46/05/07
انحصار الساتر بأحد الممنوعات/ لباس المصلي/کتاب الصلاة
الموضوع: کتاب الصلاة/ لباس المصلي/ انحصار الساتر بأحد الممنوعات
حصل خلط في كلمات الأعلام بين دوران الأمر في الصلاة بالنجس أو غير مأكول اللحم أو الحرير أو الذهب وغيرها، هل أن البحث هنا من باب التزاحم أو من باب التعارض؟
وقد ذكر العلماء أبحاثاً في علم الأصول للتفريق بين التزاحم وتعارض والفرق بينهما مجملاً:
أن التعارض أخذ أحد الدليلين دون الآخر، فإذا تحكم التعارض بين دليلين يلجأ إلى بحث المرجحات في التعارض لاعتماد أحد الدليلين حجة دون الآخر.
وبعبارة أدق، فالتعارض نزاع بين دليلية الدليلين.
أما التزاحم فإن دليلية الدليلين فيه يكون مفروغاً منها وكلاهما يجب العمل به ولكن المكلف في مقام العمل لا يعرف أيهما متعين في حقه.
و بعبارة أخرى فإن المكلف في مقام العمل إذا عجز عن العمل بكلا الدليلين لابد له أن يلجأ إلى ما يرجح أحدهما على الآخر.
وهاهنا في المقام فإن كلاً من المحظورات أي المتنجس وغير مأكول اللحم والذهب والحرير والميتة والمغصوب قد قام الدليل على منع الصلاة به بلا شك، وعليه فكلام اليزدي ليس من باب التعارض؛ لأن البحث ليس بحثاً عن صحة الصلاة في أحد هذه المحظورات أو عدمه.
فالأمر هنا أن كلاً منها ممنوع ولكن لو دار الأمر بين الصلاة بكل واحد منها فما هو المتعين وعليه فالبحث من باب التزاحم.
ومن العجيب أن السيد الأعظم قد خلط بينهما وجعله من باب التعارض.
مع أنه بحث عند دوران الأمر بين هذه الممنوعات عن حكم المكلف في مقام الامتثال، بعد الفراغ من حكم كل واحد منها بأنه ممنوع الصلاة فيه.
والسيد حكيم الفقهاء (رض) غير غافل عن هذا التفصيل، ولكنه لم يتعرض كغيره من الفقهاء ـ كما ذكرنا مراراً ـ إلى هذه الحرمة وهي التجاسر على لبس الممنوع في الصلاة.
نعم، لو لاحظنا صحة الصلاة عارياً لصار البحث من باب التعارض، بمعنى أن أيّاً من الحكمين هو حكم المكلف، الصلاة عارياً أو الصلاة بإحدى تلك الممنوعات؟
وعلى كل حال نقرأ بخدمتكم بعض الروايات تتعلق بالبحث:
الرواية الأولى من الباب الرابع وخمسين من أبواب كتاب الطهارة، قال: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن محمد بن علي الحلبي:
سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أجنب في ثوب وليس معه ثوب غيره، قال يصلي فيه فإذا وجد الماء غسله.
قول السائل: وليس معه ثوب غيره، ألا يستفاد منها أن المصلي هنا مضطر إلى الصلاة بثوب متنجس؟
فالرواية هنا مختصة بصورة الاضطرار.
فاستفادة الحكم بالجواز بالصلاة في هذه الممنوعات في غير الاضطرار كما فعل السيد الأعظم (رض) حينما خير، من الغرائب.
ويؤيده قول الصدوق بوجود رواية أخرى فيها زيادة: وأعاد الصلاة، وهي إشارة إلى أن تلك الصلاة التي صلاها ليست هي الصلاة المطلوبة حين الاختيار.
الرواية الثالثة من نفس الباب:
روى عنه يعني عن علي بن حلبي، أنه سأل أبا عبد الله: عن الرجل يكون له ثوب واحد فيه بول لا يقدر على غسله، قال يصلي فيه.
فهل يكون وجود ثوب واحد لا يقدر على غسله غير الاضطرار؟ فكيف يستفاد منه صحة الصلاة فيه تخييراً؟
الرواية الرابعة من نفس هذا الباب:
روى محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، أنه سأل أبا عبد الله (ع): عن الرجل يُجنب في ثوب وليس معه غيره ولا يقدر على غسله، قال يصلي فيه.
كذلك الأمر لا يستفاد منه التخيير، بل لا يستفاد إلا أن الحكم مختص بصورة الاضطرار.
الرواية الخامسة من نفس هذا الباب:
محمد بن الحسن بإسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كله دم، يصلي فيه أو يصلي عرياناً؟ قال إن وجد ماءً غسله، وإن لم يجد ماءً صلى فيه ولم يصل عرياناً.
وكذلك الرواية السادسة والسابعة والثامنة من نفس هذا الباب.
وإنما كررنا قراءة الروايات الشريفة للتأمل في فهمها.
فإذن ما أصر عليه السيد الأعظم من استفادة حكم التخيير بين الصلاة في هذه الممنوعات وبين الصلاة عارياً غير واضح أبداً.