< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /الدلیل الثالث عن المحقق الإصفهاني

 

الدلیل الثالث: عن المحقّق الإصفهاني

إن هذا الحكم العقلي حكم عقلي عملي بملاك التحسين و التقبيح العقليين، و هو مأخوذ من الاحكام العقلائية التي حقيقتها ما تطابقت عليه آراء العقلاء حفظاً للنظام و إبقاءً للنوع، و هي المسماة بالقضايا المشهورة.

و من الواضح أن حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ليس حكماً عقلياً عملياً منفرداً عن سائر الأحكام العقلية العملية، بل هو من أفراد حكم العقل بقبح الظلم عند العقلاء، نظراً إلى أن مخالفة ما قامت عليه الحجة خروج عن زيّ الرقية و رسم العبودية، و هو ظلم من العبد على مولاه، فيستحق منه الذم و العقاب.

كما أن مخالفة ما لم تقم عليه الحجة ليست من أفراد الظلم، إذ ليس من زي الرقية أن لا‌يخالف العبد مولاه في الواقع و في نفس الأمر، فليس مخالفة ما لم تقم عليه الحجة خروجاً عن زي الرقية حتى يكون ظلماً.

و حينئذ فالعقوبة عليه ظلم من المولى على عبده؛ إذ الذم على ما لا‌يذم عليه، و العقوبة على ما لا‌يوجب العقوبة عدوان محض، و ايذاء بحت بلا موجب عقلائي، فهو ظلم، و الظلم بنوعه يؤدّي إلى فساد النوع، و اختلال النظام، و هو قبيح من كل أحد بالاضافة إلى كل أحد و لو من المولى إلى عبده.

لكن لا‌يخفى أن المهم هو دفع استحقاق العقاب على فعل محتمل الحرمة مثلاً ما لم تقم عليه حجة منجزة لهاً.

و حيث إنّ موضوع الاستحقاق بالأخرة هو الظلم على المولى، فمع عدمه لا استحقاق قطعاً، و ضمّ قبح العقاب من المولى أجنبي عن المقدار المهم هنا، و إن كان صحيحاً في نفسه.

تقریب بعض الأساطين لحكم العقل

هو أنّ العقل يدرك عدم استحقاق العقاب على مخالفة التكليف أو تفويت الغرض فيما إذا تفحّص عنه في مظانّ البيان من المولى من الكتاب، و السنّة، و حكم العقل و لم يظفر على البيان منه على الحكم لا نقلاً و لا عقلاً لا بالعنوان الأوّلي و لا بالعنوان الثانوي، لكونه معذوراً عند العقل في المخالفة بعدم نصب الشارع حجّة على حكمه، فحكم العقل هذا ثابت بحسب الاقتضاء. ([1] )

الدلیل الرابع: عن الشيخ الأنصاري

الاستشهاد بحكم العقلاء، قال الشيخ الأنصاري: و يشهد له: حكم العقلاء كافّة بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما يعترف بعدم إعلامه أصلاً بتحريمه.[2]

 

ما يحتمل مانعیّته أو تعارضه للبراءة العقلیة

المانع الأوّل: قاعدة حقّ الطاعة

دعوى الافتراق بين أحكام الموالي العرفية، و الأحكام الشرعيّة إذ قد يدّعى تمامية حكم العقل بالنسبة إلى القسم الأوّل لكون المولوية فيها اعتبارية دائرة مدار اعتبار المعتبر، فتكون صحّة المؤاخذة العقلية منوطةً بوصول الحكم إلى المكلّف بعد الفحص عنه و هذا بخلاف القسم الثاني و هي الأحكام المجعولة من قبل المولى الحقيقي الذي مولويته ذاتيّة غير مجعولة بجعل جاعل، فإنّ حقّ الطاعة في موردها يقتضي لزوم الطاعة حتّى في مورد احتمال التكليف و الغرض غير الواصل.

إیراد بعض الأساطين على قاعدة حقّ الطاعة

إنّ [دعوى] لزوم الإطاعة بمقتضى حقّ الطاعة في هذه الصورة ممنوعة حيث إنّ حقّ الطاعة بنظر العقل لايقتضي أزيد من كون العبد في مقام إطاعة المولى على نحو لايستند تفويت حكمه، أو غرضه إليه بحيث يكون مقصّراً في ذلك من ناحية مخالفة التكليف المعلوم، أو من جهة عدم الفحص التامّ عنه حسب ما تقتضيه وظيفة العبوديّة ، و أمّا مع الفحص التامّ، وعدم وصول التكليف إليه من جهة عدم بيان المولى أو إخفاء الظالمين و عدم سدّهم عن ذلك و عدم جعل الاحتياط مع قدرته عليها فيكون عدم إيصال التكليف إليه عذراً عقلياً موجباً لكون العقاب عليه قبيحاً، و ذلك لعدم تقصيره فيما تقتضيه وظيفة العبوديّة و كون التفويت من ناحية المولى لعدم بيانه الحكم مع قدرته عليه.([3] )

ملاحظتنا على قاعدة حق الطاعة

إنّ تطبیق قاعدة حق الطاعة على المقام، عندنا مخدوش، فإنّ على المكلّف حقّ الطاعة في ما وصل إليه، أمّا ما لم یصل إلیه فلا حقّ عليه، بل المكلّف معذور عند الله حینئذٍ بحكم العقل و العقلاء.

و هنا لابدّ من معرفة أركان هذه القاعدة:

الركن الأوّل: من له الحقّ و هو الله تبارك و تعالى و لابدّ من معرفته بما عرّف نفسه من أسمائه و صفاته، و هي لا‌تنحصر في مولویته على العباد بل قد تكون من قبيل الرحمن الرحیم و الرؤوف بعباده و الحكیم الخبیر، و مقتضى معرفة الله تعالى بهذه الأسماء و الصفات هو القول بعدم العقاب في ما إذا لم یصل التكلیف إلى العبد و نتیجة ذلك البراءة العقلیة في المقام.

الركن الثاني: من علیه الحقّ و هو العبد المخلوق الذي له جهات متعدّدة في علاقته مع الله تعالى؛ منها عبودیته لله تعالى، و منها محبوبيته لله تعالى فإنّ العلاقة بين المولى الشرعي أو العرفي و بین العبد قد تقتصر على العبودية و المولوية و قد تكون بينهما -مضافاً إلى العبودية و المولوية، علاقة أبوة و بنوة، كما في المولى العرفي، و علاقة المحبّ مع محبوبه و علاقة صداقة و غیرها، كما في الموالي العرفیة و الشرعیة، فلابدّ من ملاحظة العلائق بين المولى الحقيقي و عبده و أنّها -من ناحية المحبّة و الرأفة و الرحمة- أشدّ و أوثق منها في الأب مع ابنه.

فعلى هذا، كما أنّ الإبن یثق بوالدیه و لا‌یحتمل أن یعذّبه والداه في ما إذا لم یبیّن له التكلیف، فهكذا في العبد بالنسبة إلى المولى تبارك و تعالى.

الركن الثالث: متعلّق الحقّ و هي الطاعة لله تعالى.

الركن الرابع: موضوع الحقّ و هو عندنا ما إذا وصل الحكم إلى المكلّف و عند المحقّق الصدر هو احتمال التكلیف و إن لم یصل إلینا.

الركن الخامس: من یحكم بهذا الحقّ و هو العقل تارة و العقلاء أخری.

 


[1] تحف العقول، ج1، ص185.
[3] تحف العقول، ج1، ص184.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo