< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمدعلي پسران البهبهاني

44/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: الأصول العملية/أصالة البراءة /البحث الأول: أصالة البرائة

البحث الأول: أصالة البرائة

هنا مقدمة و مقامان و تنبیهات خمسة و خاتمة

المقدّمة : منهج البحث في أدلّة البراءة الشرعیة

إنّ الأُصولیین اتّفقوا على جریان البراءة عند الشكّ في التكلیف و استدلّوا على ذلك بأوجه مختلفة من الآیات و الروایات و الإجماع و الاستصحاب و حكم العقل.

فما دلّت علیه الآیات و الروایات و الإجماع و الاستصحاب هي البراءة الشرعیة (النقلیة) و ما دلّ علیه حكم العقل هي البراءة العقلیة.

إنّ الشيخ الأنصاري اتّخذ منهجاً تفصیلیاً للبحث عن أدلّة البراءة الشرعیة و خالفه صاحب الكفایة فسلك منهجاً آخر.

المنهج الأوّل: من الشيخ الأنصاري [1]

إنّه یری أنّ الشبهة قد تكون وجوبیة و أُخری تحریمیة و ثالثة یكون تحریم مشتبه بالوجوب، و منشأ الشك إمّا عدم النصّ و إمّا إجمال النصّ و إمّا تعارض النصین و إمّا اشتباه الأمور الخارجیة (هذا في الشبهات الموضوعیة).

فهنا ثلاثة مطالب (باعتبار الشبهة الوجوبیة و التحریمیة و التحریم المشتبه بالوجوب) و في كلّ مطلب أربع مسائل (باعتبار منشأ الشكّ) و المجموع اثنا‌عشر قسماً.

و الوجه في إفراد كلّ قسم من هذه الأقسام أمران:

الأوّل: إنّ النزاع لایعمّ جمیع الأقسام، فإنّ الأخباریین وافقوا الأُصولیین في جریان البراءة في الشبهات الوجوبیة، إلّا بعضهم مثل المحدّث الأسترآبادي فإنّه لم‌یلتزم بجریان البراءة حتّی في الشبهات الوجوبیة.

الثاني: إنّ بعض أدلّة البراءة مختصّة بالشبهات التحریمیة مثل قوله: «كُلُّ شَيْ‌ءٍ مُطْلَقٌ‌ حَتَّى‌ يَرِدَ فِيهِ‌ نَهْيٌ»[2] .

المنهج الثاني: من صاحب الكفایة [3]

إنّ صاحب الكفایة لما رأی أنّ عمدة أدلّة البراءة تشمل جمیع الأقسام التزم بتعمیم عنوان البحث و اندراج جمیع الأقسام تحته و جعل البحث حول عنوان مطلق الشكّ في التكلیف.

و من جهة أُخری إنّ منشأ الشكّ في التكلیف في البحث عن أصالة البراءة لیس إلّا أحد أمرین: فقدان النصّ و إجمال النصّ.

و أمّا اشتباه الأمور الخارجیة و جریان البراءة فیها فلیس من مسائل علم الأُصول، لأنّها شبهة موضوعیة و البحث عن الشبهات الموضوعیة من مسائل علم الفقه.

و أمّا تعارض النصّین فإنّ الرجوع إلى أصالة البراءة فیه في ما لم‌یكن ترجیح في البین مبني على القول بالتوقّف، و أیضاً مبني على القول بالتساقط عند التعارض في بعض فروض المسألة كما یأتي إن شاء الله تعالى في محلّه.

و أمّا بناءً على القول بالتخییر كما هو المشهور بین الأصولیین فلا مجال لجریان أصالة البراءة و نظیرها الاستصحاب، و ذلك لوجود الحجّة المعتبرة و هو أحد النصّین المتعارضین.

مناقشة المحقّق الخوئي في كلام صاحب الكفایة[4]

إنّ المحقّق الخوئي التزم بعدم تمامیة أخبار التخییر و عدم تمامیة أخبار الترجیح إلّا روایة القطب الراوندي[5] التي دلّت على الترجیح بموافقة الكتاب و مخالفة العامّة و لذلك اعترض على صاحب الكفایة بأنّ إخراج تعارض النصّین على إطلاقه من بحث البراءة ممّا لا وجه له بل قال بلزوم التفصیل بین موارد التعارض فالتزم في أكثر الموارد بالرجوع إلى الأصل العملي بعد تساقط المتعارضین و عدم وجود العامّ الذي هو فوقهما.

أمّا الموارد التي تجري فیها البراءة:

الأوّل: التعارض بین ظاهري الكتاب فإنّه یرجع فیه إلى البراءة بعد تساقطهما.

الثاني: التعارض بین الخبرین بالعموم من وجه في ما إذا كان العموم في كلّ منهما ناشئاً من الإطلاق بمقدّمات الحكمة، فیسقط كلا الإطلاقین لعدم جریان مقدّمات الحكمة و بعد سقوطهما لابدّ من الرجوع إلى الأصل العملي.

الثالث: التعارض بین الخبرین بالتباین أو بالعموم من وجه مع كون العموم في كلّ منهما بالوضع مع عدم رجحان أحدهما على الآخر بموافقة الكتاب و لا بمخالفة العامّة، فإنّ الخبرین یسقطان عن الحجّیة و یرجع فیه إلى الأصل العملي و هي البراءة بحسب الفرض.

أمّا المورد الذي لاتجري فیه البراءة:

التعارض بین الخبرین بالتباین أو بالعموم من وجه مع كون العموم فیهما بالوضع و كان أحدهما موافقاً لظاهر الكتاب أو مخالفاً للعامّة، فحینئذ یتعیّن الأخذ بما له الترجیح بمقتضى روایة القطب الراوندي فلایمكن حینئذٍ الرجوع إلى الأصل العملي.

یلاحظ علیها

إنّ ما أفاده المحقّق الخوئي من أنّ صاحب الكفایة أخرج البحث عن تعارض النصّین على إطلاقه من بحث البراءة مخدوش، كما ظهر ذلك بعد نقل عبارة صاحب الكفایة فإنّه قال بخروج البحث عن تعارض النصّین عند فقدان المرجّح عن مورد جریان البراءة على بعض المباني (و هو على مبنی من يرى حجّیة روایات التخییر) و بعدم خروجه على مبنی آخر (و هو مبنى من يرى التوقّف).

الامقام الأول: في ما استدل به علی البرائة الشرعیة و العقلیة

أدلّة البراءة الشرعیة

و استدلّ على اعتبار البراءة الشرعية بأدلة تسعة فمن الكتاب بـ: آية ﴿وَ ما كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [6] و آية ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها﴾[7] .

و من السنة بـ: حدیث الرفع؛ حدیث الحجب؛ روایات الحلّ؛ حدیث السعة؛ حدیث كلّ شيء مطلق.

و بالإجماع و الاستصحاب.

و قد كثر فيها النقض و الإبرام في دلالتها أو اعتبارها و نشرع فيها و نقول:

الدلیل الأوّل: آیة ما كنا معذبین

و هي قوله تعالى: ﴿وَ ما كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾.[8]

قالوا في تقریب الاستدلال بها: إنّ بعث الرسول كنایة عن بیان الأحكام، لأنّ بیانها من لوازم بعثه.

و قال المحقّق الخوئي:[9] تقریب الاستدلال به أنّ بعث الرسول كنایة عن بیان الأحكام للأنام و إتمام الحجّة علیهم، كما هو ظاهر بحسب الارتكاز و الفهم العرفي، فتدلّ الآیة الشریفة على نفي العقاب بمخالفة التكلیف غیر الواصل إلى المكلّف.

بیان الفرق بین التقريبين هو أنّ التقریب الأول یدلّ على عدم العذاب ما لم یبیّن الأحكام و هذا لا‌یمكن المساعدة علیه، فإنّ الأحكام قد یبیّنها الشارع و لكن لم تصل إلى المكلّف فكیف یمكن أن نقول بأنّ الله تعالى یعذّب المكلّف لترك ما لم یصل إلیه، فلا یصحّ الاستدلال بها للبراءة.

أما تقریب المحقّق الخوئي خالٍ عن هذا الإشكال، لأنّه لم یكتف بتعلیق العذاب على بیان الأحكام بل أضاف إليه إتمام الحجّة على المكلّف و هذا لایتمّ إلا بالوصول إلیه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo