< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /المقام الأول؛ الحدیث الرفع؛ أما تصحیح الروایة فمن وجوه

 

أمّا تصحيح الرواية فمن وجوه (5)

الوجه الأوّل: التصحيح على أساس مبنی المحقّق الخوئي

قد يمكن تصحيح هذا السند من جهة مبنى التعويض[1] و هو أنّ للشيخ الصدوق في الفقيه طرقاً أخري إلى أصل أو كتاب سعد بن عبد الله و يعقوب بن يزيد و حمّاد ذكرها في الفقيه لا يكون أحمد بن محمد بن يحيى العطار فيها، و بما أنّ الشيخ الصدوق أتى بحديث الرفع مرسلاً في الفقيه مع ذكره الحديث في الخصال و التوحيد بسند متصل بالإمام يمكن أن نقطع الرواية من صاحب الأصل إلى الشيخ الصدوق و نعوّضه بسند آخر للأصل ذكره في المشيخة من الطرق الصحيحة التي لا يوجد فيها أحمد بن محمد بن يحيى، و ذلك لأنّه ذكر في أوّل الفقيه أنّ ما ينقله فيه هو ما رواه عن أصحاب الأصول و الكتب المعتبرة و أحمد بن محمد بن يحيى لم يكن صاحب كتاب و أصل.[2]

مناقشة المحقّق الصدر في الجواب الاوّل

إنّ نظرية التعويض بهذا العرض العريض غير مقبول عندنا، إذ ليس معنى أخبرنا بكلّ رواياته و كتبه كل ما ينسب إليه أو يقع الشخص في سنده من الروايات و لا أقلّ من الإجمال، و المتيقّن أنّه يقصد كلّ ما هو يراه رواية له بأن يسنده و ينسبه في كتبه إليه كما لو بدأ السند به فإنّه حينئذ يمكن تطبيق نظرية التعويض على كلام متروك إلى محلّه و هذا الحديث ليس كذلك كما هو واضح.[3]

ملاحظتنا على مناقشة المحقّق الصدر

أولاً: أنّ القدر المتیقّن من هذا المبنی روایة الشيخ الصدوق عن كتب أمثال سعد بن عبد الله الأشعري التي اشتهرت بین الشیعة و هذه الكتب قطعاً موجودة بالنسخ الصحیحة المتواترة عند والد الصدوق و غيره من مشايخه بحیث نحن نعتقد بأنّه لا نحتاج إلى وجود الإسناد بین الشيخ الصدوق و سعد بن عبد الله الأشعري - لذا لا نحتاج إلى مبنی التعویض في هذا المجال- و من استدلّ هنا بمبنی التعویض، فلابدّ أن یعلم أنّ القدر المتیقّن من هذا المبنی، إسناد الصدوق إلى أمثال سعد بن عبد الله الأشعري.

ثانیاً: ما سنشیر إلیه من وثاقة أحمد بن محمد بن یحیی العطار، لأنّ كثرة روایة الصدوق و التلعكبري[4] [5] ، و ابن الغضائري عنه و اعتماد الصدوق علیه في صحّة إسناد بعض الروایات یدلّ على وثاقته و یؤیّده ترضّي الصدوق علیه و كونه من مشایخ الإجازة.

الوجه الثاني: توثيقات بعض المتأخّرين

وثّقه العلّامة[6] ، حيث صحّح طريق الصدوق إلى عبد الرحمن بن الحجاج[7] [8] و عبد الله بن أبي يعفور[9] [10] مع اشتمال كلا الطريقين على أحمد بن‌ محمد بن يحيى العطار، و كذلك صحح طريق الشيخ في التهذيب و الاستبصار إلى محمد بن علي بن محبوب مع انحصار الطريق[11] [12] [13] ، و طريقه إلى علي بن جعفر في التهذيب و وقوع أحمد في كلا الطريقين.[14]

و وثّقه الشهيد الثاني في الدراية[15] و الشيخ البهائي في المشرق[16] و إن عدّ في الحبل المتين سند الرواية المشتمل عليه ضعيفاً[17] .

و هكذا وثقه السيد الداماد في الرواشح السماوية [18] و المقدّس الأردبيلي[19] ، و السماهيجي[20] ، و صاحب المعالم[21] مع اعتباره الإيمان و العدالة في الراوي مضافاً إلى الإسلام و الضبط([22] ).([23] )

المناقشة في الوجه الثاني ([24] )

إنّ توثيقات العلّامة و المتأخّرين لا وقع له، لحصول الاطمئنان بعدم كون توثيقاتهم مستندة إلى الحسّ من جهة بعد عصرهم عن عصر رواية الكتب بزمان كثير و بعد وجود ما يكون عندهم من المصادر الرجالية الموجبة لكون شهادتهم مستندة إلى الحسّ بل كانت توثيقاتهم بالوجوه الاجتهادية المذكورة لوثاقة هذا الرجل فلا تندرج تلكم التوثيقات في أدلّة حجّية الخبر الدالّة على حجّية خبر الثقة فيما كان مستنداً إلى الحسّ.

جواب بعض الأساطين عن هذه المناقشة

و قد ناقش في المعجم بأنّ توثیقات العلّامة مبتنیة على أصالة العدالة و المبنی باطل فلا یكون توثیقه قابلاً للإسناد.

و المناقشة غیر واردة و ذلك:

أوّلاً: أنّ مبنی العلّامة في العدالة لیس هو أصالة العدالة حیث إنّه صرّح في كتبه الفقهیة من القواعد و المختلف و الإرشاد[25] [26] [27] بأنّ العدالة هي الملكة و معه لا یمكن من مثله أن یحكم بعدالة شخص مبتنیاً على أصالة العدالة مع كونها مخالفة لفتواه الفقهیة.

و ثانياً: أنّ من نسب ابتناء توثیقات العلّامة على أصالة العدالة استند إلى ما استظهره من كلام العلّامة في الخلاصة في ترجمة أحمد بن إسماعیل بن سمكة حیث قال: «عربي من أهل قم، كان من أهل الفضل و الأدب و العلم و عليه قرأ أبو الفضل محمد بن الحسين بن العميد و له كتب عدة لم يصنّف مثلها، و كان إسماعيل بن عبد الله من أصحاب محمّد بن أبي عبد الله البرقي و ممن تأدّب عليه، فمن كتبه كتاب العباسي و هو كتاب عظيم نحو عشرة آلاف ورقة في أخبار الخلفاء و الدولة العباسية مستوفى لم يصنّف مثله.

هذا خلاصة ما وصل إلينا في معناه و لم ينصّ علماؤنا عليه بتعديل و لم يرو فيه جرح، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها من المعارض».[28]

و فیه: أنّ هذا الكلام من العلّامة بالنسبة إلى أحمد بن إسماعیل لا‌یدلّ على أزید من أنّه مع عدم الظفر على التصریح بتوثیق الرجل حكم بتوثیقه، و هو أعمّ من كون مبناه في مطلق توثیقاته على أصالة العدالة إذ من المحتمل بل الظاهر من كلامه أنّه اطمأنّ بوثاقة الرجل من القرائن و الخصوصیات التي ظفر علیها بالنسبة إلى ابن سمكة فلابدّ لتعیین مبناه في العدالة من المراجعة إلى كتبه الفقهیة و قد عرفت تصریحه بأنّ العدالة هي الملكة.

هذا مضافاً إلى تصریح العلّامة في الخلاصة في موارد متعدّدة بالنسبة إلى الأفراد و بالنسبة إلى ما هو الأساس عنده في تصحیح الطرق بكونه من المتوقّفین بالنسبة إلى من لا جرح و لا تعدیل في حقّه.

أمّا بالنسبة إلى الأفراد فقد قال في الخلاصة في ترجمة زید الزرّاد و زید النرسي: «و لما لم أجد لأصحابنا تعدیلاً لهما و لا طعناً فیهما توقّفت عن قبول روایتهما».[29]

فكلامه هذا یدلّ على أنّ مبناه في التعدیل لیس هو أصالة العدالة و إلّا لزم أن یحكم بالنسبة إلیهما بالعدالة لعدم وجدان طعن فیهما على ما ذكر الشيخ في الخلاف[30] في بیان هذا المبنی و سائر الفقهاء في كتبهم.

و قال أيضاً في الخلاصة بالنسبة إلى سفیان بن مصعب العبدي: «و لم یثبت عندي عدالة الرجل و لا جرحه فنحن فیه من المتوقّفین»[31] ، فإنّه فیه ذهب إلى التوقّف مع أنّ مقتضى أصالة العدالة هو الحكم بالعدالة.

و أمّا بالنسبة إلى الطرق ففي الفائدة الثامنة التي ذكر فیها طرق الشيخ الطوسي في كتابیه و طرق الشيخ الصدوق في كتاب الفقیه، قال- في ما هو الأساس عنده في تصحیح الطرق-: «و إن كان في الطریق من لا یحضرنا معرفة حاله من جرح أو تعدیل تركناه»[32] ، و بالجملة فمع تصریحه بأنّ الأساس في تصحیح الطرق و توثیق الرواة على معرفة حال الرواة في موارد كثیرة ممّا ذكر و من غیرها من الموارد التي یظهر بالتتبّع في القسم الأوّل و الثاني بأنّ الأساس عنده في تصحیح الطرق و توثیق الرواة على معرفة حال الرواة و مع ما عرفت من مبناه في العدالة في كتبه الفقهیّة لا‌یبقی مجال لكون توثیقاته مبتنیة على أصالة العدالة، و توثیقه بالنسبة إلى ابن سمكة مع عدم ظفره على الجرح و التعدیل في حقّه إنّما هو لأجل حصول الاطمینان له بوثوقه من الأوصاف التي ذكرها في ترجمته من كونه من أهل قم مع ملاحظة ما هو المتعارف فیه في تلك العصور بین الرواة من بنائهم على عدم نقلهم الروایة عن الضعاف كما یشهد بذلك إخراج مثل العبیدي عن قم مع كونه من الثقات لإكثاره الروایة عن الضعاف و من كونه من أهل العلم و الأدب و الفضل و كون كتبه التي صنّفها عدیمة النظیر عنده فبملاحظة هذه الكمالات و بملاحظة ما ظفر علیه من التأمّل في كتبه من الأمور دلّ على وثاقة المصنّف عنده اطمأن بوثاقته.

و بالجملة فهذا التوثیق منه بالنسبة إلى مورد خاصّ مع وجود هذه الخصوصیات من دون وجود الجرح و التعدیل لا یدلّ على كون توثیقاته في سائر الموارد مبتنیة على أصالة العدالة سیّما مع ملاحظة ما ذكر من مبناه الفقهي في تعریف العدالة.

 


[1] وصفت روایة حریز بالصحّة في كل من الوافية في أصول الفقه، ص180؛ جامعة الأصول لملا مهدي النراقي، ص42؛ الفصول الغروية، ص51 و 353؛ فرائد الأصول، ج‌2، ص27؛ قلائد الفرائد، ج‌1، ص306، المحاضرات للسید محمد داماد، ج‌2، ص203؛ مجمع الأفكار و مطرح الأنظار، ج‌3، ص254؛ الوصول إلى كفاية الأصول، ج‌4، ص254؛ الأصول العامّة في الفقه المقارن، ص468؛ الكافي في أصول الفقه للسید سعید الحكیم، ج‌2، ص184.و في نهاية الأصول، ص583: «و في توحيد الصدوق و خصاله مسنداً إلى أبي عبد الله بسند معتمد»و في دروس في مسائل علم الأصول، ج‌4، ص252: «من الأخبار التي يتمسك بها على البراءة في الشبهات الحكمية ما ورد في حديث الرفع المروي في الخصال بسند لا بأس به»و تمسك بعض الأعلام في اعتبارها باشتهارها و اعتماد الأصحاب علیها:ففي فوائد الأصول، ج‌3، ص336: «اشتهار الحديث المبارك بين الأصحاب و اعتمادهم عليه يغني عن التكلم في سنده مع أنّه من الصحاح فالمهمّ بيان فقه الحديث»‌و في نهاية الأفكار، ج‌3، ص208: «لما كان هذا الحديث الشريف محل اعتماد الأصحاب رضوان الله عليهم في أبواب الفقه من العبادات ...‌»، و مثله ما في الأصول للمیرزا أبو الفضل نجم آبادي، ج‌2، ص369، و نتائج الأفكار في الأصول، ج‌4، ص31.و في منتهى الأصول (ط.ج) ج‌2، ص235: «الحديث الشريف مروي في الخصال بسند صحيح...».و في تهذيب الأصول للسید عبد الأعلی السبزواري، ج‌2، ص165: «منها ما استفاض منه بين الفريقين... و استفاضة نقله تغني عن البحث في سنده، مع أنّ الصدوق نقله في الخصال بسند صحيح، و أنّ متنه يشهد بصحة سنده».و لكن نرى اختلافاً واضحاً بين تقريري درس المحقق الصدر حيث قال في بحوث في علم الأصول، ج‌5، ص58 فقال: «و على كل حال فلم‌يثبت سند صحيح للحديث»، فيردّ الحديث من ناحية السند، و لكن في مباحث الأصول، ج‌3، ص219 قال: «و قد تحصّلت من تمام ما ذكرناه تماميّة حديث رفع التسعة سنداً و دلالةً» فيقبل الرواية من ناحية السند.
[18] الرواشح السماوية، المير داماد الأسترآبادي، ج1، ص106.. قال: «ثمّ إنّ لمشايخنا الكبراء مَشْيخة يوقّرون ذكرهم، و يُكثرون من الرواية عنهم، و الاعتناء بشأنهم، و يلتزمون إرداف تسميتهم بالرَّضْيَلَة عنهم، أو الرَّحْمَلَة لهم ألبتّة فأُولئك أيضاً ثُبَّت فخماء، و أثبات أجلاّء، ذُكروا في كتب الرجال أو لم يذكروا، والحديث من جهتهم صحيح معتمد عليه، نُصّ عليهم بالتزكية و التوثيق أو لم يُنَصَّ. (إلى أن قال:) و كأشياخ الصدوق بن الصدوق ... و أحمد بن محمد بن يحيى العطار أحد شيوخ التلعكبري»
[22] راجع معالم الأصول، بحث الخبر الواحد.
[23] راجع في ذلك كلّه تنقيح المقال، ج8، ص110، في ترجمة أحمد بن محمد بن يحيى.
[24] تحف العقول في علم الأصول، ص103.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo