46/03/13
الصلاة بالمكفوف/شرائط لباس المصلي /كتاب الصلاة
الموضوع: كتاب الصلاة/شرائط لباس المصلي / الصلاة بالمكفوف
وصل الكلام إلى الصلاة بالمكفوف وصحة الصلاة فيه لو كان من الحرير وعدمها، وقيد بعض الأجلاء مثل حكيم الفقهاء وسيد الأساتذة المكفوف بالحرير، مع أن هذا العنوان أي المكفوف مطلق وليس مقيداً بالحرير، ولكن قيد كما هو ملموح من كلام اليزدي (رض) وليس ظاهراً، لأن مفهوم كلام اليزدي أن يكون الكف مما هو طاهر وليس بنجس، مع أن الكلام ـ أي التعبير بالمكفوف ـ مطلق فيشمل المكفوف بالحرير، والمكفوف بجلد مأكول اللحم وجلد غير مأكول اللحم، وكذلك الأمور الأخرى التي يُكف بها.
فكان ينبغي على الفقهاء (رض) الكلام بالتفصيل، والتعرض إلى أن الكف بالحرير يجوز لبسه في بعض الموارد كلبس المرأة له ولكن لا تصح صلاتها به، وكذلك جواز لبس الرجل الحرير في الحرب وفي حالة الضرورة، وإن كان الكلام تعبيراً مطلقاً، لكن لا بد من التقييد بهذا.
والبحث عما لا تجوز الصلاة فيه من جهة أخرى، كالنجاسة أو الغصبية أو نحو ذلك خارج عن كلام الأعلام (رض)، ونشير إليه إن شاء الله تعالى في نهاية البحث.
فالكلام فعلاً فيما أفاد العلمان وغيرهما (رض)، من منع الصلاة بالمكفوف بالحرير، فقد خصصوا بهذا المكفوف، واستدلوا عليه بما دل على حرمة لبس الحرير مطلقاً.
وهذا استدلال غير واضح، والوجه في ذلك أن اللبس مثل الأكل أو الشرب قد يُنسب لشيء بدون إضافة، ويمكن أن يقال بدون قرينة، فيكون لبساً مطلقاً بدون القرينة يصدق على كل لبس، وبالمقابل قد يكون أكل طعام مضموماً إلى طعام آخر، أو شرب ماء مع حلاوة فيسمى شربت مثلاً ونحو ذلك، فتكون هذه الأعمال إضافية.
فلسنا نؤيد السيد الحكيم بقوله لا يصدق اللبس عليه، بل نقول يصدق اللبس ولكن اللبس بدون الإضافة، واللبس بدون الإضافة هذا ليس مستفاداً من الأدلة الدالة على الجواز.
وأيضاً أشكل السيد الحكيم (رض) بأنه إذا كان المطلوب مطلق اللبس فيكون المخلوط خارجاً بالتخصيص، والأمر ليس كذلك، ذلك لبسٌ مخلوط لها سداه ولحمته من شيء آخر قابل للصلاة فيه.
والصحيح أن يقال في رد هذا الاستدلال هو أنه اللبس المخلوط أو اللبس مع الإضافة محل هذا بحث، وأما الرواية الدالة على لبس المحض فالمقصود به اللبس المجرد وليس مقصود به اللبس المضاف، فكذلك في المقام أي جواز لبس المخلوط فهو لبس مضاف.
فدعوى حكيم الفقهاء أنه لا يصدق عليه اللبس غير واضحة، لأن الذي لا يصدق عليه هو اللبس المطلق ، أما اللبس المضاف فيصدق عليه، والروايات وكذلك الإجماعات والشهرة ونحو ذلك إنما دلت على جواز لبس المخلوط، فعليه ينبغي رد على هذا الدليل بهذا البيان، وهو أنه اللبس المطلق إذا كان محرماً فلبس المضاف لا يكون محرماً.
هذا مع الدقة في فهم الروايات إن شاء الله تعالى، التي منها:
الرواية الثانية من الباب الثاني عشر من أبواب لباس المصلي:
عن أبي عبدالله (ع) قال: لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلا في الحرب.
هذا نفي، وبعده استثناء عن اللبس المطلق لا عن اللبس المضاف.
والرواية الثامنة من الباب الحادي عشر من أبواب لباس المصلي، عن أبي عبدالله (ع) - في حديث - قال : وعن الثوب يكون علمه ديباجاً؟ قال: لا يصلي فيه.
فمن ذلك يستفاد مطلق الحرير، أيضاً نفس الإشكال الذي يرد عليه في الرواية سابقة كذلك في هذه الرواية فنقول للعلمين كان عليهما أن يقولا إن المقصود ليس اللبس المطلق بل اللبس المضاف، إذا كان مكفوفاً من حرير أو من غير الحرير.
كذلك الرواية التاسعة من نفس هذا الباب:
وفي هذه الرواية محل بحث من حيث السند نذكره وكلامنا مع سيدنا الأعظم (رض)، روى في التهذيب بإسناده عن أحمد بن محمد البرقي، صحيحٌ، وعن أبيه صحيحٌ، عن نذر بن سويد، صحيحٌ، قاسم بن سليمان وكذلك عن جراح المدائني، والكلام فعلاً في الدلالة:
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج، ويكره لباس الحرير ولباس الوشي ويكره الميثرة الحمراء فإنه ميثرة إبلي
أيضاً من حيث المعنى نفس الكلام المتقدم، أما من حيث السند فالمنسوب إلى سيدنا الأعظم (رض) أنه جراح المدائني وهذا مجهول ولكن وثقه بعض أجلاء علم الرجال، نعم القاسم بن سليمان ضعيف لم يوثق في علم الرجال أبداً، فالنتيجة أن الرواية ضعيفة ولكن لا من جهة جراح المدائني وقاسم سليمان كليهما، بل أحدهما وهو القاسم بن سليمان.
وهناك مطلب آخر وهو أن السيد الأستاذ (رض) رجع إلى أهل اللغة في كون الديباج هو الثوب المنقوش سواء كان من الحرير أو من غيره ، فالاستدلال بحرمة الديباج لا يشمل الحرير، هكذا أفاد (رض).
ولكن التأمل في الرواية ـ مع قطع النظر عن السند ـ عن أبي عبدالله (ع) أنه كان يكره أن يلبس القميص مكفوف الديباج ويكره لباس الحرير، لو كان الديباج يشمل الحرير كما قال فحينئذٍ ذكر الحرير محضاً في المرة الثانية كان في غير محله، بل يكتفى بالضمير يرجع إليه وعدم الاكتفاء بالضمير وذكر لفظ الحرير قرينة على أن الديباج غير، فما أفاد السيد الأعظم غير واضح علينا.
ثم هناك كلام في البحث من حيث كلمة الكراهة: يكره، ونسب إلى العلامة (رض) القول بأن الكراهة مقصود بها المعنى الاصطلاحي، وهي ما قابل المستحب، يعني حيث يكون الترك راجحاً يكون مكروهاً، كما في المستحب إذا كان فعل راجحاً، وهكذا.
ولكن لا يمكن تفسير الأخبار بالمعاني الاصطلاحية بل لا بد أن تفسر بالمعاني اللغوية، ومقتضى ما نسب للعلامة أن يكون الحرير جائزاً مع أن عدم جوازه مسلم، ولكن مقتضى اللغة أن الكراهة بمعنى المبغوضية فإذا كانت الكراهة هي المبغوضية فنفسر قوله عليه السلام يكره يعني يبغض أن يلبس القميص المكفوف بالديباج فهذا مبغوض.
فالصحيح المعنى اللغوي وهو الكراهة التي تفسر بالمبغوضية، إلا أن تكون هناك قرينة، ولذا ربما في بعض الروايات نفسر الكراهة بالمعنى الاصطلاحي، فحينئذٍ لابد من ذكر القرينة في محل الاستعمال، وأما إذا لم يذكر قرينة على إرادة المعنى الاصطلاحي ـ الذي هو المعنى المجازي من حيث اللغة ـ فلا بد أن نفسر بالمعنى اللغوي.
فيستفاد من الرواية من حيث الدلالة المبغوضية، وأن الحرير في الصلاة مبغوض، وكذلك الديباج أيضاً مبغوض في الصلاة.
فالنتيجة الكلام في المكفوف ينتهي الكلام فيه بهذا المقدار، أن نوافق أصحاب السيد الخوئي والسيد حكيم الفقهاء (رض) من جهة الحكم لكن طريق الذي مشوا عليه ذلك الطريق غير واضح.