً مع الإطلاق فیرتفع إهمال قضیة العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ فینحلّ العلم الإجمالي.([2] )

إیرادان من المحقّق الخوئي علی بیان المحقّق النائیني
([3]
)

أوّلاً: جریان البراءة عن الأكثر (أي عن تقیید الأقلّ بانضمام الأجزاء المشكوك فیها) لایثبت تعلّق التكلیف بالأقلّ على نحو الإطلاق، إلا على القول بالأصل المثبت، لما ذكرناه مراراً([4] ) من أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید بحسب مقام الثبوت هو تقابل التضاد، إذ الإطلاق بحسب مقام الثبوت عبارة عن لحاظ الطبیعة بنحو السریان و اللا‌بشرط القسمي و التقیید عبارة عن لحاظها بشرط شيء و الطبیعة الملحوظة بنحو لا‌بشرط مضادّة للطبیعة الملحوظة بشرط شيء، و مع كون التقابل بین الإطلاق و التقیید من تقابل التضادّ لایمكن إثبات الإطلاق بنفي التقیید و معه لاینحلّ العلم الإجمالي المقتضي لوجوب الاحتیاط، فلا‌تجري البراءة النقلیة كما لاتجري البراءة العقلیة.([5] )

ثانیاً: بناءً على ما ذكرنا من أنّ انحلال العلم الإجمالي لایحتاج إلى إثبات الإطلاق بل یكفیه جریان الأصل في أحد الطرفین بلامعارض، جرت البراءة العقلیة و النقلیة في المقام بملاك واحد.([6] )

فتحصّل من ذلك جریان البراءة الشرعیة على مبنی المحقّق النائیني من دون احتیاج إلى إثبات الإطلاق، لأنّ جریان الأصل في أحد الطرفین یوجب انحلال العلم الإجمالي عنده.([7] )

إشكال علی جریان البراءة الشرعیة في المقام

إنّ صاحب الكفایة ذكر إشكالاً و هو أنّ الجزئیة لیست مجعولة بنفسها بل هي مجعولة بجعل منشأ انتزاعها و هو الأمر الأوّل و حینئذٍ جریان حدیث الرفع بالنسبة إلى جزئیة الشيء المشكوك مستلزم لرفع الأمر الأوّل لأنّ ارتفاع الأمر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه فلا دلیل آخر و لا أمر بالنسبة إلى بقیّة الأجزاء و هي الأقلّ.

جواب صاحب الكفایة
([8]
)

إنّ ارتفاع الأمر الانتزاعي هو بارتفاع منشأ انتزاعه، إلا أنّ نسبة حدیث الرفع إلى الأدلّة الدالّة إلى بیان الأجزاء نسبة الاستثناء، و معنی ذلك هو أنّ تلك الأدلّة تدلّ على جزئیة جمیع الأجزاء للمأمور به و حدیث الرفع دلّ على استثناء الجزء المشكوك، و على هذا جزئیة هذا الجزء المشكوك تختصّ بحال العلم بها و أمّا في حال الجهل بالجزئیة فلیس هذا الجزء جزءً للمركب.

و محصّل ذلك هو أنّ دلیل وجوب بقیّة الأجزاء هو نفس الأدلّة ‌الدالّة على وجوب المركب.

إیراد المحقّق الخوئي
([9]
)

ما أفاده من أنّ نسبة حدیث الرفع على أدلّة الأجزاء و الشرائط هو نسبة الاستثناء على المستثنى منه، إنّما تتمّ بعد ما دلّ دلیل على وجوب البقیّة.

و هذا الكلام یجري في الاضطرار على بعض الأجزاء أیضاً حیث أنّ الاضطرار إلى بعض الأجزاء یوجب رفع الید عن الأدلّة الأوّلیة الدالّة‌ على المركب التامّ فلم‌یبق دلیل على وجوب البقیة إلا في بعض الموارد الخاصة مثل الصلاة حیث ورد أنّ الصلاة لاتترك بحال أو مثل ما إذا تمت قاعدة المیسور، و أمّا في بقیة الموارد فلا دلیل على وجوب بقیة الأجزاء مثل الاضطرار في بعض ساعات الیوم إلى أكل الطعام، فإنّه لا دلیل على وجوب إمساكه في بقیة أجزاء الیوم.

و التحقیق هو أنّ الدلیل على وجوب بقیة الأجزاء هو العلم الإجمالي، فإنّ وجوب الأقلّ ثابت للعلم الإجمالي بوجوب الأقلّ المردّد بین كونه بالإطلاق أو التقیید.([10] )


الجهة الثالثة: مقتضی الاستصحاب

قد استدلّ بالاستصحاب تارةً لإثبات الاشتغال و أخری لإثبات البراءة، فنبحث عن هذه الجهة في موضعين:

الموضع الأول: إثبات أصالة الاشتغال بالاستصحاب ([11]
)

إنّ استصحاب بقاء التكلیف بعد الإتیان بالأقلّ یقتضي الإتیان بالأكثر حتّی یحصل الیقین بفراغ الذمّة.

تقریر الاستصحاب: إنّ التكلیف متعلّق بما هو مردّد بین الأقلّ و الأكثر فالواجب مردّد بین ما هو مقطوع الارتفاع و هو الأقلّ و ما هو مقطوع البقاء و هو الأكثر، فیجري استصحاب بقاء التكلیف على نحو استصحاب القسم الثاني من الكلّي و العقل حینئذٍ یحكم بلزوم الإتیان بالأكثر، فإنّ الحكم بوجوب الإتیان بالأكثر لایترتّب على نفس الاستصحاب، لأنّ استصحاب بقاء التكلیف بالنسبة إلى إثبات وجوب الأكثر أصل مثبت، بل العقل یحكم بوجوب تحصیل العلم بفراغ الذمّة.


[2] و قال الشیخ حسین الحلّي في أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج8، ص298. في الهامش: «هذا، و لكن ينبغي مراجعة تمام ما حرّرته عنه في ليلة الثلاثاء 29 ع 1 و الأربعاء 30 ع 1 سنة 1343، و ما حرّرناه في هامش ذلك نقلًا عنه فيما أفاده في الدورة الأخيرة 13 ج2 سنة 1350، و مراجعة ما صرّح به هو في رسالته في اللباس المشكوك من أنّ البراءة الشرعية تثبت الإطلاق الظاهري، فراجعه فإنّه قال هناك بعد بيان جريان دليل البراءة الشرعية ما هذا لفظه: فلا جرم يرتفع قيدية المشكوك في الظاهر، و يؤول الأمر إلى إطلاق ظاهري في المعلوم التفصيلي لا محالة، و يجري الارتباطي مجرى غيره في الظاهر إلخ [رسالة الصلاة في المشكوك: 301- 302].فإنّ مراجعة جميع ذلك تبيّن لك أنّه لا‌يريد بذلك ضمّ أصالة البراءة إلى دليل الأمر المردّد بين الأقل و الأكثر، و يكون الناتج هو تحقّق الإطلاق في دليل الأمر، ليكون حال أصالة البراءة بالنسبة إلى ذلك الأمر حال أصالة عدم التقييد، أو استصحاب عدم إلحاق قيد و نحو ذلك من الأصول الإحرازية التي يكون مفادها إحراز عدم القيد، ليكون الناتج من ضمّها إلى ذلك الدليل إطلاقاً لفظياً و دليلًا اجتهادياً، كسائر الاطلاقات اللفظية الواقعية و الأدلّة الاجتهادية، فإنّ ذلك بالنسبة إلى حديث الرفع ممّا لا‌يمكن التفوّه به لأقل الطلبة فكيف ينسب إليه.و إنّما مراده هو ما يظهر من جميع ما حرّرته عنه و ما صرّح به في مسألة اللباس المشكوك، و هو أنّ الناتج من ضمّ البراءة إلى الدليل المذكور هو الإطلاق الظاهري، بمعنى أنّ ذلك المكلّف الذي جرى في حقّه حديث الرفع يكون الأمر بالقياس إليه محكوماً ظاهراً بالاطلاق و يكون المأمور به في حقّه بحكم المطلق، أو إن شئت فقل: يكون المأمور به في حقّه مطلقاً ظاهراً.و ليس المراد أيضاً إثبات الإطلاق الثبوتي في حقّه ظاهراً، لأنّ هذا هو عين الإطلاق في مقام الإثبات، فلا معنى لتسميته إطلاقاً ظاهرياً، لكونه حينئذ إطلاقاً إثباتياً واقعياً.بل المراد أنّه بعد جريان البراءة في رفع التقييد، يكون حكم ذلك المكلّف في الظاهر كحكم من قام عنده الدليل المطلق، أي يكون حكمه في الظاهر هو إطلاق المأمور به.و بالجملة: أنّه لا‌يعقل القول بأنّ رفع التقييد في مقام الشكّ بمفاد حديث الرفع يكون مثبتاً لكون المأمور به مطلقاً في الواقع، أو يكون موجباً لتحقّق الاطلاق اللفظي بالنسبة إلى دليل الأمر، لأنّ ذلك لا‌يقوله أقل الطلبة، فلا‌بدّ أن يكون مراده. كما يظهر ممّا حرّرته عنه و مما صرّح في اللباس المشكوك هو كون دليل المأمور به في الظاهر بالنسبة إلى ذلك المكلّف بحكم المطلق»
[4] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج43، ص529..؛ و راجع عيون الأنظار، ج2، ص209، و ج3، ص439
[5] لایخفی أنّ المحقّق النائیني على ما في فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص163.. التفت إلى ورود هذا الإشكال فقال: «و لا‌يتوهّم: أنّ رفع التكليف عن الأكثر لا‌يثبت به إطلاق الأمر بالأقلّ إلّا على القول بالأصل المثبت، فإنّه قد تقدّمت الإشارة إلى أنّ التقابل بين الإطلاق و التقييد ليس من تقابل التضادّ لكي يكون إثبات أحد الضدّين برفع الآخر من الأصل المثبت، بل التقابل بينهما تقابل العدم و الملكة، و ليس الإطلاق إلّا عبارة عن عدم لحاظ القيد، فحديث الرفع بمدلوله المطابقي يدلّ على إطلاق الأمر بالأقلّ و عدم قيديّة الزائد»
[6] قال في مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص438.: «إن قلنا بجريان البراءة العقلية، فلا‌ينبغي الاشكال في جريان البراءة الشرعية أيضاً بملاك واحد، و هو عدم جريان الأصل في الإطلاق، باعتبار كونه سعة على المكلف، و لا‌يكون تضييقاً عليه ليشمله حديث الرفع و نحوه، فيجري الأصل في التقييد بلا معارض، فكما قلنا إنّ الأصل عدم التقييد بمعنى قبح العقاب عليه لعدم البيان، كذلك نقول برفع المؤاخذة على التقييد لكونه ممّا لا‌يعلم، فيشمله مثل حديث الرفع».
[7] و في منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج5، ص207. أورد على المحقّق النائيني: «إن مجرى البراءة إما أن يكون جزئية المشكوك، و إما أن يكون وجوب الأكثر.فإن كان المقصود إجراء البراءة في جزئية المشكوك فيدفعه: أنه إنما يتمّ لو التزم بالتبعض في التنجيز.أما إذا لم‌يلتزم به- كما هو ظاهر كلامه، و لذا منع من إجراء البراءة العقلية-، فلا‌يصح إجراء البراءة في الجزئية و نفي اعتبار الجزء المشكوك بالأصل، لأن مجرى البراءة على المسالك المختلفة في مفاد حديث الرفع من تكفّله رفع الاحتياط أو جعل الإباحة و نفي الإلزام كناية، لا‌بدّ أن يكون مما يقبل التنجيز و مما يكون فيه إلزام و كلفة بنفسه على المكلف.و من الواضح أن الجزء لا تنجيز فيه و لا معنى للاحتياط من قبله، كي‌ ينفي بحديث الرفع، كما لا إلزام من جهته نفسه، بل الإلزام به من جهة الأمر بالكل و أنه بعضه، فلا معنى لجعل الإباحة و نفي الإلزام به كناية.نعم لو فرض الالتزام بالتبعض في التنجيز كان الجزء قابلاً للتنجّز و عدمه فيقبل الرفع، لكن عرفت أنه خلاف مبناه، إذ لازم التبعض هو إجراء البراءة العقلية و هو لا‌يلتزم به.و إن كان المقصود إجراء البراءة في وجوب الأكثر، فهي معارضة بإجرائها في وجوب الأقل استقلالاً لأنه مشكوك أيضاً، كما أن إجراء البراءة في وجوب الأكثر لا‌يثبت وجوب الأقل إلا بالملازمة، و ليس حالها حال البراءة من جزئية المشكوك، فانتبه.و أما حديث إطلاق الأمر و ثبوت وجوب الأقل بإجراء البراءة من الزيادة المشكوكة، فهو غير سديد، لأن نفي الجزئية ظاهراً- كما التزم به- يرجع إلى عدم وجوب الاحتياط من جهة الجزء المشكوك، و هذا لا‌يتكفل إثبات إطلاق الأمر و نفي تعلّقه بالمقيد الراجع إلى وجوب الأقل، لأن عدم وجوب الاحتياط لا‌يتنافى مع وجود الواقع و ثبوته.هذا، مضافاً إلى أن الرفع الظاهري إنما يثبت إطلاق الأمر إذا كان الأمر ثابتاً بدليل ظاهري بأن كان الأمر ظاهرياً، كوجوب الاحتياط إذا تردد بين الأقل و الأكثر.أما إذا كان الأمر المردد واقعياً، فرفع الجزئية ظاهراً في مرحلة الشك و بلسان الغضّ عن الواقع و قطع النّظر عنه، لا‌يثبت إطلاق الأمر الواقعي ظاهراً، إذ الفرض أنه لم‌ينظر فيه إلى الواقع، بل أغفل أمر الواقع فيه و قطع النّظر عنه، فتدبر فإنه لا‌يخلو عن دقة».
[10] قال المحقّق الإصفهاني في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص325. ذيل جواب صاحب الكفاية: «إن كانت أدلة الأجزاء مثبتة لجزئيتها واقعاً، فحديث الرفع و شبهه ليس‌ في مرتبة الواقع، حتى يكون بمنزلة الاستثناء.و إن كانت مثبتة لجزئيتها فعلاً، فحديث الرفع، و إن كان بلحاظ أصل الفعلية صالحاً، لأن يكون بمنزلة الاستثناء، إلا أنه مخدوش من وجهين:أحدهما: عدم تكفل الأدلة واقعاً للفعلية البعثية و الزجرية، بل للإنشاء بداعي جعل الداعي و هو الفعلي من قبل المولى، و صيرورته مصداقاً لجعل الداعي بالفعل متقوّم بوصوله عقلاً، فهو غير فعلي بقول مطلق، مع قطع النظر عن حديث الرفع.و أما رفع الفعلية من قبل المولى فهو غير معقول، لأن معناه رفع الواقع، حيث لا واقع عندنا إلّا الإنشاء بداعي جعل الداعي؛ لأن الإنشاء المحض محال، و الإنشاء بداع آخر لا‌يترقب منه فعلية الحكم البعثي و الزجري.و ثانيهما: أن الفعلية المطلقة لو كانت واقعية، فبالشك فيها لا‌يعقل أن يكون محكوماً بعدم الفعلية، لأن احتمال المتناقضين كالقطع بهما في الاستحالة».توجيه بعض الأعلام لكلمات صاحب الكفاية:جاء في هامش منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج5، ص211.–بعد ذكر إشكالات السیّد الروحاني على نظریة الآخوند في المتن – : «ثم إنّ سيدنا الأستاذ عدل عن تفسير عبارة الكفاية بما فسّرها به الأعلام و التي صارت محطّ الإشكال من الكل و هو أحدهم.فذهب إلى أنّ المنظور في كلامه ليس هو إثبات تعلق الأمر بالباقي بواسطة دليل البراءة، بل‌ مقصوده ليس إلّا دفع ما استشكله المستشكل من أنّ رفع الأمر بالجزء يلازم رفع الأمر بالكلّ فلا دليل على الأمر بالباقي.فإنّه أجاب عنه بعد الفراغ عن إمكان توجه الرفع إلى الجزئية و عدم المناقشة فيه، بأن حديث الرفع يتكفل النّظر إلى أدلّة الأجزاء، فيوجب تخصيصها بحال العلم- مثلاً-، أو بحال الاختيار بحسب اختلاف فقراته. و من الواضح أنّ ارتفاع الجزئية لازم أعم من ارتفاع الأمر بالمرة و من تعلقه بالباقي في الحال الخاصّ، إذن فالدليل الدال على رفع الجزئية لا‌يدلّ على ارتفاع الأمر بالكل بالمرة. و هذا هو ما يريد إثباته قبالاً للمستشكل، إذ يضمّ إليه العلم التفصيليّ بوجوب الأقل و يترتب عليه الأثر حينئذ.و جملة القول: إنّ النكتة التي يحاول صاحب الكفاية التنبيه عليها، هو عدم ملازمة رفع الجزئية لارتفاع الأمر بالعمل حتى يحتاج في إثباته إلى أمر جديد، لا أنّه يريد إثبات تعلّقه بالباقي بواسطة رفع الجزئية كي يرد عليه ما تقدم، لأنّه في مقام دفع الإشكال على نفسه، و قد عرفت أنّ الإشكال يرجع إلى ملازمة رفع الجزئية لرفع الأمر بالكل.نعم، ينحصر الإيراد عليه بأن ما أفاده لا‌يتم إلّا بناء على الالتزام بالتبعض في التنجيز و هو واضح، فالتفت».و في بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج5، ص349.: «... و هذا الكلام فيه محتملات ثلاثة: الأول: ما لعله ظاهر عباراته من أن دليل الجزئية أو الشرطية و إن كان ظاهره جعلها مطلقاً سواء في حالات العلم أو الشك إلّا أنه بمقتضى أدلة الرفع في حالة الشك يتقيّد الإطلاق المذكور، كما لو ورد دليل خاص على عدم الجزئية أو الشرطية أو المانعية لشي‌ء في حالة الجهل بها فإن هذا نسبته نسبة الاستثناء إلى المستثنى منه فيجمع بينهما بالتقييد.و هذا الاحتمال واضح الفساد، لأن أدلة الرفع و البراءة مدلولاتها الرفع الظاهري لا الواقعي بينما أدلة الجزئية و الشرطية و المانعية مدلولها أحكام واقعية لا تنافي بينهما بوجه حتى يجمع بينهما بالتخصيص الّذي هو فرع التنافي و التعارض كما هو واضح، كما أن هذا الوجه لو تمّ لتمّ حتى لو طبق حديث الرفع على وجوب الزائد أو الأمر بالأكثر بلا حاجة إلى الانتقال إلى الجزئية و تطبيق الحديث بلحاظها.الثاني: إن حديث الرفع و البراءة و إن كان مدلوله الرفع الظاهري إلّا أنه باعتبار منافاة الرفع الظاهري مع الحكم الواقعي بمرتبة فعليته من جميع الجهات بناء على تصورات المحقق الخراسانيّ. في الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي فتتشكّل دلالة التزامية في أدلة البراءة على عدم فعلية الجزئية و تكون نسبتها إلى أدلة الجزئية نسبة الخاصّ إلى العام واقعاً فتخصص أدلة الجزئية الظاهرة في الفعلية بغير حالة الجهل.و فيه: أولاً- بطلان المبنى على ما تقدّم في محلّه من عدم المنافاة و المناقضة بين الحكم الواقعي و الظاهري.و ثانياً- هذه المناقضة على تقدير القول بها في بعض المراتب إنما تكون بلحاظ الحكم التكليفي و البعث و الزجر لا الحكم الوضعي كالجزئية و الشرطية فيكون المدلول الالتزامي حينئذ رفع فعلية الحكم التكليفي بالأكثر و ليست نسبته إلى دليل الواجب نسبة الاستثناء و إلّا لتمّ ذلك ابتداء في البراءة عن الأكثر.الثالث: دعوى الدلالة الالتزامية العرفية بأن يقال: إن ما يدلّ على نفي جزئية السورة في حالة الجهل ظاهراً و إن كان بحسب الدقة يجامع مع فرض رفع وجوب الأكثر رأساً دون إيجاب الأقلّ ظاهراً لكن المستفاد عرفاً من نفي جزئية شي‌ء أو شرطيته في عبادة في حال الجهل وجوب الباقي عليه ظاهراً في تلك الحال.و هذا الوجه إنما يتمّ لو كان دليل نفي الجزئية دليلاً خاصاً في هذا المورد، و لا‌يتمّ في مثل إطلاقات أدلة البراءة، لأن ملاك هذه الدلالة مرتبط بورود النفي بعنوان نفي الجزئية في الواجبات الارتباطية كما لا‌يخفى.كما أن هذا الوجه لو تمّ لكان جواباً على السؤالين أعني وجه التفكيك بين البراءتين و وجه العدول إلى إجراء البراءة عن الجزئية، لأن ما يمكن أن يستفاد منه ذلك هو عنوان نفي الجزئية كما أشرنا لا نفي وجوب الأكثر»
[11] ‌. نقله المحقّق النائیني عن بعضهم ثمّ استشكل علیه بوجهین، راجع أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص295.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo