« قائمة الدروس
آیةالله الشيخ بشير النجفي
بحث الفقه

46/03/07

بسم الله الرحمن الرحيم

 صلاة الخنثى المشكل بالحرير/شرائط لباس المصلي /كتاب الصلاة

الموضوع: كتاب الصلاة/شرائط لباس المصلي / صلاة الخنثى المشكل بالحرير

 

لا يزال الكلام في صحة الصلاة بالحرير للخنثى المشكل أو لا، ونفس لبس الحرير أو لا؟

أفتى صاحب العروة (رض) بأن الخنثى المشكل يجوز لها الصلاة في الحرير، ومعنى ذلك أن كلامه الشريف مشتمل على فتويين: أصل لبس الحرير وكذلك الصلاة فيه.

وهذا هو الظاهر في كلامه، ولست أدري لما اهتم الأعلام ـ مثل حكيم الفقهاء (رض) وسيد الأساتذة السيد الخوئي (قده) بفتوى واحدة وهي صحة الصلاة فيه؟

هذا جانب في المسألة، وهناك جانب آخر فيها وهو الخلاف بين الأعلام (رض):

فبعضهم قال بصحة الصلاة فيه، وبعضهم رجح جانب التحريم على جانب الجواز، وبعضهم قال بالاحتياط ومن جملة من قال بالاحتياط السيد الأعظم (رض) وكذلك السيد حكيم الفقهاء (رض).

لذا يجب علينا التأمل في هذا الحكم، وقد قدمت في خدمتكم أمس كلام سيدنا الأستاذ بما يتعلق بالمقام مع قطع النظر عن العلم الإجمالي، واليوم نتكلم فيه مع ملاحظة العلم الإجمالي.

ومسألة العلم الإجمالي مصيبة ورثها المتأخرون عن القدماء، وهذه المصيبة لا تنحل أبداً؛ فهل ابتلاء الإنسان بجميع الأطراف شرط في العلم الإجمالي أو لا يشترط ذلك، بل يكفي العلم الإجمالي بتنجز التكليف سواء كان مبتلياً أو لم يكن مبتلياً، وله فروع اُشير إلى بعضها في كلام السيد الحكيم وكذلك في كلام السيد الأعظم (رض) وهما يعني السيد الحكيم وحكيم الفقهاء (رض) قائلان بالاحتياط فلا بد من تجنب لبس الحرير مطلقاً حتى عند الصلاة.

الرواية التي تكلمنا فيها أمس وهي صحيحة سنداً حسب الظاهر والعلم عند الله، الخبر الثاني الباب الحادي عشر من أبواب اللبس في الصلاة، وقد راجعنا رجال السند كلهم ثقاة، وعمدة كلام في فهم نص الرواية، وهذا نصها:

عن محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلى أبي محمد ( عليه السلام ) أسأله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب ( عليه السلام ): لا تحل الصلاة في حرير محض.

حاول بعض الأعلام الاستفادة من إثبات الإطلاق كيف يكون في هذه الرواية، فما هو المقصود بالإطلاق أولاً؟

فهل المقصود بالإطلاق أن يكون اللباس قلنسوة أو غير قلنسوة؟ أو إطلاق من جهة كان المصلي رجلاً أم امرأة، أم من جهة القلنسوة بحيث يلبس قلنسوة من الحرير أو الديباج ويصلي فيها؟ سيدنا الأستاذ لم يذكر ما هو المقصود بالإطلاق، هل المقصود بالإطلاق من حيث اللباس أو من حيث المتلبس؟

وكلام الإمام (ع) مع قطع النظر عن كلمات أعلامنا (رض) يُحتمل فيه احتمالان: سأله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج، فكتب عليه السلام: لا تحل صلاة في حرير محض، ففي هذا الكلام الإطلاقان محتملان في المقام، إطلاق من حيث اللبس وإطلاق من حيث المتلبس، فالإمام (ع) حكم بأنه لا تحل صلاة في حرير محض، وكذلك الديباج، وأنا قلت في خدمتكم إن الديباج جزء أو نوع من الحرير لكن لاختلاف حقيقة الديباج والحرير يستعمل لفظان في تعبيرات مختلفة وخصوصاً في الروايات، فلابد من تعميم الحكم من الحرير إلى الديباج.

ولكن هناك أسئلة في المقام: هل يشترط في تنجز العلم الإجمالي أن يكون انسان مبتلياً بالفعل بجميع الأطراف معاً أو لا؟ يستفاد من بعض من جوز ذلك أنه لا بد أن يكون ابتلاءً فعلياً

وهل العلم الإجمالي معتبر وحجة مطلقاً سواء كان الإنسان مبتلياً بجميع الأطراف أو ببعض الأطراف؟

وهل يشترط في تنجز العلم الإجمالي أن يكون الأطراف محصورة أو غير محصورة؟

وهذه المعاني محل بحثها في الأصول إن شاء الله تعالى.

وقد ذكر العلماء (رض) أمثلة لذلك، منها: وجوب ستر الجسم كله ما عدا الوجه والكفين للمرأة وهذا الوجوب ثابت أو كذلك حرمة لبس القلنسوة على النساء ـ على فرض ثبوته ـ فالنتيجة لابد من طرح الحكم على الإطلاق.

أفتى بعض الأعلام (رض) بترجيح الحرمة على الوجوب وهذا الحكم من بعض الفقهاء (رض) جُعل في محل كلام كما في عبارة السيد الحكيم (رض).

والذي اتخيل والعلم عند الله والراسخين في العلم أن ترجيح جانب الحرمة على الجواز ليس مختصاً بالعلم الإجمالي بل ربما لم يكن هناك علم اجمالي، فقط شيء واحد إما أنه حرام أو ليس حراماً، وفي مثل ذلك يرجح جانب التحريم كما قال.

فالنتيجة أن المسائل مختلفة الأعراض ولكن ينبغي التحقيق في المقام بالدقة في أصل المسألة، وأصل المسألة هي لبس الحرير، مرة لبس الحرير مطلقاً ومرة في خصوص الصلاة، وهذا الذي أشار إليه الفقيهان السيد حكيم الفقهاء والسيد الأعظم (رض) وهو الصحيح؛ لأنه كما يأتي الكلام في الحرير بالصلاة أيضاً يأتي الكلام في لبس الحرير أيضاً.

والذي نلتزم به في المقام أن الروايات دلت على عدم جواز لبس الحرير للخنثى كما في الرواية التي قرأناها بالأمس، رواية زيد: قال كسى رسول الله (ص) أسامة بن زيد كساه بالحرير .. الحديث.

والذي نعلمه من هذه الرواية ومن غيرها أن الخنثى لا يجوز لها لبس الحرير؛ باعتبار أنها تعلم أن هذا الحرير إما محرم أو محلل، فلا بد من القول بأنها إما أن تكون الخنثى رجلاً فالحرير محرم وإما أن تكون امرأة فيجوز لها، وبما أنه لا يعلم الأول فلا يعلم أن هذا حرير محرم عليه أو ليس محرماً عليه، فلا يبقى إلا الالتزام بالقاعدة التي نحققها في الأصول وهي وجوب الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي مطلقاً أو لا يجب الاجتناب؟

فإن قلنا بوجوب الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي فلا بد من الحكم بما حكم به حكيم الفقهاء وسيدنا الأعظم (رض)، حيث حكما بأنه لا تصح صلاة من الخنثى في الحرير، بل أصل اللبس أيضاً، وربما يظهر من يتخيل أن الخنثى يجوز لها لبس الحرير ولكن لا يصح لها الصلاة فيه، ولكن إذا جوزنا لبس الحرير ـ والذي هو محرم على الرجل فرجحنا جانب الانثى فيها ـ فالتلازم موجود، وإلا فهذا ترجيح بلا وجه أصلاً.

فالصحيح والعلم عند الله أن الخنثى يُحرم عليها لبس الحرير والصلاة فيه.

بعض الفقهاء (رض) حكم بصحة الصلاة اعتماداً على القاعدة الكلية، ولكن صدق المفهوم على المصداق، ولكن هل هذا الصدق حاصل أو لا، إن قلنا بأن انطباق المفهوم على الماهية عرفي وجداني فحينئذٍ ما أتى به المكلف الخنثى صلاة، فما دام صلاة فلا بد من الحكم بصحتها، ولكن هذا المعنى وإن ظهر في كلمات بعضهم ولكنه غير واضح على خادم الطلبة والوجه في ذلك أن صدق ماهية الصلاة أو مفهوم الصلاة على المأتي به، هذا عند خادم الطلبة حكم عقلي وليس وجدانياً، فإذا كان حكماً عقلياً فلا بد من إحراز الصحة ولا بد من الابتعاد عما يوجب الفساد.

فالصحيح أن نقول أن فتوى اليزدي (رض) غير واضحة، حيث حكم أن الخنثى المشكل يجوز له أن تلبس الحرير ـ هذا الذي لم يتعرض له الفقهاء ـ وكذلك حكم بصحة الصلاة فيه ولكن الصحيح والعلم عند الله وعند الراسخين في العلم صحة ما ذهب إليه حكيم الفقهاء وسيدنا الاعظم (رض)

 

logo