< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/10/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاحتياط /الجهة الثانیة؛ النظریة المحقق الإصفهاني؛ النتیجة من مقدمات اربع

 

و أمّا إن كان استحقاق العقاب[1] بحكم الشارع و جعله، (و قد اختاره صاحب منتقی الأصول و صرّح بذلك في مباحث القطع و أیضاً في مبحث الاشتغال)[2] فلازمه استحقاق العقاب على مخالفة التكلیف الواقعي بعد قیام الحجّة علیه.

توضیحه: إنّ قاعدة اللطف كما تقتضي بعث الشارع نحو ما فیه صلاح العباد و زجره عما فیه الفساد، كذلك تقتضي جعل العقاب على ترك ما فیه الصلاح و فعل ما فیه الفساد تحقیقاً للباعثیة و الزاجریة.

و من الواضح أنّ جعل العقاب ما لم‌یصل و لو بوصول ملزومه -و هو التكلیف- لایكون محقّقاً للدعوة بعثاً أو زجراً فالعلم بالتكلیف علم بلازمه و هو العقاب المجعول على مخالفته من حیث أنّه مخالفة لا من حیث الاندراج تحت عنوان الظلم حتّی ترد المحاذیر المتقدّمة، كما أنّه بملاحظة العلم المزبور یحتمل العقاب على فعل كلّ واحد لاحتمال حرمته واقعاً.

فإذا ارتكب أحدهما و صادف الواقع فقد وقع في عقابه و إلّا فلا و هذا الاحتمال هو الحامل للعبد على الفرار عن العقاب من دون حاجة فیه إلى حكم من العقلاء أو الشارع.

هذا تمام ما أفاده المحقّق الإصفهاني.

ملاحظات أربع علی نظریة المحقق الإصفهاني

الملاحظة الأُولی

إنّ ما أفاده في المقدّمة الأولى هو أنّ حقیقة الحكم عبارة عن الإنشاء بداعي البعث و التحریك و جعل الداعي، و البعث الجدّي و جعل الداعویة الإمكانیة لایتحقّق إلّا بالوصول، و نتیجة ذلك هو أنّ الإنشاء بداعي جعل الداعي لیس حكماً و بعثاً حقیقیاً قبل الوصول، بل هو حكم بحمل أوّلي و بعث مفهومي، و ذلك لما صرّح هنا و في مباحث القطع[3] بأنّ البعث الحقیقي متوقّف على الوصول و من جهة أخری أنّه صرّح في المباحث السابقة مثل مبحث الجمع بین الحكم الواقعي و الظاهري[4] بأنّ حقیقة الحكم خصوصاً في الأحكام الشرعیة عبارة عن البعث و الزجر أعني الإنشاء بداعي جعل الداعي، فإذا كان البعث مفهومیاً كان الحكم أیضاً حكماً مفهومیاً بالحمل الأولي.

و لكن هذا المبنی مخدوش من جهات ثلاث:

أمّا الجهة الأولى فهي أنّ الحكم أمر اعتباري و حقیقته متقوّمة بجعل الشارع في عالم الاعتبار سواء تحقّق البعث الحقیقي الذي هو غایة الحكم أم لا.

أمّا الجهة الثانیة فهي أنّ الحكم الحقیقي متقدّم رتبةً على البعث الحقیقي تقدّم ذي الغایة على تحقّق غایته.

فإنّ حقیقة البعث متوقّفة على جعل الداعویة الإمكانیة و ظرف الداعویة الإمكانیة عالم النفس و هو عالم تكویني، و المراد من حقیقة البعث لیس هو البعث الخارجي بل المراد البعث الاعتباري.

أمّا الجهة الثالثة فهي أنّ اشتراك الأحكام بین الجاهل و العالم بها هو في الحكم الحقیقي لا الحكم المفهومي، مع أنّ الجاهل لم‌یصل إلیه الحكم.

