< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

ال
موضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الفصل الأول؛ التنبیه التاسع؛ مقتضی الأصل اللفظي و العملي

 

مقتضی الأصل اللفظي و العملي

إنّ الشك یتصوّر هنا على ثلاث صور:

الأولى: الشك في أصل المسألة و هو أنّ الدخول في محلّ الابتلاء معتبر في تنجیز العلم الإجمالي أو لا؟

الثانية: بعد البناء على اعتبار دخول جمیع أطراف العلم في محلّ الابتلاء في تنجیز العلم الإجمالي نشك في خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء من جهة الشك في الشبهة المفهومیّة بمعنی الشك في تعیین الحدّ لمفهوم الخروج عن محلّ الابتلاء.

الثالثة: بعد البناء على اعتباره نشك في خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء من جهة الشك في الشبهة المصداقیة.

الصورتان الأولی و الثانیة

هنا بیانان:

إذا شككنا في أصل اعتبار الدخول في محلّ الابتلاء أو التزمنا بالاعتبار و لكن شككنا في حدّ مفهوم الابتلاء فما هو مقتضى الأصل في المسألة؟

قال الشیخ الأنصاري و المحقّق النائیني و المحقّق الخوئي بلزوم الاجتناب عن جمیع الأطراف و تنجیز العلم الإجمالي بالنسبة إلیها، و قال صاحب الكفایة بعدم التنجیز و عدم لزوم الاجتناب تمسّكاً بأصل البراءة.([1] )

البیان الأوّل: من الشیخ الأنصاري
([2]
)

إنّ الخطابات بالاجتناب عن المحرّمات مطلقة غیر معلّقة و المعلوم تقییدها بالابتلاء في موضع العلم بتنقیح العرف توجیهها من غیر تعلّق بالابتلاء كما لو قال: «اجتنب عن ذلك الطعام النجس الموضوع قدّام أمیر البلد» مع عدم جریان العادة بابتلاء المكلّف به أو قال: «لاتتصرّف في اللباس المغصوب الذي لبسه الملك أو الجاریة التي غصبها الملك و جعلها من خواصّ نسائه»، مع عدم استحالة ابتلاء المكلّف بذلك كلّه عقلاً و لا عادةً، إلّا أنّه بعید الاتفاق.

و أمّا لو شك في قبح التنجیز فیُرجع إلى الإطلاقات فمرجع المسألة إلى أنّ المطلق المقید بقید مشكوك التحقّق في بعض الموارد لتعذّر ضبط مفهومه على وجه لایخفی مصداق من مصادیقه «كما هو شأن أغلب المفاهیم العرفیة»، هل یجوز التمسّك به أو لا؟

و الأقوی الجواز فیصیر الأصل في المسألة وجوبَ الاجتناب، إلّا ما علم عدم تنجّز التكلیف بأحد المشتبهین على تقدیر العلم بكونه الحرام.

هذا ما أفاده الشیخ في الشبهة المفهومیة لعنوان الخروج عن محلّ الابتلاء، و أمّا الشك في أصل الاعتبار فهو ملحق بالشبهة المفهومیة لاتّحاد ملاكهما في هذه المسألة فالمدار في كلتا الشبهتین هو الإطلاقات.

إیراد صاحب الكفایة علی استدلال الشیخ الأنصاري

و هو الوجه الثاني في كلام المحقّق النائیني.([3] )

التزم صاحب الكفایة بجریان البراءة لعدم القطع بالتكلیف و أورد على استدلال الشیخ بأنّه لا مجال للتشبّث بإطلاق الخطاب، لأنّ التمسّك بالإطلاق إنّما یصحّ في ما إذا فرغنا عن صحّة الإطلاق و إمكانه ثبوتاً، و أمّا إذا شككنا في صحّة الإطلاق و إمكانه ثبوتاً فلا‌یصحّ التمسّك بالإطلاق إثباتاً، فإنّ الإطلاق في مقام الإثبات إنّما یكون كاشفاً عن الإطلاق في مقام الثبوت في ما إذا علمنا صحّة الإطلاق ثبوتاً، و أمّا إذا شككنا في اعتبار القدرة العادیة في صحّة التكلیف عقلاً أو شككنا في دخول بعض الأطراف في محلّ الابتلاء من جهة الشبهة المفهومیة في تعیین الحدّ لعنوان «الدخول في محلّ الابتلاء» فیرجع ذلك إلى الشك في صحّة التكلیف و إمكانه ثبوتاً و معنی ذلك هو الشك في الإطلاق ثبوتاً، فلا‌یصحّ التمسّك بإطلاق الخطاب (و هو الإطلاق الإثباتي).([4] )

نعم قال في الهامش([5] ): إنّ الإطلاق لو كان في مقام یقتضي التقیید بالابتلاء في ما إذا لم‌یكن هناك ابتلاء، فنفس الإطلاق و عدم بیان التقیید بالابتلاء یكشف عن فعلیة التكلیف و عن وجود الابتلاء، لأنّه لو لم یكن بعض الأطراف محلاً للابتلاء یجب تقیید الخطاب بقید الابتلاء فعدم التقیید و إطلاق الخطاب یكشف عن كون جمیع الأطراف في محلّ الابتلاء.

جواب المحقّق النائیني والمحقّق الخوئي عن إیراد صاحب الكفایة ([6]
)

إنّ بناء العقلاء مستقر على حجیّة الظواهر ما لم‌تثبت القرینة العقلیة أو النقلیة على إرادة خلافها و مجرد احتمال الاستحالة لایعدّ قرینة على ذلك، فإنّ من ترك العمل بظاهر خطاب المولى لاحتمال استحالة التكلیف لایعدّ معذوراً عند العقلاء ‌فإذا أمر المولى باتّباع خبر العادل و ترتیب الأثر علیه و احتملنا استحالة حجیته لاستلزامه تحلیل الحرام و تحریم الحلال أو الإلقاء في المفسدة و تفویت المصلحة أو غیر ذلك ممّا ذكروه في استحالة العمل بالظن، لایكون هذا الاحتمال عذراً في مخالفة ظاهر كلام المولى و المقام من هذا القبیل بعینه.

فلا مانع من التمسّك بالإطلاق عند الشك في الدخول في محلّ الابتلاء مفهوماً أو الشك في اعتبار الدخول في محل الابتلاء في صحّة التكلیف، فإنّ الإطلاق في مقام الإثبات كاشف عن الإطلاق في مقام الثبوت كشفاً تعبّدیاً.

 


[1] في نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص267.في التعلیقة على قوله: «كان المرجع هو البراءة»: «للشك في التكليف الفعلي، و هو مرفوع بأدلة البراءة، و عدم البيان و الحجة على التكليف الفعلي، فالعقاب عليه قبيح».و ذكر المحقق الحائري وجهاً لعدم جریان البراءة و ملخصه أنّ «توجه التكليف الفعلي للشك في حسن التكليف، و إن كان مشكوكاً، إلا أنّه لا شك في وجود مبغوض المولى في الأطراف، و العلم به كفى به بياناً».جواب المحقق الإصفهاني عن هذا الوجه: في نهاية الدراية، ج‌4، ص268: «إنّ المبغوضية التي هي مصداق الكراهة التشريعية كالمحبوبية التي هي مصداق الإرادة التشريعية ما يساوق الإرادة و الكراهة التكوينيّتين فإذا وصلت الإرادة مثلاً حدّاً يبعث العضلات نحو الفعل كانت إرادة تكوينية، و إلا فلا فكذلك إذا وصلت حداً يبعث المولى على قيامه بصدد تحصيل مراده بالبعث الفعلي نحوه كانت إرادة تشريعية فلا‌تنفك الإرادة التشريعية عن البعث الفعلي، كما لاتنفك التكوينية عن حركة العضلات، و ما لم‌تبلغ الإرادة هذا الحدّ لا أثر لها، كيف؟ و لو كان متعلقها فعلاً تكوينياً للمولى لم‌تحركه بالمباشرة نحو الفعل، فكيف تحركه نحوه بالتسبيب؟ فكذا الأمر في الكراهة التشريعية فالشك في البعث الفعلي و الزجر الفعلي شك في بلوغ الإرادة و الكراهة حداً له الأثر، و مطلق المحبوبية و المبغوضية التي لاتوجب قيام المولى مقام تحصيل محبوبه، أو إعدام مبغوضه لا أثر له».نعم في الختام یذكر المحقق الإصفهاني. إیراداً على البراءة الشرعیة فیقول: «دعوى قصور أدلة البراءة الشرعية [عن الشمول‌] لصورة العلم بالحرمة، و الشك في فعليتها أمر آخر، حيث أنّ ظاهرها ما كان التكليف الواقعي مشكوكاً، فترتفع فعليّته، لا مطلق الشك في الفعلية. و في البراءة العقلية كفاية»
[4] ذكر صاحب الكفایة ثلاثة وجوه للمنع عن التمسك بإطلاق الخطاب أشار إلیها المحقق الإصفهاني:ففي نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج4، ص269.في التعلیقة على قوله: «لا إطلاق الخطاب ضرورة أنّه لا مجال»: «منع عن التمسك بإطلاق الخطاب، تارة: بأنّ الابتلاء من شرائط تنجز الخطاب، كما في تعليقته‌ على الرسائل، فلا‌يكون الإطلاق المتكفّل لحكم الواقعة بمرتبته الإنشائية ناظراً إلى المرتبة المتأخرة، و أخرى: بأنّه من شرائط فعلية البعث و الزجر، كما في فوائده و هي أيضاً مرتبة متأخرة عن مرتبة الإنشاء، و ثالثة: كما في المتن بأنّ التمسك بالإطلاق و استكشاف المراد الجدي من الخطاب فرع صحته و إمكانه في نفسه، مع أنّ صحته و إمكانه بدون الابتلاء أو بدون هذا المقدار من الابتلاء مشكوك، فلا‌تصل النوبة إلى استكشاف المراد الجدي المترتب على معقوليته في نفسه من إطلاق الخطاب.»ثم إنّ المحقق الإصفهاني یوافق عدم صحة التمسك بالإطلاق على الوجه الأول و لكن مبنی هذا الوجه عنده غیر معقول فقال في ص269: «أما عدم التمسك بالاطلاق «بناءً على الوجه الأول» فصحيح، حتى فيما إذا كان جعل العقاب من الشارع، فإنّ النافع عليه إطلاق الدليل المتكفّل لجعل العقاب على مخالفة التكليف [و شموله‌] لصورة خروج مورده عن الابتلاء، دون الدليل المتكفل لأصل التكليف إلا أنّ قيدية الابتلاء للتنجز غير معقولة في حدّ ذاتها، إذ فرض استحقاق العقاب على المخالفة فرض الابتلاء، فكيف يعقل إطلاقه و تقييده؟»و أما على الوجه الثاني فهو قائل بإمكان التمسك بالإطلاق خلافاً لصاحب الكفایة و لكن لاینفع الإطلاق عنده لنفي قیدیة الابتلاء الدخیل في فعلیة الحكم عقلاً فقال: «و أما عدم التمسك على الوجه الثاني فمختصر القول فيه أنّ مرتبة البعث و الزجر الفعليين و إن كانت غير مرتبة الإنشاء، إلا أنّ القيود المأخوذة في مقام الإنشاء بداعي جعل الداعي قيد في الحقيقة لصيرورته مصداقاً لجعل الداعي دائماً، و إلا فالإنشاء حاصل، و كيف يعقل إناطته بأمر غير حاصل؟ فكون الإنشاء بداعي جعل الداعي «تام ّالاقتضاء و فعلياً من قبل المولى» إنّما يستكشف بتجرّده عن القيد في مقام الإنشاء بداعي جعل الداعي ... إلّا أنّ هذا الإطلاق إنّما يجدي في نفي القيود الدخيلة في فعلية الحكم شرعاً، لا القيود الدخيلة في فعليّته البعثية و الزجرية عقلاً، كالقدرة و الوصول، و الابتلاء على القول بدخله بحكم العقل، و لا معنى لدفع قيدية ما لا دخل له بالشارع بتجرد خطابه عنه، كما هو واضح.ثمّ قال المحقق الإصفهاني ص273 مجیباً عن الوجه الثالث المذكور في الكفایة: «إنا بيّنّا في محله أنّ ظهور الدليل على التعبد بشي‌ء أو إيجاب شي‌ء أو تحريمه دليلٌ على إمكانه و حسنه، لظهوره في وقوعه منه، و هو أخصّ من إمكانه و حسنه، و الظاهر حجة إلى أن تقوم حجة على خلافه و احتمال استحالته أو قبحه ليس بحجة، كي يمنع عن التمسك بالظاهر، فالإطلاق دليل بالالتزام على إمكانه و حسنه.»و لكن قال بعد ذلك: «لكنه لايجدي فيما نحن فيه لأنّ دلالة الظاهر إنّما يتّبع فيما هو ظاهر فيه و لو بالملازمة، فيدل على أنّ الإنشاء بداعي جعل الداعي مجرداً عن قيد من قبل المتكلم ممكن و حسن منه، و أمّا أنّه لا قيد له بحكم العقل، فهو أجنبي عن مقتضيات المدلول الذي يكون الكلام ظاهراً فيه. نعم ربما يتفق «كما في هامش الكتاب‌» إحراز كون المولى بصدد التحريك الجدي و البعث الحقيقي، فيكشف عن تمامية علته من باب كشف المعلول عن وجود علته التامة، لا من باب كشف الخطاب عن المراد الجدي.»فبالنتیجة لایمكن التمسك بإطلاق الخطاب لإثبات عدم اعتبار الابتلاء عند المحقق الإصفهاني.ثم ذكر هذا المحقق وجهاً رابعاً لمنع الإطلاق فقال في ص272: «و عن بعض أجلة العصر وجه آخر في منع الإطلاق، و هو أنّه لايمكن القطع بحكم ظاهري بواسطة الإطلاق و العموم، لأنّ المفروض الشك في أنّ خطاب الشرع في هذا المورد حسن أم لا، و لا تفاوت بين الخطاب الظاهري و الواقعي.»و لكن أورد على هذا الوجه بقوله: «إنّ حجية الأمارات الغير العلمية سنداً، و إن أمكن أن يكون بمعنى جعل الحكم المماثل، و مطلق التكليف مشكوك الثبوت مع الشك في الابتلاء و قيديّته إلا أنّ حجية الأمارات الغير العلمية دلالة، كالظهور العمومي أو الإطلاقي ليست بمعنى جعل الحكم المماثل من العقلاء على طبق مؤديات الظواهر، بل بمعنى بناء العقلاء عملاً على اتّباعها، و الحكم باستحقاق المؤاخذة على مخالفتها فليس هناك حكم تكليفي ظاهري ليكون حاله حال الحكم الواقعي في التقييد بالابتلاء و عدمه.»
[5] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص361..عند حاشيته على قوله: (لا فيما شك في اعتباره في صحته، تأمل): «نعم لو كان الإطلاق في مقام يقتضي بيان التقييد بالابتلاء - لو لم‌يكن هناك ابتلاء مصحح للتكليف - كان الإطلاق و عدم بيان التقييد دالاً على فعليته، و وجود الابتلاء المصحّح لهما، كما لا‌يخفى، فافهم»

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo