< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الثاني؛ الجهة الأولی: جریان البرائة العقلیة؛ إیرادات خمسة علی جریان البرائة العقلیة

 

إیرادات خمسة علی جریان البراءة العقلیة

الإیرادان الأوّل و الثاني: من صاحب الكفایة
([1]
)

إنّ انحلال العلم الإجمالي بالواجب المردّد بین الأقلّ و الأكثر محال، و الوجه في استحالة الانحلال أمران:

الأوّل: لزوم الخلف. و الثاني: أنّه یلزم من الانحلال عدم الانحلال.

الأمر الأوّل (و هو لزوم الخلف):

إنّ الأقلّ واجب عند الشیخ إمّا وجوباً شرعیاً نفسیاً و إمّا وجوباً مقدّمیاً عقلیاً غیریاً و وجوبه المقدّمي متوقّف على وجوب الأكثر و تنجّز العلم الإجمالي بالنسبة إلیه، فلو فرضنا أنّ وجوب الأقلّ مستلزم لعدم تنجّز التكلیف بالنسبة إلى الأكثر یكون هذا خلفاً.

بعبارة أخری وجوب الأقلّ على كلّ تقدیر إمّا نفسي و إمّا غیري متوقّف على تنجّز التكلیف بالنسبة إلى الأكثر، فالمفروض عندنا تنجیز التكلیف بالأكثر و حینئذٍ لو قلنا بأنّ وجوب الأقلّ مستلزم لعدم تنجیز التكلیف بالأكثر یكون هذا خلفاً للفرض.

و من جهة أخری یلزم من وجوب الأقلّ عدم وجوبه، و هذا خلف الفرض لأنّه یلزم من وجوب الأقلّ انحلال العلم الإجمالي و لازمه عدم تنجیز التكلیف بالأكثر و مع عدم تنجیزه یلزم عدم وجوب الأقلّ على كلّ تقدیر لأنّ وجوبه إمّا نفسي و إمّا غیري و وجوبه الغیري متوقّف على وجوب الأكثر نفسیاً و مع البراءة عن وجوب الأكثر نفسیاً لایكون الأقلّ واجباً غیریاً فلا‌یكون واجباً على كلّ حال.

الأمر الثاني (و هو أنّه یلزم من الانحلال عدم الانحلال):

لو قلنا بانحلال العلم الإجمالي بالواجب المردّد بین الأقلّ و الأكثر یلزم من ذلك عدم الانحلال فإنّ ما یوجب الانحلال عند الشیخ الأنصاري هو العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً في ما إذا كان التكلیف متعلّقاً بالأكثر، فإذا قلنا بانحلال العلم الإجمالي المذكور یلزم عدم تنجیز التكلیف بالأكثر و عدم وجوبه و لازم ذلك هو عدم كون الأقلّ واجباً بالوجوب الغیري و یسقط العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً و مع سقوط العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ لاینحلّ العلم الإجمالي.

جواب المحقّق الخوئي عن إیرادي صاحب الكفایة
([2]
)

إنّ انحلال العلم الإجمالي لایتوقّف على تنجّز التكلیف المعلوم بالإجمال على تقديري تعلّقه بالأقلّ و تعلّقه بالأكثر، بل انحلال العلم الإجمالي و تنجّز التكلیف المعلوم بالإجمال بالنسبة إلى الأكثر متنافیان لایجتمعان، فكیف یكون متوقّفاً علیه؟

فإنّ انحلال العلم الإجمالي مبنيّ على العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ و أمّا العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ فلا‌یتوقّف على تنجّز التكلیف بالأكثر بل هو متوقّف على العلم الإجمالي بوجوب الأقلّ أو الأكثر و إن لم‌یكن منجّزاً.

و المغالطة إنّما نشأت من أخذ تنجّز التكلیف بالأكثر شرطاً لحصول العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ و هذا العلم التفصیلي هو الموجب للانحلال، و ترتفع بأن نقول: إنّ العلم التفصیلي بوجوب الأقلّ لایتوقّف على تنجّز التكلیف بالأكثر.

فذات الأقلّ معلوم الوجوب على كلّ تقدیر «أي على تقدیر وجوب الأقلّ في الواقع بنحو الإطلاق و على تقدیر وجوبه في الواقع بنحو التقیید» و حیث أنّ الإطلاق لایكون مجریً للأصل في نفسه، یجري الأصل في التقیید بلا معارض و ینحلّ العلم الإجمالي لا‌محالة.([3] )

الإیراد الثالث: ما یستفاد من كلام المحقّق النائیني
(1)

إنّ التكلیف[4] المعلوم بالإجمال تكلیف واحد متعلّق بالأجزاء ثبوتاً و سقوطاً إذ المفروض كون الأجزاء ارتباطية و حینئذٍ لو أتینا بالأقلّ لایحصل القطع بسقوط التكلیف، لاحتمال وجوب الأكثر، حیث أنّه لو كان التكلیف المعلوم بالإجمال هو الأكثر فلا‌یجزي الإتیان بالأقلّ من دون انضمام الأجزاء المشكوكة بل یكون الإتیان بالأقلّ حینئذٍ باطلاً.

فیكون المقام من موارد العلم بثبوت التكلیف و الشكّ في سقوطه فیكون مجریً لقاعدة الاشتغال.

جواب المحقّق الخوئي
عن الإیراد الثالث

إنّ الشكّ في السقوط على وجهین، فإنّه تارةً یكون ناشئاً من الشكّ في صدور الفعل من المكلّف بعد تمامیة البیان من قبل المولى -كما إذا علمنا بوجوب صلاة الظهر و شككنا في إتیاننا بها- فهنا تجري قاعدة الاشتغال حتّی یحصل العلم بالفراغ و أخری یكون ناشئاً من عدم وصول التكلیف إلى المكلّف، فلا‌یعلم العبد بما هو مجعول من قبل المولى كما في المقام، فإنّ الشكّ في سقوط التكلیف بإتیان الأقلّ یكون ناشئاً من الشكّ في جعل المولى ، ففي مثل ذلك كان جعل التكلیف بالنسبة إلى الأكثر مشكوكاً فیه فیرجع إلى الأصل العقلي و هو قاعدة قبح العقاب بلا‌بیان و الأصل النقلي المستفاد من حدیث الرفع، فبعد الإتیان بالأقلّ و إن كان الشكّ في سقوط التكلیف واقعاً موجوداً بالوجدان، لاحتمال وجوب الأكثر، إلّا أنّه ممّا لا بأس به بعد العلم بعدم العقاب على مخالفته لعدم وصوله إلینا و العقل مستقلّ بقبح العقاب بلا‌بیان.([5] )

الإیراد الرابع: من المحقق النائيني
([6]
)

إنّ المقدار المعلوم في المقام هو وجوب الأقلّ الجامع بین كونه لا‌بشرط بالقیاس إلى المشكوك و كونه بشرط شيء فالأقلّ -بما هو واجب- طبیعة مهملة جامعة بین الإطلاق و التقیید و القضیة المهملة في قوة القضیة الجزئیة لا المطلقة فالمعلوم التفصیلي لیس إلّا نفس الماهیة المهملة لا المطلقة و هذا العلم التفصیلي حاصل في كلّ علم إجمالي، لأنّ كلّ علم إجمالي یكون علماً تفصیلیاً بالنسبة إلى الجامع بین طرفیه أو أطرافه، و هذا العلم التفصیلي لایكون موجباً للانحلال و إلّا للزم أن یكون العلم الإجمالي منحلاً بنفسه و هذا غیر معقول.