الملاحظة الثانیة

ما أفاده في المقدّمة الثانیة من أنّ العلم الإجمالي لایفارق العلم التفصیلي في حدّ العلمیة ممنوع، و ذلك لأنّ العلم متحّد مع المعلوم بالذات و هو لیس إلّا الصورة الذهنیة من المعلوم بالعرض و على هذا، المعلوم بالذات في العلم التفصیلي هو المتعلّق معیّناً و لكن المعلوم بالذات في العلم الإجمالي هو ما لایخرج عن الطرفین فلیس هذا المتعلّق معیّناً فإذا كان المعلوم بالذات في العلم التفصیلي مفترقاً عن المعلوم بالذات في العلم الإجمالي فلابدّ أن یكون العلم الإجمالي أیضاً مفترقاً عن العلم التفصیلي لمكان اتحاد العلم و المعلوم بالذات.

الملاحظة الثالثة

إنّ التنجّز إمّا تامّ و إمّا ناقص، و ذلك لأنّ وصول الحكم له ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: العلم بإنشاء الحكم.

المرتبة الثانیة: العلم بوجود موضوع الحكم كما مثّل لذلك بحرمة شرب الخمر على المكلّف فإنّ المكلّف موضوع التكلیف كما أنّ الخمر موضوع متعلّق الحكم و قد یعبّر عنه بمتعلّق المتعلّق حیث أنّ متعلّق الحكم هو شرب الخمر و موضوع هذا العنوان هو وجود الخمر فإذا علمنا بوجود الموضوع في المرتبة الثانیة فقد علمنا بكون الحكم فعلیاً في حق المكلّف بشرط وجود القدرة على امتثاله إجمالاً.

المرتبة الثالثة: العلم بمتعلّق الحكم بشخصه.

فإذا حصلت هذه المراتب الثلاث فقد تحقّق الوصول التامّ و بتبعه یتحقّق التنجّز التامّ أیضاً، و أمّا مع عدم وصوله التامّ فلا‌یتحقّق التنجّز التامّ فإنّ الجهل بالمرتبة الأولى و الثانیة من وصول الحكم موجب لارتفاع التنجّز رأساً و أمّا الجهل بالمرتبة الثالثة من مراتب وصول الحكم فهو موجب لنقصان التنجّز.

نعم إنّ التنجّز الناقص بالنسبة إلى جمیع أطراف العلم الإجمالي موجود و قد یعبّر عن ذلك باقتضاء التنجّز.

فالعلم الإجمالي كما یفارق العلم التفصیلي في حدّ العلمیة أیضاً یفارقه في مرتبة التنجّز فإنّ العلم الإجمالي بالحكم واجد للمرتبة الأولى و الثانیة من الوصول و لذا یكون مرتبة تنجّزه التنجّز الناقص و العلم التفصیلي بالحكم واجد لجمیع مراتب الوصول و لذا یكون مرتبة تنجّزه التنجّز التامّ.

الملاحظة الرابعة

إنّ ما أفاده في المقدّمة الثالثة من أنّ ملاك استحقاق العقاب هو هتك المولى و الظلم علیه صحیح لا غبار علیه، كما أنّ ما أفاده في المقدّمة الرابعة من أنّ الهتك من العناوین المقبّحة بالذات أیضاً تامّ بلا إشكال و لكن الكلام في انطباقه على ما نحن فیه فإنّ ارتكاب بعض الأطراف في ما نحن فیه مقتضٍ لصدق عنوان الهتك للتنجّز الناقص المذكور و لیس هتكاً على كلّ تقدیر بل هو هتك في ما لم‌یرخّص الشارع في ارتكابه و بعبارة أخری ترخیص الشارع مانع عن فعلیة اقتضاء التنجّز، أو مانع عن صدق عنوان الهتك.

نعم إنّ التعبیر باقتضاء التنجّز تسامحي، لأنّ الاقتضاء یناسب أجزاء العلّة التامّة بل الصحیح أن یقال: التنجّز الناقص للعلم الإجمالي یوجب عقلاً امتثال جمیع أطرافه إلّا إذا رخّص الشارع في ترك بعض أطرافه.

فتحصل من ذلك: أنّه لا مانع من جعل الترخیص الظاهري بل الحكم الظاهري -و إن لم‌یكن ترخیصاً- في بعض أطراف العلم الإجمالي. [5] [6]


[5] فوائد الاُصول‌، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص17.. فوائد الأصول للنائیني، ج4، ص17- 18: «و دعوى: أنّه لا مانع من الترخيص الظاهري في المخالفة العمليّة واضحة الفساد، فإنّ المخالفة العمليّة ممّا لا‌يمكن أن تنالها يد الإذن و الترخيص، لأنّها عبارة عن المعصية، و لا‌يعقل الإذن في المعصية، لاستقلال العقل بقبح المعصية كاستقلاله بحسن الطاعة و ليست من المجعولات الشرعيّة، و لو فرض أنّه ورد من الشارع الإذن في المخالفة للمعلوم بالإجمال فلا‌بدّ من حمله على نسخ الحكم أو تقييده بصورة العلم التفصيليّ و لو بنتيجة التقييد، و الكلام إنّما هو بعد الفراغ عن إطلاق الحكم الواقعي و عدم تقييده بالعلم التفصيليّ و انحصار جهة البحث في انحفاظ رتبة الحكم الظاهري من حيث أنّه حكم ظاهري، كما تقدّم في صدر العنوان، و من المعلوم بالبداهة: أنّ نتيجة الجعل الظاهري و هي الجري العملي و الترخيص الظاهري في جميع الأطراف تنافي العلم بالتكليف المنجّز في البين‌ بعد البناء على أنّ العلم الإجمالي كالتفصيلي يقتضي التنجيز، فلا‌تكون رتبة الجعل الظاهري محفوظة بالنسبة إلى جميع الأطراف‌»
[6] تهذيب الأُصول - ط نشر آثار الإمام الخميني، السبحاني، الشيخ جعفر؛ تقرير بحث السيد روح الله الخميني، ج3، ص184. تهذیب الأصول ج3، ص184-185: «لا مانع هنا للشارع عن جعل الترخيص، و ليس حكم العقل بلزوم اتّباع الحجّة الإجمالية مانعاً عن جعل الترخيص، كما ليس هاهنا مانع من ناحية الخطابات الأوّلية و لا من غيرها.توضيحه: أنّ ما هو القبيح على المولى إنّما هو الإذن في معصيته و مخالفته؛ فلو وقف المكلّف بعلم وجداني على كونه مطلوباً فالترخيص في تركه يعدّ لدى العقل قبيحاً بالنسبة إلى المولى الذي لا‌يتلاعب بأحكامه و أغراضه، فالعلم بالمطلوب و الإلزام به، ثمّ الترخيص فيه مع بقائه على المطلوبية التامّة التي لا‌يرضى بتركه نقض في الغرض لا‌يليق بساحة الحكيم.بل يمكن أن يقال: إنّ امتناعه ليس لأجل كونه أمراً قبيحاً، بل هو أمر ممتنع بالذات؛ لامتناع اجتماع إرادتين متعلّقتين على فعله و تركه، فالترخيص في المعصية مع كونه قبيحاً محال ذاتاً.و لكن كون الترخيص إذناً في المعصية فرع العلم بكونه محبوباً و مطلوباً تامّاً، و المفروض أنّ الموجود في المقام ليس إلّا العلم بالحجّة، و لا‌نعلم كونها مطابقة للواقع أو لا، فالترخيص في مخالفتها لحفظ غرض أهمّ على فرض المطابقة للواقع ليس ترخيصاً في المعصية؛ لعدم العلم بالحكم، بل هو ترخيص في مخالفة الأمارة و إجازة في مخالفة الحجّة، فما يدّعى من الامتناع و الاستقباح غير آتٍ في المقام».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo