< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /الطریق الثاني من المحقق العراقي

 

الطریق الثاني: من المحقّق العراقي [1]

یمكن أن یقال بشمول الروایة للشبهات الحكمیة نظراً إلى إمكان فرض الانقسام الفعلي فیها أیضاً كما في كلّي اللّحم، فإنّ فیه قسمین معلومین: حلال و هو لحم الغنم و حرام و هو لحم الأرنب و قسم ثالث مشتبه و هو لحم الحمیر، لایدری أنّه محكوم بالحلّیة أو الحرمة و منشأ الاشتباه فیه هو وجود القسمین المعلومین فیقال -بمقتضى عموم الروایة -: إنّه حلال حتّی تعلم حرمته بل یمكن فرضه في لحم الغنم أیضاً بالإضافة إلى أجزائه، فإنّه ممّا یوجد فیه قسمان معلومان و قسم ثالث مشتبه كالقلب مثلاً فلایدری أنّه داخل في الحلال منه أو الحرام فیقال: إنّه حلال حتّی یعلم كونه من القسم الحرام و یخرج بذلك عن دائرة المشتبهات المحكوم فیها بالحلّیة، و بعد شمول العموم المزبور لمثل هذا المشتبه الذي یوجد في نوعه القسمان المعلومان یتعدّی إلى غیره بعدم القول بالفصل.

یلاحظ علیه

إنّ ما أفاده خلاف الظاهر في ناحیة المقسم حیث إنّ معنی قوله: «كُلُّ شَيْ‌ءٍ فِيهِ حَلَالٌ وَ حَرَامٌ»، هو أنّ كلّ شيء في كلّیِّهِ حلال و حرام فهو حلال و التفاوت بین طریق المحقّق العراقي و المحقّق الخوئي في تقدیر كلمة كلّیه أو كلمة نوعه.

و على أيّ حال لو تنزّلنا عمّا أفاده المحقّق النائیني، فهذا الطریق الذي سلكه المحقّق العراقي یدلّنا على تعمیم روایات الحلّ للشبهات الحكمیة.

النقطة الثالثة

من جهة خصوص موثّقة مسعدة بن صدقة حیث أُورد على دلالتها مضافاً إلى ما تقدّم من اشتمالها على كلمة «بعینه».

و هذه نقطة تتضمن ثلاث مناقشات: [2]

المناقشة الأُولى ([3] )

إنّ الأمثلة التي ذكرها الإمام في الروایة [أي روایة مسعدة بن صدقة] كلّها من قبیل الشبهة الموضوعیة، و هي لو لم‌تكن قرینةً على [إرادة خصوص الشبهات الموضوعیة و] عدم إرادة العموم فلا أقلّ من احتمال قرینیتها فیمنع عن انعقاد الظهور في العموم.

یلاحظ علیها

إنّ القاعدة الكلّیة لاتخصّص بذكر أمثلتها، و التمثیل ببعض المصادیق لایوجب تخصّصها بها، و لانحتمل قرینیة الأمثلة المذكورة، لأنّ لسانها لسان التمثیل و التنظیر لا القرینیة على تعیین موضوع القاعدة الكلّیة.

المناقشة الثانیة ([4] )

قوله في ذیل الروایة: «أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ»[5] ظاهر في إرادة الشبهة الموضوعیة.

توضیح ذلك: هو أنّ البیّنة المصطلح علیها هي شهادة العدلین و موضوعها هي الشبهات الموضوعیة.

یلاحظ علیها

إنّ البینة في الروایة لیست بمعناها المصطلح علیه بل هي بمعناها اللغوي و البیّنة اللغویة هو مطلق الدلیل الأعمّ من الخبر الواحد الذي یستدلّ به في الشبهات الحكمیة و الموضوعیة.

المناقشة الثالثة

إنّ الحكم بالحلّیة في الأمثلة المذكورة في موثّقة مسعدة بن صدقة لیس مستنداً إلى أصالة الحلّیة و البراءة بل هو مستند إلى قواعد أُخر مثل قاعدة الید التي هي من الأمارات، فإنّ الحكم في الثوب و العبد المملوك مستند إلى قاعدة الید، و الحكم في المرأة التي یحتمل كونها أُختاً نسبیة مستند إلى استصحاب العدم الأزلي و الحكم في المرأة التي یحتمل كونها أُختاً رضاعیة مستند إلى استصحاب عدم تحقّق الرضاع.

و لا أقلّ هنا ثلاثة احتمالات:

الأوّل: أن یكون مستند الحكم أصالة الحلّیة و البراءة، فالمراد من الحلّیة هي الحلّیة المجعولة للشاكّ.

الثاني: أن یكون مستند الحكم هذه القواعد مثل قاعدة الید و الاستصحاب و المراد من الحلّیة هي الحلّیة المستفادة منها.

الثالث: أن یكون مستند الحكم أعمّ من أصالة الحلّیة و هذه القواعد مثل الید و الاستصحاب و المراد من الحلّیة حینئذٍ هو ما یقابل المنع و الحرمان.

و دلالة روایات الحلّ على البراءة في الشبهات الحكمیة متوقّفة على الاحتمال الأوّل و الثالث و لكنّهما غیر ثابتین.

یلاحظ علیها

إنّ الظاهر من موثقة مسعدة بن صدقة هو استناد الحكم فیها إلى قاعدة «كُلُّ شَيْ‌ءٍ هُوَ لَكَ حَلَالٌ» و هذه القاعدة ظاهرة في أنّ المراد من الحلّیة فیها هي الحلّیة المجعولة للشاكّ المستفادة من أصالة الحلّیة و الإباحة لا ما تدلّ علیه قاعدة الید أو الاستصحاب، فإنّ الاستناد إلى قاعدة الحلّ لاینافي وجود سائر المستندات.

فتحصّل من ذلك: أنّ روایات الحلّ و هي موثقة مسعدة بن صدقة و صحیحة عبد الله بن سنان و صحیحة عبد الله بن سلیمان و روایة معاویة بن عمّار كلّها تدلّ على جریان البراءة في الشبهات الحكمیة و الموضوعیة.

 

الدلیل السادس: حدیث السعة

و العبارة المعروفة من الحدیث هي: «الناس في سعة ما لایعلمون» و فیه ملاحظة كما سیجيء إن شاء الله تعالى.

و البحث هنا في جهتان: الأولى في السند و الثانیة في الدلالة.

الجهة الأولى: البحث السندي

مناقشة المحقّق الخوئي على الاستدلال بحدیث السعة سنداً [6]

الذي يهوّن الخطب أنّ الحديث مرسل لايصحّ الاعتماد عليه، بل لم يوجد في كتب الأخبار أصلاً. [7]

ثمّ قال: نعم حدیث السفرة المطروحة في الطریق مشتمل على هذه العبارة بتفاوت یسیر، و إلیك نصّه:

مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله: «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سُئِلَ عَنْ سُفْرَةٍ وُجِدَتْ فِي الطَّرِيقِ مَطْرُوحَةً كَثِيرٌ لَحْمُهَا وَ خُبْزُهَا وَ جُبُنُّهَا وَ بَيْضُهَا وَ فِيهَا سِكِّينٌ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: يُقَوَّمُ مَا فِيهَا ثُمَّ يُؤْكَلُ، لِأَنَّهُ يَفْسُدُ وَ لَيْسَ لَهُ بَقَاءٌ فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا غَرِمُوا لَهُ الثَّمَنَ، فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَايُدْرَى([8] ) سُفْرَةُ مُسْلِمٍ‌ أَوْ سُفْرَةُ مَجُوسِيٍ؟‌ فَقَالَ: هُمْ فِي سَعَةٍ حَتَّى يَعْلَمُوا».[9] [10] [11] [12]

و هذه الروایة و إن كانت معتبرة سنداً و لكن دلالتها على جریان البراءة في الشبهات الحكمیة مخدوشة، لأنّ حكمها بالحلّیة إنّما هو من جهة كونه (أي اللحم) في أرض المسلمین و هو أمارة على التزكیة و إلّا فمقتضى أصالة عدم التزكیة حرمة أكله.[13] تمّ ما أردنا نقله من كلامه.

و ما أفاده من تعارض أخبار الاحتیاط أو حكومتها على هذه الروایة سیأتي إن شاء الله تعالى تحقیقه في محلّه.

 


[3] و في نهایة الدرایة، ج4، ص65: «و ظهورها [أي روایة مسعدة]- صدراً و ذيلاً- في الشبهة الموضوعية في غاية الوضوح و ليس من باب تخصيص الكلية بالمورد، بل الإمام طبقها على الشبهة الموضوعية، بقوله.: و ذلك مثل ...»
[4] و في نهایة الدرایة، ج4، ص65: «ثمّ أكّدها أخيراً بما يختصّ بالشبهة الموضوعية، بقوله.: أو تقوم به البيّنة»
[8] في المحاسن: «لَا تُدْرَى‌» و في التهذیب: «لَا نَدْرِي».
[13] في مصباح الأصول: «و مورد هذه الرواية خصوص اللّحم، و حكمه بالإباحة إنّما هو من جهة كونه في أرض المسلمين فهي أمارة على التذكية، و إلّا كان مقتضى أصالة عدم التذكية حرمة أكله. و بالجملة: مورد هذه الرواية هي الشبهة الموضوعية القائمة فيها الأمارة على الحلية، فهي أجنبية عن المقام».مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج1، ص279.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo