« قائمة الدروس
آیةالله الشيخ بشير النجفي
بحث الفقه

46/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

ستر العورة في الصلاة/شرائط لباس المصلي /كتاب الصلاة

 

الموضوع: كتاب الصلاة/شرائط لباس المصلي /ستر العورة في الصلاة

 

قلنا في الدرس السابق إن صاحب العروة خلط بين الستر الصلاتي والستر غير الصلاتي، وقلنا إن العلماء سكتوا عن ذلك وسكتوهم غير واضح علينا.

كيفما كان فنحن نغض النظر عن هذه المشكلة التي أثارها اليزدي (رض)، فلعله كان يقصد شيئاً آخر، والعمدة في المقام ما هو حكم فاقد الساتر، هل يصلي جالساً أو يصلي قائماً، هل يصلي صلاة تماماً أو صلاة مع الإيماء.

وهذا البحث توغل فيه فقهاؤنا الأبرار (رض)، فحسب تتبع السيد الأعظم (رض) وغيره أن الاقوال في المقام أربعة، والقول المشهور هو الذي اختاره اليزدي (رض) وهو أن يصلي قائماً ولكنه احتاط في النهاية بأن يجمع بين الجلوس والقيام.

والعمدة في المقام هي الروايات الموجودة:

وهذه الروايات ذكر الشيخ صاحب الوسائل (رض) قسماً منها في باب النجاسات والقسم الآخر في باب الصلاة.

منها: الرواية الأولى من الباب السادس والأربعين من أبواب النجاسات والأواني والجلود:

محمد بن يعقوب، عن جماعة، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال: يتيمم، ويصلي عرياناً قاعداً يومي إيماءً.

ومنها: الرواية الأولى من الباب الخمسين من أبواب لباس المصلي:

روى الشيخ الطوسي (رض) بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن العمركي البوفكي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى (عليهم السلام)، قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة، كيف يصلي؟ قال: إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم.

والشيخ الطوسي روى الرواية الأولى المتقدمة عن الكليني، ولكنه روى عن غير الكليني رواية أخرى.

وهي منها: الرواية الثانية من الباب السادس والأربعين من أبواب النجاسات والأواني والجلود:

محمد بن الحسن، عن الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد، عن الحسين، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال: يتيمم، ويصلي عرياناً قاعداً يومي إيماءً.

في رواية الكليني: ويصلي عرياناً قائماً، وفي رواية الطوسي: ويصلي عرياناً قاعداً.

السيد الأعظم (رض) يقول هاهنا لا يجري الكلام المعروف بين الفقهاء وهو أنه إذا دار الأمر بين الكافي وبين كتب الشيخ الطوسي (قده) التهذيب أو الاستبصار، خصوصاً التهذيب يقدم الكافي على التهذيب لأن الكافي أثبت من كتب الشيخ الطوسي (رض)، والشيخ الطوسي قد أحرقت كتبه في فتنة بغداد ثم انتقل من بغداد إلى النجف وأعاد تأليف الكتابين خصوصاً التهذيب فكان سريعاً يخاف الموت لا يتمكن من الجمع فلم يضبطه مثل ضبط صاحب الكافي.

هذا هو المعروف بين الفقهاء (رض) والفقهاء قدموا الكافي على التهذيب، ولكن السيد الأعظم (رض) يقول بأنه لا يجري في المقام؛ لأن الشيخ رواها في الاستبصار عن الكافي بلفظ: قاعداً، فهو ملتفت إلى اختلاف النسخ وفي مثله لا تجري الأضبطيّة.

لست أدري لما أفاد السيد الأعظم هذا المطلب.

فالإشكال في تقديم الكافي هنا بحسب الضبط ، مقصود به الكافي الموجود بين أيدينا لا الكافي الذي كان موجوداً عند الشيخ الطوسي، فلا بد أولاً أن نثبت أن النسخة التي هي موجودة لدينا هي نفسها كانت عند الشيخ الطوسي أو أن الشيخ لم يشتبه في التهذيب.

ولو قلنا أن هذا اشتباه موجود في التهذيب فلازم هذا الكلام أن نترك التهذيب ونأخذ الكافي لأن ذلك يعني تقديم المضبوط وهو الكافي على التهذيب الذي فيه احتمال عدم الضبط.

وبعبارة واضحة إن الوصول إلى الكافي إنما هو الكافي في التهذيب لا الكافي الموجود عندنا.

بعبارة أوضح إن الشيخ الطوسي روى عن الكافي اختلافاً في النسخة وهذا الاختلاف موجود إنما هو في التهذيب لا في نسخ الكافي الموجودة بين أيدينا.

فالنتيجة ما هو فعله السيد الأعظم (رض) غريب جداً.

وهناك مطلب آخر وهو أن السيد الأعظم قال إن هذه الرواية مترددة بين قاعداً وقاعداً وباقي الروايات كلها ضعيفة، وليس كذلك.

فالرواية السادسة من الباب الخمسين من أبواب لباس المصلي معتبرة لا إشكال فيها:

روى محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلي فيه، فقال: يصلي ايماءً، وكانت امرأة جعلت يدها على فرجها، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان فيؤميان إيماء ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما.

وهذه الرواية معتبرة وغض النظر السيد الأعظم عن ذلك.

كما أن ما يعضد هذه الرواية روايات منها:

الخامسة من نفس هذا الباب الخمسين:

قال روي في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة أنه يصلي عرياناً قائماً فإن لم يره أحد صلى جالساً.

ومنها الرواية الثالثة من نفس هذا الباب:

عن أبي عبد الله عليه السلام: قال في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة يصلي عرياناً قائماً إن لم يره أحد وإن رآه أحد صلى جالساً.

ومنها: الرواية الأولى من الباب الثاني والخمسين من أبواب لباس المصلي:

عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) أنه قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً، فإن لم يجد صلى عرياناً جالساً يومئ إيماءً يجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس، ثم صلوا كذلك فرادى.

هذه الروايات هي العمدة في المقام، وكان نظر السيد فقط إلى رواية واحدة التي رفضها بالبيان الذي ذكرناه في خدمتكم، وقلنا إن رفضه للرواية مبني على اشتباه.

كيفما كان، فهذه الروايات تدل على أن الإنسان يجلس ويكون قاعداً في مفترض الكلام. وغداً نقرأ إن شاء الله تعالى رواية تدل على أنه يصلي قائماً بالإيماء ونحاول الجمع بين الطائفتين إن شاء الله تعالى.

 

logo