< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/08/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة التخيير /تنبیه: في کون أحد طرفین أهم أو محتمل الأهمیة من الطرف الآخر

 

تنبیه: في كون أحد طرفین أهمّ أو محتمل الأهمیة من الطرف الآخر

بعد تمامیة القول بالتخییر العقلي قد اختلف الأعلام في ما إذا كان أحد طرفي العلم أهمّ أو محتمل الأهمّیة من الطرف الآخر، فهل تندرج هذه المسألة في كبری مسألة دوران الأمر بین التعیین و التخییر، و هل یحكم هنا بلزوم الأخذ بالأهمّ أو محتمل الأهمیة تعییناً أو لا؟

فقد قال بعض الأعاظم مثل صاحب الكفایة و المحقّق العراقي بلزوم تقدیم الأهمّ أو محتمل الأهمّیة و تعیّن الأخذ به.

و قال بعضهم مثل المحقّق النائیني و المحقّق الإصفهاني و المحقّق الخوئي بالتخییر و عدم لزوم الأخذ بالأهمّ أو محتمل الأهمّیة.

قبل الورود في بیان الأقوال لابدّ من تنقیح المراد من الأهمّیة في المقام:

إنّ الأهمّیة إمّا من حیث الاحتمال و هو في ما إذا فرضنا أنّ احتمال الوجوب أو احتمال الحرمة أقوی من الآخر.

و إمّا من حیث المحتمل و هو في ما إذا كان الشيء الذي یحتمل وجوبه مثلاً على تقدیر وجوبه أهمّ منه بالنسبة إلى ما إذا كان هذا الشيء حراماً، و مثال ذلك هو أن نعلم إجمالاً أنّ الدخول في هذه الدار إمّا واجب لأنّه یترتب علیه نجاة صاحب الدار من الهلكة بزلزلة أو نحوها و إمّا حرام لأنّه غصب.


في هذه المسألة نظریات أربع:

النظریة الأُولى: من المحقّق النائیني

إنّه قال في باب التزاحم بین الخطابین عند دوران الأمر بین التعیین و التخییر بأنّ الأصل هو التعیین و لكنه اختار هنا القول بالتخییر.

بیان ذلك:[1] [2] إنّه في باب التزاحم قد یكون للمتزاحمین إطلاق بالنسبة إلى حال الإتیان بمتعلّق الآخر و قد لایكون للمتزاحمین إطلاق في البین بل هما ثابتان بدلیل غیر لفظي مثل الإجماع.

أمّا إذا كان لكلّ من الدلیلین المتزاحمین إطلاق لفظي، ففي ما إذا لم‌یقدر على امتثال الخطابین لعدم القدرة على الإتیان بكلیهما، لابدّ من سقوط أحد الإطلاقین في ما إذا كان أحدهما أهمّ فیسقط إطلاق غیره فیجب الأخذ بالأهمّ تعییناً و أمّا إذا لم‌یعلم بأنّ أحدهما أهمّ من الآخر فیسقط الإطلاقان.

و أمّا إذا احتملنا أهمّیة أحدهما، فالإطلاق في ناحیة غیر الأهمّ ساقط على كلّ تقدیر و إنّما نشكّ في سقوط الإطلاق في ناحیة محتمل الأهمّیة فیتعیّن الأخذ به لعدم العلم بسقوط إطلاقه.

و أمّا إذا لم‌یكن للمتزاحمین إطلاق لفظي فالمكلّف لایقدر على الجمع بینهما فیجوز له تفویت ملاك أحدهما تخییراً، أمّا إذا احتمل أهمّیة أحدهما فحینئذٍ یعلم بجواز تفویت ملاك غیر محتمل الأهمّیة و أمّا تفویت ملاك ما هو محتمل الأهمّیة فیشكّ في جوازه فیتعیّن الأخذ بما هو محتمل الأهمّیة.

أمّا التخییر في دوران الأمر بین المحذورین لیس لاقتضاء الخطاب ذلك لأنّه لیس في البین إطلاقان، و أیضاً لیس في البین ملاكان، بل إنّما هو تخییر عقلي تكویني، فإذا كان وجود العلم الإجمالي كعدمه لا أثر له و لایقتضي التنجیز فوجود المزیة أیضاً كعدمها، فإنّ المزیة إنّما توجب الأخذ بصاحبها بعد الفراغ من تنجّز التكلیف و لزوم رعایته و امتثاله، و التكلیف في دوران الأمر بین المحذورین غیر لازم الرعایة.

یلاحظ علیها

إنّ ما أفاده و إن كان تامّاً صحیحاً على ما ذهب إلیه من سقوط العلم الإجمالي عن المنجّزیة و التأثیر و لكن قد تقدّم بطلان هذا المبنی.

النظریة الثانیة: من المحقّق الإصفهاني

التحقیق أنّ مسألتنا هذه غیر مندرجة في مسألة التخییر و التعیین العقلیین مع القطع بالأهمّیة فضلاً عن احتمالها، فإنّ حكم العقل بالتخییر هنا لیس بملاك التخییر بین الواجبین المتزاحمین من حیث تساویهما في المقتضي و مقتضاه و القدرة على امتثاله في نفسه، حتّی یكون القطع بأقوائیة الملاك أو احتمالها مانعاً عن حكمه بالتخییر.

بل التخییر هنا عقلاً بمعنی استقلال العقل بعدم الحرج في الفعل و الترك، بملاك عدم المنجّز للوجوب و الحرمة.

و القطع بأهمیة ملاك الحرمة على تقدیر ثبوتها واقعاً أجنبي عن هذا الملاك فضلاً عن احتمالها، لأنّ احتمال ثبوت الحكم الأهمّ كاحتمال ثبوت غیر الأهمّ في عدم التنجّز، لعدم التمكّن من الموافقة القطعیة و من المخالفة القطعیة على حدّ سواء.

و الموافقة الاحتمالیة للتكلیف المعلوم كالمخالفة الاحتمالیة قهریة لا أنّها لازم المراعاة بحكم العقل، حتّی یتوهّم أنّه مع القطع بالأهمّیة أو احتمالها في طرف یحكم العقل بمراعاة موافقته الاحتمالیة بالخصوص.[3]

یلاحظ علیها

إنّ المنجّزیة قد تطلق على وصول الحكم إلى المكلّف و قد تطلق على بلوغ الحكم إلى حدّ یستحق العقاب على مخالفته.

و التنجیز بالمعنی الملازم لاستحقاق العقاب متوقّف على أمرین:

الأوّل: المنجّزیة بمعنی وصول الحكم إلى المكلّف.

و الثاني: التمكّن من الموافقة القطعیة.

و المحقّق الإصفهاني یعتقد بالمنجّزیة بمعنی وصول الحكم إلى المكلّف لحصول العلم الإجمالي و منجّزیته في نفسه و لكن یقول: إنّ المنجّزیة بمعنی بلوغ الحكم إلى حدّ استحقاق العقاب على مخالفته منتفیة لانتفاء التمكّن من الموافقة القطعیة، فالوجوب و الحرمة غیر منجّزان عنده بهذا المعنی الثاني.

و حینئذٍ إذا قلنا بأنّ العقل مستقل بصرف القدرة في ما هو الأهمّ، فالقدرة الشرعیة على إتیان الأهمّ موجودة من دون وجود المانع عنها، كما أنّ الحكم الأهمّ منجّز بمعنی الوصول، فیجب حینئذٍ الإتیان بالأهمّ، و أمّا غیر الاهمّ فیسقط عن المنجّزیة بمعنی بلوغ الحكم إلى حدّ استحقاق العقاب على مخالفته.

فمسألتنا - على هذا - مثل مسألة دوران الأمر بین التعیین و التخییر في باب المتزاحمین لأنّ التكلیف في المتزاحمین منجّز بمعنی الوصول، أمّا التخییر بمعنی بلوغه إلى حدّ استحقاق العقاب على مخالفته فمنتفٍ في ناحیة غیر الأهمّ، و هكذا إنّ حكم الوجوب و حكم الحرمة منجّزان بمعنی وصولهما إلى المكلّف، و القدرة على امتثال كلّ واحد منهما مع صرف النظر عن الآخر موجودة فالمقتضي للتنجّز بالمعنی الثاني -أي بلوغ الحكم إلى حدّ استحقاق العقاب على مخالفته- موجود و إنّما المانع وصول حكم آخر في نفس هذا المتعلّق وصولاً إجمالیاً بحیث لایمكن امتثال كلیهما.

و حینئذٍ یستقلّ العقل بلزوم صرف القدرة في ما هو الأهمّ أو محتمل الأهمّیة فیرتفع المانع من البین، لسقوط الحكم في ناحیة غیر الأهمّ عن التنجّز بالمعنی الثاني.

و منشأ الخلط هو أنّ المقتضي لتنجّز الحكم بالمعنی الثاني -أي بلوغه إلى حدّ استحقاق العقاب- هو التمكّن من الموافقة القطعیة لنفس هذا الحكم، لا التمكّن من الموافقة القطعیة للعلم الإجمالي الذي هذا الحكم هو أحد طرفیه، فإنّ الطرف الآخر من العلم الإجمالي هو حكم آخر أجنبي عن هذا الحكم، إلّا أنّ الحكم الآخر في الطرف الآخر لما تعلّق بنفس متعلّق هذا الحكم أوجب ذلك عدم التمكّن من امتثال كلیهما و على هذا المقتضي لامتثال كلّ منهما موجود و إنّما المانع من ناحیة وجود الآخر و لذا لو فرضنا العلم الإجمالي بوجوب هذا الفعل في یوم الخمیس أو بحرمته یوم الجمعة یرتفع التمانع بین الحكمین في مقام الامتثال.

و حلّ المطلب هو في أنّ عدم التمكّن من امتثال العلم الإجمالي لاینافي وجود التمكّن من امتثال كلّ من الحكمین في نفسه.


النظریة الثالثة: من صاحب الكفایة

لصاحب الكفایة بحثان: بحث كبروي و بحث صغروي.

فإنّه قال في البحث الكبروي:

إنّ استقلال العقل بالتخییر إنّما هو في ما لایحتمل الترجیح في أحدهما على التعیین و مع احتماله [أي احتمال ترجیح أحدهما المعیّن] لایبعد دعوی استقلاله [أي العقل] بتعیینه.[4]

و قال[5] في البحث الصغروي:

أنّ مناط التعیین أحد الأمرین:

الأوّل: شدة الطلب و قوّة المناط في أحد الطرفین و زیادته على الطلب و المناط في الطرف الآخر بما لایجوز الإخلال بهذه الشدة و الزیادة في صورة المزاحمة و وجب الترجیح بها.

الثاني: احتمال الأهمّیة بشدّة الطلب و قوّة المناط.

(و قال المحقّق الإصفهاني: في التعبیر بشدّة الطلب و زیادته عن شدّة الملاك و زیادته مسامحة).

فتحصّل: أنّ مقتضى التحقیق هو تمامیة ما أفاده صاحب الكفایة من استقلال العقل بالتعیین خلافاً للمحقّق النائیني و المحقّق الإصفهاني.


النظریة الرابعة: من المحقّق العراقي

لو قیل بأنّ مناط حكم العقل بالتخییر في المقام عدم الترجیح بین الاحتمالین، أمكن دعوی توقّفه عنه عند وجود المزیّة لأحد الطرفین و یحكم بالأخذ بذي المزیة لاحتمال تعیّنه فافهم و تدبّر.[6]

یلاحظ علیها

إنّ ما أفاده من حكم العقل بالأخذ بذي المزیة و إن كان تماماً في نفسه إلّا أنّ المحقّق العراقي التزم بسقوط العلم الإجمالي، و یلزم من سقوط العلم الإجمالي سقوط الحكمین في مرحلة الاقتضاء عن المنجّزیة.

فعلى هذا لایجدي ارتفاع المانع عن امتثال الحكم الأهمّ في المقام، لأنّ العقل و إن استقلّ بلزوم إتیان ما هو الأهمّ أو محتمل الأهمّیة، إلّا أنّ سقوط العلم الإجمالي بحیث یكون وجوده كعدمه، معناه سقوط الحكمین عن الاقتضاء بحیث یكون وجودهما كعدمهما.

فما أفاده المحقّق العراقي هنا و إن كان تامّاً إلّا أنّه لایناسب مبناه و لعلّه إلى ذلك أشار بقوله: «فافهم و تدبر».

دوران الأمر بین المحذورین في التعبّدیات مع وحدة الواقعة

هنا نظریتان:

إنّ المحقّق النائیني ذهب إلى أنّ المقام الثاني خارج عن مسألة دوران الأمر بین المحذورین و ذلك لأنّ المكلّف في هذا المقام في ما إذا كان الحكمان كلاهما تعبّدیین أو كان أحدهما تعبّدیاً، یتمكّن من المخالفة القطعیة و هذا مثل دوران الأمر بین وجوب الصلاة و حرمتها، فإنّ المكلّف یتمكّن من فعل الصلاة بدون قصد القربة و حینئذٍ یقطع بمخالفته للواقع.[7]

و لكن الحقّ هو أنّ هذه المسألة أیضاً من صغریات دوران الأمر بین المحذورین، لأنّ المكلّف لایتمكّن من الموافقة القطعیة، فهو في مقام الامتثال مردّد بین المحذورین لایدري أن یأتي بالصلاة بقصد القربة أم یتركها، فلا وجه لإخراجها عن مسألة دوران الأمر بین المحذورین.

و الأعلام مثل صاحب الكفایة و المحقّق العراقي و غیرهما التزموا بعدم خروجها عن مسألة دوران الأمر بین المحذورین.

و المثال المعروف لهذه المسألة هي المرأة التي تری الدم و لكن الدم مردّد بین دم الحیض و دم الاستحاضة، فإنّ المرأة حینئذٍ لاتدري أ هي طاهرة حتّی تجب علیها الصلاة بقصد القربة أم هي حائضة حتّی تحرم علیها الصلاة و لو بدون قصد القربة؟ لحرمة الصلاة على الحائض ذاتاً حیث إنّ نفس الصلاة سواء كانت مع قصد القربة أم بدون قصدها حرام على الحائض.

نعم إنّ الفرق بین المقام الثاني و المقام الأوّل هو أنّ المرأة في هذه المسألة تتمكّن من المخالفة القطعیة بأن تأتي بالصلاة من دون قصد القربة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo