« قائمة الدروس
آیةالله الشيخ بشير النجفي
بحث الفقه

46/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

 الصلاة بغير مأكول اللحم مضطراً/ لباس المصلي/کتاب الصلاة

الموضوع: کتاب الصلاة/ لباس المصلي/ الصلاة بغير مأكول اللحم مضطراً

 

قال صاحب العروة (رض) بعد ذكر لبس الحرير للضرورة: وكذا الكلام في الميتة ولبس الميتة والمغصوب وكذلك الذهب.

هذه المسألة تعرض لها الفقهاء (رض) كسيدنا الأعظم (رض) وحكيم الفقهاء، لكن بعض جوانب المسألة مغفول عنها ولست أدري لما تركوها.

منها: أنه حكم في الميتة بحكم الحرير، وهذا مبني على أن يكون لبس الميتة حراماً في نفسه، والذي يُستدل به على ذلك روايات:

منها: الرواية الأولى من الباب الأول من أبواب لباس المصلي:

رواها الشيخ الطوسي عن محمد بن مسلم، قال: سألته عن جلد الميتة أيُلبس في الصلاة إذا دُبغ؟ فقال: لا ولو دبغ سبعين مرة.

ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام).

وكذلك الرواية الثانية عن محمد بن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الميتة قال: لا تصل في شيء منه ولا شسع.

وكذلك الرواية الثالثة من هذا الباب:

سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز وجل لموسى: ﴿فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى﴾، قال: كانتا من جلد حمار ميت.

وكذلك الرواية الرابعة من هذا الباب:

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل لموسى ﴿فاخلع نعليك﴾ لأنها كانت من جلد حمار ميت.

والروايتان الأخيرتان ظاهرهما أنه أمر موسى (ع) بخلع النعل لأنه ميتة، وصاحب الوسائل ذكرهما في هذا الباب لاحتمال أن المقصود في الصلاة، باعتبار أن في الصلاة لا يصح لبس جلد الميتة.

ولكن كلامنا فيما إذا كان نفس الفعل محرماً، فيكون ترك اللبس واجباً سواء كان في الصلاة أو غير الصلاة، وأما إذا كان فقط في الصلاة محرماً فيأتي الكلام في غير مأكول اللحم.

فصاحب العروة (رض) خلط ذلك، ولعل نظره في حكمه إلى الروايتين التي دلتا على أمر الله سبحانه لموسى بخلع النعل باعتبار أن من جلد غير مذكى، وهذا المعنى غير واضح؛ لأنه بحسب ظاهر هذه الرواية التي ذكرها صاحب الوسائل (رض) لم يكن موسى في الصلاة، بل كان في غير الصلاة، وكان يريد أن يتكلم مع الباري سبحانه وتعالى فباعتبار أنه لما وصل إلى الوادي لابساً النعل وأراد التكلم مع الله سبحانه أمره بنزع النعل.

ولكن نضم إلى ذلك قياساً وهو أن الصلاة مخاطبة لله سبحانه وبما أن الصلاة مخاطبة له فلذا لا يجوز لبس الميتة حينها، فتصبح هذه الرواية دالة فقط على عدم صحة الصلاة به لا أن اللبس حرام.

فمن أين يفهم من هذه الرواية أن اللبس حرام، الله تعالى قال له ﴿اخلع نعليك أنك بالوادي المقدس طوى﴾ وكذلك الرواية الثانية أيضاً كذلك: لا تصلي في شيء من الميتة، فالصلاة فيها ممنوعة، وكذلك الرواية الأولى: سأله عما لا يلبس في الصلاة إذا دُبغ قال لا، كل ذلك وارد في النهي عن اللبس في الصلاة.

وكذلك الروايتان الأخيرتان أيضاً يستفاد منهما أن يكون في حال الصلاة، لأن حال الصلاة هو متكلم مع الله سبحانه.

فجعل الميتة في حكم الحرير في كلامه جداً غير واضح.

ولست أدري أن السيد الأعظم (رض) وحكيم الفقهاء (رض) أيضاً عبرا عن هذا المعنى عبور الكرام وهذا عجيب جداً.

فعليه نحتمل مسامحة أن صاحب العروة يفتي بحرمة لبس جلد الميتة ذاتاً مثل الحرير للرجل ونحو ذلك.

قال صاحب الوسائل (رض) في ذيل تلك الروايات: (وهذا وإن أشعر بلبس جلد الميتة في غير الصلاة يحتمل الحمل على التقية في الرواية، وله نظائر وقد روى الصدوق في كتاب كمال الدين حديثاً طويلاً عن صاحب الزمان عليه السلام في انكار الرواية ونسبتها إلى العامة).

ولا مجال لرفض هذه الروايات خصوصاً مع اعتبار أسانيد بعضها.

كان على صاحب الوسائل حذف كلمة الميتة، اللهم إلا أن يكون رأيه (قده) هو لبس المحرم ذاتاً، يعني لبس الميتة ذاتاً محرمة.

كما كان عليه أن يبين أن هذه الأحكام تشمل الرجل والمرأة، أم هي أحكام مختصة بالرجال ولا تشمل النساء، فهل لبس الذهب للمرأة في الصلاة ممنوع أو في غير الصلاة؟

على كل حال فعبارة صاحب العروة (رض) محل تأمل ومحل إشكال.

ولست أدري لما غفل السيد الأعظم (رض) وكذلك حكيم الفقهاء (رض) عنها؟ لما صرفوا النظر عن هذا

ثم بعد ذلك شمل غير مأكول اللحم بنفس الحكم، لكن الكلام في غير المأكول أيضاً من جهة المنع عن الصلاة فيه، لا أنه نهينا عن لبس غير مأكول اللحم مطلقاً.

فالرواية الصحيحة قرأنا عدة مرات في خدمتكم أي رواية ابن بُكير، صرحت بالمنع في الصلاة لا غير.

ثم تعرض السيد حكيم الفقهاء إلى مسألة غير مأكول اللحم، وقال: لا يأتي الكلام فيما تقدم عنده (قده) في الحرير، ما كان لبسه محرماً يختلف عن غير مأكول اللحم مطلقاً، فغير المأكول اللحم حرام لبسه في الصلاة، لكن ليس محرماً في غيرها حتى يأتي نفس الكلام فيه.

ولكن كذلك يا سيدنا الأعظم ويا حكيم الفقهاء الذهب ليس محرماً على النساء، فلمَ لمْ تقيد أنت هناك؟ بينما نبهتنا هنا إلى هذا المعنى.

على كل حال ينبغي أن قبل أن نتحدث بشيء أن نعرض بخدمتكم مطلباً، وهو أن الصلاة إذا جُعل فيها شيء بديلاً عن شيء، قد يكون البدل اختيارياً وقد يكون اضطرارياً، فالكفارات مثلاً بعضها كفارة تخييرية، وبعضها ترتيبية، بحيث أن الإنسان إذا فعل ما يوجب الكفارة، فهذه كفارة وتلك الثانية إذا لم يتمكن فالثانية، وإذا لا فالثالثة، كل واحد من هذه الثلاثة بدل عن ذلك.

وقد يكون البدل تخييرياً يختار واحدة منها.

وفي الصورتين معاً صورة البدل الاختياري وصورة البدل الاضطراري، في كلتا الحالتين إذا وجد الإنسان البدل لا يقال أنه فاقد للكفارة، لأنه بديله.

وفي كلمات الفقهاء منهم السيد الأستاذ (رض) وحكيم الفقهاء (رض) غفلوا عن هذه النقطة بالمرة، أنه إذا كان العمل بديلاً عن شيء، لا يقال أن الشخص عاجز عن الكفارة.

وصاحب العروة لما ذكر الميتة والذهب وكذلك المغصوب ذكره فيما إذا لم يكن عنده لباس يصلي فيه غيره فيصلي عارياً، ولكن هناك من يخاف من رؤيته عارياً، فحينئذٍ قالوا يؤشر إلى الركوع والسجود، فيكون فاقداً للركوع والسجود، وهذا الكلام في طي كلمات العلمين السيد حكيم الفقهاء والسيد الاستاذ (رض) ورد كلام كأن البدل عندهم ليس مثل المبدل منه، مع أن البدل بمثابة المبدل منه.

وقد يكون البدل اختيارياً وقد يكون اضطرارياً، فإذا كان البدل اختيارياً فله حكم وإن كان البدل اضطرارياً فله حكم آخر، فاذا جاء الانسان ببدل عن شيء يعني بدل الركوع والسجود، أشّر مثلاً، أشر برأسه أو عينه أو تمام جسده، فالإتيان بالبديل عن الركوع ليس تركاً للركوع والإتيان ببدل السجود ليس تركاً للسجود.

لما هذا المعنى في كلام السيد الحكيم وكلام السيد الاعظم (رض) جاء مجملاً؟

وكان على صاحب العروة أولاً تقييد الذهب بالرجال وكذلك لابد أن يكون اللبس الميتة يكون في الصلاة فقط مع أن الحرمة في الحرير في الصلاة وفي غير الصلاة للرجل، كما اعترف (رض) وكذلك حكيم الفقهاء (رض) أن ينبهنا بأن لبس غير مأكول اللحم ليس محرماً مطلقاً، فإن كان هذا المعنى ـ أي أنه ليس محرماً ذاتياً ـ فلا يجري فيه حكم الحرير.

logo