46/03/18
بسم الله الرحمن الرحیم
/تعریف العامّ وأقسامه/العامّ والخاصّ
الموضوع: العامّ والخاصّ/تعریف العامّ وأقسامه/
تکملة
الفرق بین العامّ والمطلق
من المباحث المهمة والمطروحة في مبحث العامّ والخاصّ، هو الفرق المفهومي بین العامّ والمطلق، حیث إنّ شمول الموضوع وعمومیّته، کما یُستفاد من قولنا «أکرم کلّ عالم»، یستفاد أیضاً من قولنا «أکرم العالم»، ولکن الجملة الأولى تُسمّى في الاصطلاح جملةً عامّة، والثانیة جملةً مطلقة؛ لذا یُطرح السوال: ما الفرق بین العامّ والمطلق؟
والمحقّق الخوئي (رحمه الله) أیضا یذکر هذا المبحث في محاضراته في بدایة مبحث العامّ والخاصّ في ضمن النکتة الثانیة قائلاً: «ما هو الفرق بین العامّ والمطلق الشمولي کما في قوله تعالی:﴿أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ﴾ و ﴿تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ﴾ وما شاکلهما، حیث إنّه یدلّ علی شمول الحکم لجمیع أفراد مدخوله؟»[1] .
وقد طُرحت نظریّات متعدّدة في هذا الخصوص، ولکن مناقشتها ونقدها وتحلیلها خارج عن مجال بحثنا هذا، فلذلک نکتفي بذکر النظریّة المشهورة وثمرتها المترتّبة.
فالمشهور بین العلماء أنّ الفرق بین العامّ والمطلق لیس من حیث المدلول، إذ کلاهما یدلّان علی العموم والشمول، بل الفرق بینهما من حیث منشأ الدلالة؛ حیث إنّ منشأ الدلالة في الجملة العامّة هو الوضع، أمّا منشأ الدلالة في الجملة المطلقة فهو مقدّمات الحکمة. وبعبارة أخرى، إنّ منشأ دلالة الجملة العامّة علی عموم موضوع الحکم هو أخذ إحدى أدوات العموم مثل «کلّ» أو «جمیع» التي وُضعت للدلالة علی الشمول والاستغراق، بینما منشأ دلالة الجملة المطلقة علی الشمول یتعلّق بالتفاهم العرفي للجملة المطلقة من خلال مقدّمات الحکمة، ولا دخل للوضع في هذه العمومیّة.
وخلاصة القول، إنّ العموم في الجملة العامّة مدلول وضعي لا یعتمد علی مقدّمات الحکمة، بینما العموم في الجملة المطلقة مدلول ظهوري یعتمد علی مقدّمات الحکمة.
ومحقّق الخوئي (رحمه الله) یتبنّی هذا الرأي ویقول في جواب السوال: «الفرق بینهما هو أنّ دلالة العامّ علی العموم والشمول بالوضع، ودلالة المطلق علی ذلک بالإطلاق ومقدّمات الحکمة»[2] .
کذلک، الشهید الصدر (رحمه الله) یتبنّی النظریّة المشهورة نفسها بحسب ظاهر کلامه حیث یقول في بدایة بحثه عن العامّ والخاصّ في تعریف العامّ ضمن النقطة الأولى: «إنّ الاستیعاب یُفاد تارةً بحسب مرحلة المدلول اللفظي للدلیل کما في (أکرم کلّ عالم) بناءً علی وضع کلمة (کلّ) لغةً للاستیعاب، وأخرى یفاد بحسب مرحلة التحلیل العقلي في قولنا (أکرم العالم)، حیث إنّ اللفظ لا یدلّ وضعاً علی أکثر من جعل الحکم علی طبیعیّ العالم، ولکنّ الحکم یُطبّق علی کلّ مورد یتحقّق فیه العالم خارجاً، والعموم هو النوع الأول من الاستیعاب لا الثاني»[3] .
ثمرات هذا الفرق:
کما یقول محقّق الخوئي (رحمه الله) في العبارة السابقة: «تترتّب علی هذه النقطة من الفرق ثمرات تأتي في ضمن البحوث الآتیة»[4] . إحدى هذه الثمرات هي تقدیم العامّ علی المطلق عند التعارض.
ومحقّق النائیني (رحمه الله) أیضاً بعد أن عرّف العامّ وأشار إلی تعریف المطلق یقول: «لا فرق بین هذین القسمین من الشمول سوی أنّه عند التعارض یقدّم الشمول اللّفظي علی الشمول الإطلاقي، لأنّ الشمول اللّفظي یصلح أن یکون بیاناً للمطلق الذي علّق الحکم فیه علی الطبیعة، فلا تجري فیه مقدّمات الحکمة»[5] .
وخلاصة القول أنّه لإثبات العمومیّة والشمولیّة في الجملة المطلقة یجب إجراء مقدّمات الحکمة، ولکن مع وجود العامّ والبیان اللّفظي لا تجري هذه المقدّمات في الجملة المطلقة.