و الحاصل أنّ الانحلال في المعلوم بالإجمال إنّما یكون بانقلاب القضیة المهملة إلى المطلقة، كما في موارد الأقلّ و الأكثر غیر الارتباطیین، و أمّا في موارد الارتباطیین فالمعلوم تفصیلاً إنّما هو عین المعلوم بالإجمال و القضیة مهملة إلى الأبد فكیف یتصوّر انحلال العلم الإجمالي مع بقائه على ما هو علیه من التردّد و الإهمال؟

 


[1] ‌. قال في كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص364.: «و توهّم‌ انحلاله إلى العلم بوجوب الأقلّ تفصيلاً و الشكّ في وجوب الأكثر بدواً ضرورة لزوم الإتيان بالأقلّ لنفسه شرعاً أو لغيره كذلك أو عقلاً و معه لا‌يوجب تنجّزه لو كان متعلّقاً بالأكثر فاسدٌ قطعاً لاستلزام الانحلال المحال بداهة توقّف لزوم الأقلّ فعلاً إمّا لنفسه أو لغيره على تنجّز التكليف مطلقاً و لو كان متعلّقاً بالأكثر فلو كان لزومه –كذلك- مستلزماً لعدم تنجّزه إلّا إذا كان متعلّقاً بالأقلّ كان خلفاً مع أنّه يلزم من وجوده عدمه لاستلزامه عدم تنجّز التكليف على كلّ حال المستلزم لعدم لزوم الأقلّ مطلقاً المستلزم لعدم الانحلال و ما يلزم من وجوده عدمه محال».
[2] ‌. مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص431..: و الجواب‌ عن كلا التقريبين كلمة واحدة، و هي أنّ الانحلال لا‌يتوقف‌ على‌ تنجّز التكليف على تقديري تعلّقه بالأقل و تعلّقه بالأكثر ...»
[3] قال المحقّق النائیني في أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص289.: «و قد ذكر المحقّق صاحب الكفایة. في وجه عدم الانحلال ما هو من غرائب الكلام ... و أنت خبير بأنّ الانحلال يتبع معلومية التكليف بالأقلّ على كلّ حال و مشكوكية التكليف بالأكثر و لا‌يتوقّف تنجّز الأقلّ الثابت بالعلم على تنجّز الأكثر أصلاً فوجوب الأقلّ على تقدير كونه جزء للأكثر واقعاً و إن كان تابعاً لوجوبه بل مترشّحاً منه نبأ على الوجوب المقدّمي إلّا أنّ معلوميته وجدانية و لا توقّف لها على شي‌ء و الانحلال متفرّع على المعلومية لا على شي‌ء آخر فلا‌يلزم الخلف و لا من وجود الانحلال عدمه».و أورد في تهذیب الأصول، ج3، ص314 من جهات أخر و قال: «و الجواب: أنّ روح هذه التقريبات واحدة، و كلّها مبني على أنّ الأجزاء واجب بالوجوب الغيري الذي يترشّح من الأمر بالكلّ، و أنّ الأجزاء و الكلّ يختلفان عنواناً و طبيعةً.و قد عرفت فساد هذه الأقوال كلّها، و أنّ الوجوب المتعلّق بالأقلّ عين الوجوب المتعلّق بالمركّب، سواء ضمّ إليه شي‌ء أو لم‌يضمّ، و أنّه لو ضمّ إليه شي‌ء لا‌يتغيّر حال الأقلّ في تعلّق الأمر به، غير أنّه يكون للأمر نحو انبساط لبّاً بالنسبة إليه، و إن لم‌يضمّ إليه شي‌ء يقف على الأقلّ و لا‌يتجاوز عنه. هذا على تعابير القوم.و إن شئت قلت: لو انضمّ إليه شي‌ء ينحلّ إليه المركّب و يحتجّ بالأمر بالمركّب بالنسبة إلى الزائد، و إن لم‌يضمّ فلا‌ينحلّ و لا‌يحتجّ.و على المختار- كون الأجزاء واجباً بعين وجوب الكلّ- فلا‌يتوقّف وجوب الأقلّ على أيّ تقدير على تنجّز الأكثر؛ فإنّ الأمر بالمركّب معلوم، و هو أمر بالأجزاء المعلومة أي ينحلّ المركّب الذي تنجّز الأمر بالنسبة إليه، إلى الأجزاء المعلومة بلا إشكال؛ سواء كان الجزء الآخر واجباً أو غير واجب.فتنجّز الأمر بالأقلّ عين تنجّز الأمر بالمركّب و لا‌يتوقّف وجوبه على وجوب شي‌ء آخر، فلا إشكال في وجوب الأقلّ على كلّ تقدير؛ انحلّ المركّب إلى المعلومة من الأجزاء فقط، أو إليها و إلى أمر آخر»
[4] ‌. أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص288..: «ضرورة أن الشك في جزئية المشكوك مع‌ فرض‌ الارتباطية يلازم الشك في حصول الفراغ حتى بالنسبة إلى الأقل، و من المعلوم أن العقل يستقلّ بالاشتغال عند الشك في الامتثال فإن الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية فمجرد العلم التفصيليّ بوجوب الأقل مع الشك في حصول الامتثال عند الاكتفاء بإتيانه كيف يكون موجباً للانحلال مع حكم العقل بلزوم تحصيل الفراغ اليقيني و لو عن المقدار المعلوم وجوبه؟‌»
[5] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص432.قال الشیخ حسین الحلّي في أصول الفقه، الحلي، الشيخ حسين، ج8، ص280. ردّاً على الإیراد المذكور: «إنّ الواجب الارتباطي المردّد بين كونه أربعة أجزاء أو خمسة أجزاء، لو كان في الواقع مركّباً من خمسة أجزاء، يكون الجزء الخامس واجباً بوجوبين: أحدهما الجزئي المعبّر عنه بالوجوب النفسي الضمني، و الآخر الوجوب الشرطي المعبّر عنه بالوجوب الغيري المقدّمي، بل يمكن القول بأنّ الوجوب الثاني أيضاً وجوب نفسي على ما حقّقه الأستاذ في مبحث مقدّمة الواجب‌ .من كون الشروط ممّا يترشّح عليها الوجوب النفسي.و لا‌يخفى أنّ الوجوب الثاني للجزء المذكور و إن كان بعد فرض الارتباطية بين جميع الأجزاء ملازماً للوجوب الأوّل، إلّا أنّه ليس بمسبّب عنه، بل يكون كلّ منهما معلولًا للملاك الذي اقتضى تعلّق الوجوب الجزئي بالخامس، و تعلّق الوجوب الشرطي الذي محصّله تقييد الأربعة بوجود الخامس، و حينئذٍ نقول: إذا علمنا تفصيلاً بوجوب الأربعة يكون تقييد تلك الأربعة بوجود الخامس و اشتراطها بوجوده مشكوكاً، فيكون مورداً لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، كما يكون الوجوب النفسي لذلك الخامس أيضاً مشكوكاً و مورداً لقاعدة قبح العقاب بلا بيان.و دعوى أنّ العلم التفصيلي بوجوب الأربعة يوجب حكم العقل بلزوم الفراغ اليقيني منها، و إن كانت مسلّمة لا إشكال فيها، إلّا أنّ ذلك الحكم العقلي بلزوم اليقين بالفراغ منها إنّما يكون بمقدار ما قامت الحجّة باشتغال الذمّة به، و ليس هو إلّا نفس ذات الأربعة دون تقيّدها بالخامس، إذ لم يكن المعلوم التفصيلي إلّا وجوب ذات الأربعة، و أمّا تقيّدها بالخامس فلم‌يكن إلّا مشكوكاً»
[6] ‌. أفاده المحقّق النائیني في أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص288.. مع بعض تصرّفات منّا

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo