46/04/16
الصلاة بالحرير جهلاًأو نسياناً/لباس المصلي/ کتاب الصلاة
الموضوع: کتاب الصلاة/لباس المصلي/ الصلاة بالحرير جهلاً أو نسياناً
تعرض اليزدي (رض) باعتباره في مقام كتابة رسالة عملية لبعض المطالب، والعلماء (رض) كحكيم الفقهاء وسيدنا الأعظم أرجعوا كل نقطة إلى محل البحث عنها، نحن أيضاً لا نريد الخروج عن بحثهم، ولكن بعض الخصوصيات في المسألة لم يتعرض لها العلماء (رض) ، لا السيد الحكيم ولا السيد الأعظم (رض)، فلابد من التعرض لها، وهي تأتي ضمن الكلام إن شاء الله تعالى.
قال (رض) إن الخليط الذي يكون مع الحرير إن كان من الصوف مثلاً أو مما يؤكل لحمه فحينئذٍ يصح لبسه والصلاة فيه، وقد تقدم الكلام في كون الحرير المحض هو الذي دل الدليل على حرمته وبل ورد خصوص لفظه في بعض كلمات الأئمة (ع)، والمحض يعني غير المخلوط، هذا حكم معلوم وتقدم الكلام في ذلك.
وأما إذا كان الخليط مما لا يؤكل لحمه أو كان من غير المذكى، فحينئذٍ صورتان للمسألة:
الأولى جواز اللبس والصورة الثانية صحة الصلاة فيه، فحينئذٍ يفتي السيد اليزدي (رض) بجواز اللبس لأنه ليس حريراً محضاً وكذلك حكم بعدم صحة الصلاة لأن الخليط مما لا يؤكل لحمه أو غير مذكى أو مما يؤكل لحمه غير مذكى، إلى هنا هذه الفروع كلها واضحة ولا كلام فيها للعلماء (رض).
|إنما الكلام في أن الخليط إذا كان مستهلكاً، لأن الخليط إذا كان غير مستهلك، فقد بينا في خدمتكم عدة مرات في أنه في تحديد المصداق يرجع إلى العقل ولا يرجع إلى العرف.
ولكن ينبغي أن يقال أنه إذا كان الخليط مستهلكاً فحينئذٍ مقتضى كلامنا المتقدم أنه يجوز لبسه باعتبار أنه ليس محضاً بالدقة العقلية، ولكن الروايات التي تمنع من لبس الحرير عارضة في مقدار فهم العرف، وبما أن العرف لا يرى هذا خليطاً فحينئذٍ مفاد الروايات عدم الدلالة على أن هذا الخليط يجوز لبسه.
وبعبارة واضحة ما ورد في الروايات أن الحرير المحض يحرم لبسه ولا تصح الصلاة فيه، والمقصود منه أن يكون محضاً بنظر العرف وليس المقصود منه أن يكون محضاً بالدقة العقلية، فإذن النتيجة هاهنا أن هذا الخليط البسيط جداً مستهلك وهذا المستهلك بحكم العقل ليس حريراً محضاً، لكن الروايات ليست واردة إلا على فهم العرف، فبما أنها واردة على مقدار فهم العرف فالمستهلك وإن كان خليطاً بالدقة العقلية بحسب القانون الذي قلناه أن المصداق يؤخذ من العقل، إلا أن الروايات لا تدل على الجواز.
الروايات تدل على الجواز مادام يكون خليطاً لدى العرف ولا يكون محضاً لدى العرف، وكذلك فهو وإن كان ليس محضاً بالدقة العقلية ولكن الروايات لا تحمل على معنى دقيق بحكم فهم الأصحاب (رض)؛ فإن هؤلاء كلهم من العوام، ولذا فالروايات الدالة على لبس المخلوط لابد أن تفسر بما يجعله العرف من المخلوط وأنه ليس محضاً.
ثم صاحب العروة (رض) قال لعل الخليط إذا كان العشر فهو كافي أن يكون خليطاً، والحق أنه لا يمكن تحديد ذلك، بل لب المطلب في السوق بحسب العرف، واعتباره خليطاً أو لا، فلا تحديد بالعشر ولا أقل منه ولا زائداً عنه.
فتحديد اليزدي (رض) بالعشر لعله احتمال منه (رض) وليس تحديداً بالدقة بالحكم الشرعي بل هو أبرز مثال من أمثلة ما يصدق عليه أنه خليط، وإلا إذا كان مثلاً ليس عشراً، بل أقل، بين التسع والعُشر، فماذا يقول يعني اليزدي (رض)؟
ثم بعد ذلك طرح مسألة وهذه المسألة (رض) بحثها الشراح كالسيد الأعظم (رض) وحكيم الفقهاء (رض) وعبروا هذه المسألة عبور الكرام ولم يتعرضوا لشيء.
يقول: إذا كان الخليط مما يُخرج عن المحضية ثم بعد ذلك من كثرة الاستعمال أصبح هذا محضاً فحينئذٍ لا يجوز لبسه ولا تصح الصلاة فيه مطلقاً.
وينبغي الانتباه إلى نقطة في هذه المسألة وهي أن تحديد الوقت بأنه هذا خرج عن المحضية أو عدم المحضية، في حالة الشك ماذا يكون حكمه؟
كان على العلماء (رض) أن يتعرضوا إلى هذه الخصوصية أنه إذا كان هناك محل شك عند العرف وعند المجتمع بكونه خليطاً أو ليس خليطاً، فما هو حكم المسألة؟
هذا الجانب كان مهماً وهو الذي تركه اليزدي (رض) وتركه السيد الأعظم (رض) وكذلك تركه حكيم الفقهاء (رض).
والذي ينبغي أن يقال أن الحكم ثابت على تحديد الموضوع، لا بد أن يكون المحضية معلومة، وما دام معلوماً أنه ليس محضاً فيجوز لبسه وتصح الصلاة فيه، وإن كان الخليط مشكوكاً فيه ففي هذه الحالة أيضاً لا تجوز الصلاة فيه، باعتبار أن الحكم ثابت سواء كان الحكم الحرمة أو كان الحكم الحلية.
نعم، الحلية يجوز مطلقاً، ولكن ثبوت الحرمة لابد أن يكون بعد تحقق إحراز الموضوع حينئذٍ، ومضمون الروايات مداره العلم بأنه حرام يعني هذا العلم من ناحية الحكم وكذلك من ناحية الموضوع، هذا إذا كان كذلك تثبت الحرمة، وأما إذا كان ليس كذلك، بل كان مشكوك الحرمة فهو حلال، كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام، والإنسان إذا علم أن هذا مصداق للمحرم فجانب الحكم أيضاً يكون عنده معلوماً.
ولكن في مقام التطبيق قد يكون الإنسان مشتبهاً في كونه خليطاً أو لا، فإذا كان شاكاً فالرافع للحرمة ـ وهو كونه مخلوطاً ـ غير معلوم، ولازم ذلك أن يحكم بأنه إذا شُك في أن هذا خليط أو لا فهو حرام لا يجوز لبسه ولا تصح الصلاة فيه.
ثم تعرض (رض) إلى مسألة أن الخليط لابد أن يكون مما يؤكل لحمه، مما يحل ويؤكل لحمه، هذه المسألة أيضاً عبرها السيد الأعظم (رض) وكذلك حكيم الفقهاء (رض) فإنهما لم يتعرضا إلى هذه المسألة، عبروها.
وينبغي أن ننبه إلى أن الخليط إذا شُك في أنه مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل فالروايات التي ثبتت بالحرمة موردها ما يكون معلوماً، منها:
في رواية الأولى من الباب الثاني من أبواب لباس المصلي، معتبرة ابن بُكير:
قال: سأل زرارة أبا عبدالله (ع) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول الله (ص) أن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله، والصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يُصلي في غيره مما أحل الله أكله، ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول الله (ص) فاحفظ ذلك يا زرارة فإن كان مما يؤكل حلمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز، إذا علمت أنه ذكيٌ قد ذكاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما نُهيت عن أكله وحرم أكله، فالصلاة في كل شيء منه فاسد، ذكاه الذبح أو لم يذكه.
فهذه الرواية ومجموعة مذكورة في هذا الباب يستفاد منها أن الحرمة والنجاسة وكذلك المنع لا يثبت إلا لفرض أحرزت أنه من هذه الموارد التي ذكرها الإمام عليه السلام، فعليه لو كان الخليط مما يُشك في أنه من مأكول اللحم أو من غير مأكول اللحم فإذن المشكوك لا يشمله دليل الحرمة ، دليل الحرمة إنما يشمل ما إذا علمنا أنه غير مأكول اللحم، وأنه ممنوع من قبل الشارع المقدس، وأما إذا شُك فالحكم إنما يثبت في المعلوم الحرمة، في المعلوم أنه غير مذكى وأما ما ذكي فهو جائز وأما المشكوك فهو مما لم يُعلم أنه مما حرم أكله، مما لا يجوز الصلاة فيه، فحينئذٍ تصح من فتوى اليزدي (رض) وهو إذا كان الخليط المشكوك مما يؤكل لحمه وغير مما أكل لحمه فلابد من القول بجواز، ما لم يُعلم أنه غير مذكى أو أنه مما يحرم، هذا تمام كلامنا في هذه المسألة إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.