< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول؛ التنبیه التاسع؛ مقتضی أصل اللفظي و العملي؛ الصورة الثالثة؛ نظریة المحقق الخوئي في جریان البرائة

 

نظریة المحقّق الخوئي
في جریان البراءة ([1]
)

إنّ البراءة في الطرف المشكوك في كونه المبتلى به لا مجری لها و الدلیل على ذلك هو أنّ كلّ مورد لایكون قابلاً لوضع التكلیف فیه، لایكون قابلاً للرفع أیضاً و حیث قلنا: إنّه لایمكن الرجوع في الطرف المشكوك إلى الإطلاقات فمعناه أنّه لایكون هذا المورد المشكوك قابلاً لوضع التكلیف و حینئذٍ لایمكن رفع التكلیف أیضاً عن هذا المورد المشكوك بجریان البراءة، لما تقدّم من أنّ كلّ مورد لایكون قابلاً لوضع التكلیف فیه لایكون قابلاً لرفع التكلیف عنه.

أمّا البراءة في الطرف الآخر و هو الطرف المحرز كونه تحت القدرة و محلاً للابتلاء فلا مانع عنها، لعدم المعارضة بین الأصلین، و مع جریان البراءة في بعض الأطراف لایتنجّز العلم الإجمالي، و نتیجة ذلك: هو عدم وجوب الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي في الصورة الثالثة.

ملاحظات ثلاث علی نظریة المحقّق الخوئي

أوّلاً
: إنّ ما أفاده یتمّ على مسلكه في تنجیز العلم الإجمالي من أنّه یتوقف على تعارض الأصول في جمیع الأطراف و تساقطها، و أمّا مع جریانها في بعض الأطراف من غیر معارض فلا‌یتنجّز العلم الإجمالي، و قد تقدّم([2] ) بطلان هذا المسلك و قلنا: إنّ تنجیز العلم الإجمالي إنّما هو لكاشفیته عن الحكم المعلوم فهو مانع عن جریان الأُصول في جمیع الأطراف بالعلیة التامّة و في بعضها بالاقتضاء.

ثانیاً: لا مانع من جریان البراءة في الطرف المشكوك، لوجود احتمال التكلیف فیه، فإنّ عدم جواز التمسّك بالإطلاق في هذا الطرف لایوجب عدم قابلیته لوضع التكلیف، فإنّه خلط بین مقام الإثبات و الثبوت، فإنّ عدم إمكان إثبات التكلیف بالإطلاق لایدلّ على عدم إمكان ثبوت التكلیف.

ثالثاً: إنّه لایتنجّز العلم الإجمالي في الصورة الثالثة، حیث أنّ المفروض هو أنّه یعتبر في حسن التكلیف و صحّته عدم خروج المتعلّق عن محلّ الابتلاء، فاحتمال خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء مصداقاً مساوق لاحتمال عدم تحقّق التكلیف و لازم ذلك عدم تنجّز العلم الإجمالي في مورد الشبهة المصداقیة.

فالمتحصّل هو أنّه لایجب الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي في الصورة الثالثة (و هي الشبهة المصداقیة) لعدم تنجیز العلم الإجمالي فیها.

التنبیه العاشر:
اعتبار القدرة الشرعیة في أطراف العلم الإجمالي

نظریة المحقق النائیني و المحقق الخوئي
([3]
)

إنّ بعض الأعاظم صرّحوا بأنّ الممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً بمعنی أنّه كما تعتبر القدرة العقلیة في جمیع أطراف العلم الإجمالي، كذلك تعتبر القدرة الشرعیة في جمیع الأطراف و حینئذٍ إن كان أحد أطراف العلم الإجمالي ممتنعاً شرعاً مثل كونه مغصوباً فلا‌یجوز التصرّف فیه، فالتصرّف فیه و إن كان مقدوراً عقلاً و لكنّه غیر مقدور شرعاً و حینئذٍ لاتجری فیه قاعدة الطهارة، لعدم ترتّب أثر عملي علیه، لعدم جواز التصرّف فیه شرعاً فلو علمنا بوقوع النجاسة إمّا على هذا الثوب المغصوب و إمّا على ثوب آخر مباح فلا‌تجري قاعدة الطهارة في ناحیة الثوب المغصوب بل تجري في الثوب المباح بلا معارض و حینئذٍ لایتنجّز العلم الإجمالي، لجریان الأصل في بعض أطرافه بلا‌ معارض. نعم إن لم‌یكن الثوب الأوّل مغصوباً وقع التعارض بین قاعدة الطهارة في كلّ من الطرفین و بعد تساقطهما یحكم بتنجیز العلم الإجمالي.

یلاحظ علیها

نحن نفرض في المقام عدم القدرة الشرعیة على بعض أطراف العلم الإجمالي من حیث أنّه مغصوب و لكن المعلوم إجمالاً یتصوّر على وجهین:

الوجه الأوّل: هو أن یكون المعلوم بالإجمال حكماً وجوبیاً كان متعلّقه مردّداً بین الطرفین مع أنّ أحدهما مغصوب معیّناً و حینئذٍ لابدّ من التفصیل في انحلال العلم الإجمالي فإنّه لو قلنا بامتناع اجتماع الأمر و النهي یستتبع هنا انحلال العلم الإجمالي لأنّ المغصوب لایتّصف بالوجوب، بل یمكن القول هنا بترجیح جانب النهي و الحرمة لأنّ الحرمة معلومة تفصیلاً و الوجوب معلوم إجمالاً.

و أمّا لو قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهي كما هو المختار، فلا‌ینحلّ العلم الإجمالي، لبقاء حكم الوجوب بالنسبة إلى المتعلّق المغصوب. نعم إنّ البراءة تجري في بعض أطراف العلم الإجمالي بناءً على المختار من أنّ التنجیز في العلم الإجمالي غیر تامّ فلا‌بدّ من جریان البراءة عن الوجوب بالنسبة إلى ما علم غصبیّته.

الوجه الثاني: و هو أن یكون المعلوم بالإجمال حكماً تحریمیاً و هنا صورتان:

الأولى: أن یكون الحكم المعلوم إجمالاً من نوع الحكم المعلوم تفصیلاً و هذا مثل العلم الإجمالي بوقوع النجاسة في أحد الإناءین فهو ینحلّ إلى العلم التفصیلي بنجاسة أحد الإناءین معیّناً لأنّ هذا العلم الإجمالي، لایوجب علماً بحدوث تكلیف جدید، بل هو شبهة بدویة لاحتمال وقوع النجاسة في الإناء الذي كان نجساً من قبل.

الثانیة: أن یكون الحكم المعلوم إجمالاً من غیر نوع الحكم المعلوم تفصیلاً و هذا مثل العلم الإجمالي بوقوع النجاسة في أحد الإناءین مع أنّ أحدهما المعیّن مغصوب و هذا هو المثال الذي أفاده المحقّق الخوئي في المتن و قال بانحلال العلم الإجمالي فیه.

و التحقیق هو عدم انحلال العلم الإجمالي لاجتماع الجهات المتعدّدة، و لذا لو ارتكب المكلّف شرب هذا الإناء تجتمع فیه جهتان من الحرمة.


[2] تقدّم في ص109.
[3] ‌. أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص255.: «لا ريب في لحوق‌ القدرة الشرعية بالقدرة العقلية في اعتبارها في تنجيز العلم الإجمالي في تمام الأطراف فلو كان بعض الأطراف خارجاً عن محل الابتلاء لعدم القدرة الشرعية فيه كما إذا كان ملك الغير و لم‌يجز التصرف فيه شرعا فعلم بوقوع النجاسة فيه أو فيما هو ملكه و تحت تصرفه فلا أثر لمثل هذا العلم ضرورة أن ملك الغير بعد فرض عدم قدرة المكلف على التصرّف فيه خارج عن محلّ ابتلائه فيكون الأصل النافي الجاري في الطرف الآخر بلا معارض»‌.مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص401.: «يعتبر في تنجيز العلم الاجمالي أن يكون لكلّ واحد من الأصلين في الطرفين أثر عملي فعلي... و إن شئت قلت: إنّه كما يعتبر في تنجيز العلم الإجمالي القدرة العقلية في جميع الأطراف، كذلك تعتبر القدرة الشرعية فيها، فإنّ الممنوع شرعاً كالممتنع عقلًا، فلو خرج بعض الأطراف عن تحت قدرته شرعاً- كما في المثال المذكور- لا‌يكون العلم الإجمالي منجّزاً، لجريان الأصل في الطرف الآخر بلا معارضٍ».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo