درس رسائل استاد حمیدرضا آلوستانی
بخش1
95/12/24
بسم الله الرحمن الرحیم
و عن المحدّث المجلسيّ[1] قدّس سرّه في كتاب الصلاة من البحار، بعد ذكر معنى الإجماع[2] و وجه حجّيّته[3] عند الأصحاب:
إنّهم لمّا رجعوا إلى الفقه كأنّهم نسوا[4] ما ذكروه في الاُصول- ثمّ أخذ في الطعن[5] على إجماعاتهم إلى أن قال:- فيغلب على الظنّ[6] أنّ مصطلحهم في الفروع غير ما جروا عليه في الاُصول[7] ، انتهى.
و التحقيق: أنّه لا حاجة إلى ارتكاب التأويل في لفظ «الإجماع» بما ذكره الشهيد، و لا إلى ما ذكره المحدّث المذكور قدّس سرّهما، من تغاير مصطلحهم في الفروع و الاُصول، بل الحقّ: أنّ دعواهم للاجماع[8] في الفروع مبنيٌّ على استكشاف الآراء[9] و رأي الإمام[10] عليه السّلام إمّا من حسن الظنّ بجماعةٍ من السلف، أو من اُمورٍ تستلزم- باجتهادهم- إفتاء العلماء بذلك و صدور الحكم عن الإمام[11] عليه السّلام أيضاً[12] .
و ليس في هذا[13] مخالفةٌ لظاهر لفظ «الإجماع» حتّى يحتاج إلى القرينة، و لا تدليس؛ لأنّ دعوى الإجماع ليست لأجل[14] اعتماد الغير عليه و جعله دليلاً يستريح إليه في المسألة.
نعم، قد يوجب[15] التدليس من جهة نسبة الفتوى إلى العلماء، الظاهرة[16] في وجدانها في كلماتهم، لكنّه يندفع بأدنى تتبّعٍ في الفقه، ليظهر أنّ مبنى ذلك[17] على استنباط المذهب، لا على وجدانه مأثوراً[18] .
و الحاصل: أنّ المتتبِّع في الاجماعات المنقولة يحصل له القطع من تراكم أماراتٍ كثيرة، باستناد[19] دعوى الناقلين للاجماع- خصوصاً إذا أرادوا به اتّفاق علماء جميع الأعصار كما هو الغالب في إجماعات المتأخّرين- إلى الحدس الحاصل من حسن الظنّ بجماعةٍ ممّن تقدّم على الناقل، أو من الانتقال من الملزوم[20] إلى لازمه[21] ، مع ثبوت الملازمة باجتهاد الناقل و اعتقاده.
و على هذا[22] ينزَّل الإجماعات المتخالفة من العلماء مع اتّحاد العصر أو تقارب العصرين، و عدم المبالاة كثيراً بإجماع الغير و الخروج عنه للدليل[23] ، و كذا دعوى الإجماع مع وجود المخالف؛ فإنّ ما ذكرنا في مبنى الإجماع من أصحّ المحامل[24] لهذه الاُمور المنافية لبناء دعوى الإجماع على تتبّع الفتاوى في خصوص المسألة.
جلسه 83 (ص 211)
و ذكر المحقّق السبزواري في الذخيرة، بعد بيان تعسّر[25] العلم[26] بالاجماع:
أنّ مرادهم بالإجماعات المنقولة في كثيرٍ من المسائل بل في أكثرها، لا يكون محمولاً على معناه الظاهر[27] ، بل إمّا يرجع إلى اجتهادٍ من الناقل مؤدٍّ[28] - بحسب القرائن و الأمارات التي اعتبرها- إلى أنّ المعصوم عليه السّلام موافقٌ في هذا الحكم، أو مرادهم الشهرة، أو اتّفاق أصحاب الكتب المشهورة، أو غير ذلك[29] من المعاني المحتملة.
ثمّ قال بعد كلامٍ له: و الذي ظهر لي من تتبّع كلام المتأخّرين، أنّهم كانوا ينظرون إلى كتب الفتاوى الموجودة عندهم في حال التأليف، فإذا رأوا اتّفاقهم على حكمٍ، قالوا: إنّه إجماعيّ، ثمّ إذا اطّلعوا على تصنيفٍ آخر خالف مُؤلِّفه الحكمَ المذكور، رجعوا عن الدعوى المذكورة، و يرشد إلى هذا كثيرٌ من القرائن[30] التي لا يناسب هذا المقام تفصيلها، انتهى.
و حاصل الكلام من أوّل ما ذكرنا إلى هنا: أنّ الناقل للإجماع إن احتمل في حقّه[31] تتبّع فتاوى من ادّعى اتّفاقهم حتّى الإمام الذي هو داخل في المجمعين[32] ، فلا إشكال في حجّيّته[33] و في إلحاقه[34] بالخبر الواحد؛ إذ[35] لا يشترط في حجّيّته معرفة الإمام عليه السّلام تفصيلاً حين السماع منه.
لكن هذا الفرض ممّا يعلم بعدم وقوعه[36] ، و أنّ المدّعي للإجماع لا يدّعيه[37] على هذا الوجه.
و بعد هذا، فإن احتمل في حقّه[38] تتبّع فتاوى جميع المجمعين، و المفروض أنّ الظاهر من كلامه هو اتّفاق الكلّ المستلزم عادةً لموافقة قول الإمام عليه السّلام، فالظاهر حجّيّة خبره للمنقول إليه، سواء جعلنا المناط في حجّيته[39] تعلّق خبره بنفس الكاشف[40] ، الذي هو من الاُمور المحسوسة المستلزمة ضرورةً لأمرٍ حدسي و هو قول الإمام عليه السّلام، أو جعلنا المناط تعلّق خبره بالمنكشف و هو قول الإمام عليه السّلام؛ لما عرفت: من أنّ الخبر الحدسيّ المستند إلى إحساس ما هو ملزومٌ[41] للمخبر به عادةً، كالخبر الحسّي في وجوب القبول. و قد تقدّم الوجهان في كلام السيّد الكاظمي في شرح الوافية.
لكنّك قد عرفت سابقاً: القطع بانتفاء هذا الاحتمال، خصوصاً [42] إذا أراد الناقل اتّفاق علماءِ جميع الأعصار.
نعم، لو فرضنا قلّة العلماء في عصرٍ بحيث يحاط[43] بهم، أمكن دعوى اتّفاقهم عن حسٍّ، لكن هذا[44] غير مستلزمٍ عادةً لموافقة قول الإمام عليه السّلام. نعم، يكشف[45] عن موافقته[46] بناءً على طريقة الشيخ[47] المتقدّمة التي لم تثبت عندنا و عند الأكثر.
ثمّ إذا علم عدم استناد دعوى اتّفاق العلماء المتشتّتين[48] في الأقطار[49] - الذي يكشف عادةً عن موافقة الإمام عليه السّلام- إلّا إلى الحدس الناشئ عن أحد الاُمور المتقدّمة التي مرجعها إلى حسن الظنّ أو الملازمات الاجتهاديّة، فلا عبرة بنقله؛ لأنّ الإخبار بقول الإمام عليه السّلام حدسيٌّ غير مستندٍ إلى حسٍّ[50] ملزومٍ له[51] عادةً ليكون نظير الإخبار بالعدالة المستندة إلى الآثار الحسيّة، و الإخبار بالاتّفاق[52] أيضاً[53] حدسيّ[54] .
جلسه 84(ص 214)