< قائمة الدروس

درس خارج اصول استاد محمدعلی پسران‌بهبهانی

44/10/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /دوران الأمر بین المتباینین؛ الجهة الثانیة؛ النظریة الثالثة من المحقق العراقي

النظریة الثالثة: من المحقّق العراقي

التحقیق فیها علّیة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعیة على وجه یمنع عن مجيء الترخیص على الخلاف و لو في بعض الأطراف.

و الدلیل على ذلك هو أنّ الحكم الواقعي قد وصل إلى المكلّف بالعلم الإجمالي و معنی ذلك هو العلم التفصیلي بأصل التكلیف و التردید في انطباق الحكم المعلوم على كلّ طرف من الأطراف، فالعقل یحكم تنجیزیاً بوجوب التعرّض للامتثال و لزوم تحصیل الجزم بالفراغ و الخروج عن عهدة ما تنجّز علیه من التكلیف بأداء ما في العهدة.

و مقتضى ذلك - بعد تردّد المعلوم بالإجمال و مساوقة احتمال انطباقه على كلّ طرف لاحتمال وجود التكلیف المنجّز في مورده المستتبع لاحتمال العقوبة على ارتكابه- هو حكم العقل بلزوم الاجتناب عن كلّ ما یحتمل انطباق المعلوم علیه من الأطراف و عدم جواز القناعة بالشك في الفراغ و الموافقة الاحتمالیة، لعدم الأمن من مصادفة ما ارتكبه لما هو الحرام المنجّز علیه، فتجري فیه قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل و لازمه إباء العقل أیضاً عن مجيء الترخیص الشرعي و لو في بعض الأطراف من جهة كونه من الترخیص في محتمل المعصیة الذي هو في الاستحالة من الحكیم كالترخیص في مقطوع المعصیة.

و لازمه بطلان التفكیك في علّیة العلم الإجمالي بین المخالفة القطعیة و الموافقة القطعیة. [1]

مناقشات ثلاث في نظریة المحقّق العراقي

المناقشة الأولی

ناقش المحقق الخوئي بالنقض بما لو فرض كون الأصل الجاري في بعض الأطراف نافیاً دون بعض الآخر، كما لو علم إجمالاً بوقوع نجاسة في أحد الإناءین و كان أحدهما متیقّن النجاسة سابقاً، فإنّ أصالة الطهارة تجري في غیر مستصحب النجاسة بلا إشكال، مع أنّ العلم بوجود التكلیف فعلي موجود بالوجدان.[2]

المناقشة الثانیة

أورد المحقق الخوئي أیضاً حلّاً بأنّ موضوع الأصول إنّما هو الشك في التكلیف و هو موجود في كل واحد من الأطراف بخصوصه، فإنّ احتمال انطباق التكلیف المعلوم بالإجمال إنّما هو عین الشك في التكلیف. [3]

الجواب عن المناقشة الثانیة

إنّ هذه المناقشة غیر واردة على نظریة المحقّق العراقي لأنّ الكلام هو في إمكان جعل الحكم الظاهري ثبوتاً، فلو قلنا بتنجیز التكلیف المعلوم بالإجمال فلا‌يجري الأصل العملي في بعض الأطراف و إن كان موضوع الأصل یشمله، بل المحقّق العراقي یعتقد بشمول موضوع الأصل لبعض الأطراف و مع ذلك یقول بعدم إمكان جریانه ثبوتاً فهذا الجواب خلط بین مقام الثبوت و الإثبات.

المناقشة الثالثة

إنّ المحقّق العراقي یری تنجیز التكلیف بحیث یحكم العقل أوّلاً بوجوب التعرّض للامتثال و ثانیاً بلزوم تحصیل الجزم بالفراغ.

و لكن قد تقدّم أنّ التنجیز إمّا تامّ و إمّا ناقص، فإذا كان التنجیز تامّاً فیحكم العقل بكلا الأمرین كما أفاده، و إذا كان ناقصاً فیحكم العقل بوجوب التعرّض للامتثال أیضاً و لكن لایحكم بلزوم تحصیل الفراغ على كل تقدیر بل یحكم به على تقدیر عدم صدور الترخیص من الشارع بالنسبة إلى بعض الأطراف، مع أنّه لكل متعلّق حكم جزئي، فالتردید في المتعلّق الخارجي هو بمعنی التردید في الحكم الجزئي أي التردید مثلاً في نجاسة الإناء الأوّل أو نجاسة الإناء الثاني فحینئذٍ إذا قلنا بشمول أدلّة الأصول العملیة بل أدلّة الأحكام الظاهریة لبعض الأطراف فنتیجة ذلك هو صدور الترخیص الشرعي و عدم حكم العقل بالجزم بالفراغ و مع وجود الترخیص الشرعي بالنسبة إلى بعض الأطراف لا احتمال للعقاب حتّی یتمسّك بقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.

النظریة الرابعة: من المحقق الخوئي

و هي إمكان جعل الحكم الظاهري في بعض الأطراف ثبوتاً (و هي المختار) و قد یستفاد وجه هذه النظریة مما تقدّم من الملاحظات على المحقّق الإصفهاني و المحقّق العراقي.

و النقطة الرئیسية في اختیار هذه النظریة هي ما تقدّم([4] ) من أنّ الوصول في العلم الإجمالي غیر الوصول الذي هو یحصل للمكلّف في العلم التفصیلي فالتنجزّ في العلم الإجمالي تنجّز ناقص بخلاف التنجّز في العلم التفصیلي فإنّه تنجّز تامّ، فالعلم الإجمالي یفارق العلم التفصیلي في حدّ العلمیة.

و قلنا: إنّ ارتكاب جمیع الأطراف مخالفة قطعیة للتكلیف و هذه تؤدّي إلى الظلم في حقّ المولى و تعدّ هتكاً علیه و لذا یكون قبیحاً بالذات، و أمّا ارتكاب بعض الأطراف مع الامتثال الاحتمالي بالنسبة إلى بعض آخر فلیس بهذه المثابة، حیث أنّه لابدّ من التفصیل بالنسبة إلیه بأن یقال: إنّ الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي في ما إذا لم‌یرخّص المولى في ارتكاب بعض الأطراف هو من مصادیق عدم المبالاة بأمر الشارع حیث أنّ المكلّف قد وصل إلیه التكلیف بالعلم الإجمالي و لم‌یأت بالامتثال الیقیني و عدم المبالاة بأمر الشارع من مصادیق الهتك و الظلم علیه فیكون قبیحاً بالذات، و أمّا إذا ورد الترخیص من الشارع بالنسبة إلى ارتكاب بعض الأطراف و اكتفی الشارع بالامتثال الاحتمالي، فلا‌یلزم عدم المبالاة بأمره حتّی یكون هتكاً و ظلماً علیه و قبیحاً بالذات.

و نتیجة ذلك هو إمكان جعل الحكم الظاهري بالنسبة إلى بعض أطراف العلم الإجمالي في مقام الثبوت كما ذهب إلیه بعض الأعلام مثل المحقّق الخوئي خلافاً للمحقق العراقي و المحقّق الإصفهاني حیث ذهبا إلى أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة للتنجّز من حیث الموافقة القطعیة.

و هذا تمام الكلام في البحث عن مقام الثبوت و إمكان جعل الحكم الظاهري في جمیع أطراف العلم الإجمالي أو بعض أطرافه.([5] )

الجهة الثالثة:
في شمول دلیل الحكم الظاهري لجمیع أطراف العلم الإجمالي

مقتضی التحقیق هو أنّ عدم جریان الحكم الظاهري في جمیع الأطراف مستند إلى المانع الثبوتي الذي تقدّم بیانه في الجهة الأولى، [6] فلا‌تصل النوبة إلى المانع الإثباتي الذي هو عدم شمول دلیل الحكم الظاهري و لكن بعض أعلام المحقّقین مثل المحقّق الخوئي[7] [8] ذهبوا إلى عدم المانع ثبوتاً في ما إذا لم‌یستلزم المخالفة العملیة، كما أنّ بعضهم مثل العلّامة المجلسي([9] ) قالوا بعدم المانع ثبوتاً و لو في ما إذا استلزم المخالفة القطعیة العملیة، و لذلك لابدّ من أن نبحث عن مقام الإثبات.

و البحث هنا یقع في ثلاث نواح: الأمارات و الأصول المحرزة و الأصول غیر المحرزة.


[4] تقدّم في ص69.
[5] و بعض الأساطين في تحقيق الأصول، ج8، ص110: «التحقیق في المقام أن یقال في حلّ المطلب: إنّه لا تناقض بین الأمور الإعتباریّه بما هي اعتباریّة، و الأحكام الشرعية اعتبارية، فللمعتبر أن یعتبر حرمة الشيء و أن یعتبر وجوبه، فلیس بین نفس الاعتبارین تعارض و تناقض. إنّما التناقض بین أثریهما، فالأوّل أثره الترك و الاجتناب، و الثاني أثره لزوم الإتیان، و بین الاجتناب و الإتیان به تعارض و تناقض.و كذلك الحال فیما نحن فیه، فإنّ شمول الاستصحابین لمورد العلم الإجمالي لا محذور فیه في نفسه، لأن هذا یفید طهارة إناء زید و الآخر یفید طهارة إناء عمرو، و الطّهارة أمر اعتباري كما أنّ النجاسة المعلومة إجمالاً في البین أمر اعتباري، و لا مانع من اجتماعهما. إنّما المحذور في أثر الاستصحابین من جهةٍ، و هو عدم وجوب الاجتناب عن الإناءین، و أثر العلم الإجمالي من جهةٍ و هو وجوب الإجتناب.فما ذهب إلیه المیرزا من لزوم التناقض بین الاستصحابین و العلم في حدّ أنفسهما مردود.و بالجمله، إنّ التناقض یكون إمّا في مرحلة الملاك و إمّا في مرحلة الإنشاء و إمّا في مرحلة الامتثال.أمّا في مرحلة الملاك فإنّ ملاك المعلوم بالإجمال في المتعلَّق، و ملاك الاستصحاب في نفس الجعل، فاختلف الموضوع.و أمّا في مرحلة الجعل والإنشاء، فقد تبیّن أنّه اعتبارٌ و لا تناقض بین الأمر الاعتباري و الحكم الواقعي.و یبقی مرحلة الامتثال، و هناك التناقض كما ذكرنا.و بعباره أخری: إنّ صورة العلم الإجمالي تارة هي: العلم بنجاسة أحد الإناءین و العلم بطهارة أحدهما، و أخری هي: العلم بنجاسة أحد الإناءین و احتمال طهارة أحدهما.إن علمنا بنجاسة أحدهما و احتملنا طهارة أحدهما، فلا محذور هنا في مرحلة جعل الاستصحاب، و لا في مرحلة الغرض، و لا في مرحلة الأثر ... فالقول بالمناقضة بین الاستصحابین و العلم الإجمالي مردود.و إن علمنا بنجاسة أحدهما و طهارة أحدهما، فإنّ أثر الطّهارة هو الترخیص في الإتیان بالمتعلَّق، و هذا الترخیص إنّما یؤثّر إذا لم‌یكن مانع عقلي، و متی لزمت المخالفة القطعية، فالعقل یمنع من تأثیر الترخیص، فالعلم بطهارة أحدهما -مع العلم بنجاسة أحدهما - بلا أثر.و ممّا ذكرنا علم أنّه لا مانع من إجراء الاستصحابین المثبتین للتكلیف، كاستصحاب نجاسة هذا الإناء و استصحاب نجاسة ذاك الإناء، فإنّهما یكونان على طبق العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما، و لا تناقض بینهما و بینه من حیث الأثر، فالمقتضي للجریان موجود و المانع مفقود».
[6] أجود التقريرات‌، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص241. تقدّم في ص39 و راجع ما نقلناه من كلام المحقّق النائيني. في أجود التقريرات، ج2، ص241، حيث قال: «فتحصل أن المحذور في جريان الأصول في تمام أطراف العلم أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ (الأول) لزوم التناقض من جريانها كما في موارد الأصول التنزيلية مطلقاً، (الثاني) لزوم الترخيص في المعصية كما في موارد الأصول النافية للتكليف مطلقاً، و حيث أن هذين المحذورين عقليّان فعدم جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي يكون مستنداً إلى مانع ثبوتي مع قطع النّظر عن مقام الإثبات‌»
[7] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص347.. «هذا، و لكن الصحيح‌ أنّه لا مانع من جريان الأصول في الأطراف إذا لم‌يستلزم المخالفة العملية، بلا فرق بين التنزيلية و غيرها». و مضى نقل كلامه في ص49
[8] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص351. و قال في ص351: «... من الواضح أنّ العلم الإجمالي لا‌يكون ناقضاً للشك في كلّ واحد من الأطراف لعدم تعلّقه بما تعلّق به الشك، بل بعنوان جامع بينها و هو عنوان أحدها. و عليه فلا مانع من شمول أدلة الأصول لجميع الأطراف لولا المانع الثبوتي، و لذا نلتزم بجريانها فيما لم‌يلزم منه المخالفة العملية، كما إذا كان الحكم المعلوم بالإجمال غير إلزامي و مفاد الأصل حكماً إلزامياً على ما تقدّم بيانه».
[9] قال العلامة المجلسي. في كتاب الأربعين، ص582: «... و قيل: يحلّ له الجميع لما ورد في الأخبار الصحيحة: «إذا اشتبه عليك الحلال و الحرام فأنت على حلّ حتى تعرف الحرام بعينه»، و هذا أقوى عقلاً و نقلاً، و يمكن حمل هذا الخبر [الخبر الدالّ على وجوب التخلّص من الحرام إذا اختلط بالحلال بالقرعة] على الاستحباب أو العمل به في خصوص تلك المادة [أي تعيين الموطوءة] و العمل بتلك الأخبار في سائر الموارد و الأحوط اجتناب الجميع في المحصور و لتفصيل الكلام فيه مقام آخر».و راجع قوانين الأصول، ج3، ص72. و راجع القائلين بهذا القول في عيون الأنظار المجلد السادس ص390

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo