< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

40/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:-الاشتغال، منجزية العلم الإجمالي.

مناقشة إشكالات السيد الخوئي (قده):

كان الكلام في الإشكالات التي أوردها السيد الخوئي على المحقق صاحب الكفاية بما ذكره من علية العلم الإجمالي التنجيزي حتى في الموافقة القطعية، وملخص ما تقدم:

نقول بأن صاحب الكفاية ذهب إلى أن العلم الإجمالي منجز بالنسبة للموافقة القطعية بنحو العلية التامة واستدل على ذلك بأن العلم الإجمالي بالحكم إذا كان الحكم فعليا من جميع الجهات فالعلم الإجمالي منجز سواء كان في جميع الأطراف أو بعض الأطراف، بمعنى لا تجري الأصول المرخصة لا في كل الأطراف ولا بعضها، ولو كان غير فعلي من جميع الأطراف لجرت الأصول في جميع الأطراف لا في بعضها، والسر في ذلك هو استحالة اجتماع الضدين كاحتمال استحالة اجتماع الضدين على حد سواء.

السيد الخوئي (ره) أورد على هذا التقريب بأن الحكم إما أن يكون موضوعه فعليا من جميع الجهات فيكون الحكم فعليا وإذا كان فعليا لا يمكن أن يأتي الترخيص، فعليه: إن أُخذ العلم التفصيلي في موضوع الحكم فهنا خلف الفرض يعني لا يتنجز العلم ولكنه خلف الفرض لأنك تقول علم إجمالي بالحكم، وإذا أُخذ في موضوع الحكم العلم التفصيلي به هنا لم يوجد حكم لأني لم أعلم تفصيلا فكيف تقول أعلم إجمالا بالحكم، يكون خلف الفرض، مضافا إلى خلافه لقاعدة الاشتراك بين العالم والجاهل في الحكم، وإن قلت بأنه لم يؤخذ العلم التفصيلي في موضوع الحكم فنقول يستلزم إذاً تخلف الحكم عن موضوعه وهو من قبيل تخلف المعلول عن العلة، إذا لم يؤخذ العلم التفصيلي في موضوع الحكم يعني وُجد الموضوع بجميع جهاته فصار الحكم فعليا وإذا صار فعليا كيف تقول أنه ليس فعليا من جميع الجهات يكون تخلف الحكم عن موضوعه والنسبة بين الموضوع والحكم أن الموضوع نسبته نسبة العلة إلى المعلول، إذا وُجد الموضوع لا بد أن يوجد الحكم، هذا ما أفاده في الإشكال على التقريب الأول.

هنا لنا وقفة مع السيد الخوئي (ره):

بأن السيد الخوئي لم يجب عن إشكال المحقق صاحب الكفاية بل ذهب إلى نقطة أخرى، صاحب الكفاية بيَّن شيئين، الشيء الأول أن الحكم تارة يكون فعليا من جميع الجهات وتارة لا يكون فعليا من جميع الجهات سواء في العلم الإجمالي أو التفصيلي، والآن كلامنا في العلم الإجمالي، إذا كان الحكم فعليا من جميع الجهات قال هنا لا يأتي الترخيص وإذا لم يكن فعليا من جميع الجهات يأتي الترخيص، والجهة الثانية التي بينها، يقول لا يأتي الترخيص لأنه هنا مستحيل باعتبار أن احتمال اجتماع الضدين محال كاجتماع الضدين نفسهما لا يمكن أن يصدر من الشارع أمر يتعلق باجتماع الضدين أيضا لا نحتمل صدور ذلك كما أنه لا يجتمع الضدان يستحيل أيضا احتمال اجتماعهما، السيد الخوئي (ره) ركَّز على الجهة الأولى وقال بأن فعلية الحكم بفعلية موضوعه الموضوع إذا كان فعليا لا بد أن يكون الحكم فعليا ولا يمكن التخلف لأنها كنسبة العلة إلى المعلول، وإذا أُخذ لم يكن فعليا يعني أُخذ العلم التفصيلي في موضوع الحكم، إذا أُخذ يعني إذا علمت به تفصيلا يوجد الحكم، هنا يكون خلف الفرض لأنه هنا لم يوجد علم تفصيلي فالمفروض لا يوجد حكم فكيف تقول أعلم إجمالا بالحكم، ركَّز على هذه النقطة، بينما النقطة الأساسية في كلام صاحب الكفاية هي النقطة الثانية، استحالة احتمال اجتماع الضدين هذه لم يتعرض لها في الجواب مع أنه في بيان التقريب نفس السيد الخوئي بنى كلام صاحب الكفاية على هذه النقطة ولا بأس بذكر عبارة السيد الخوئي في نقله، هنا لما قال ما أفاده صاحب الكفاية قال: ( وملخصه بعد دعوى الملازمة بين جعل الحكم الظاهري في بعض الأطراف وجعله في جميع الأطراف إمكانا وامتناعا أنه لا فرق بين العلم الإجمالي والتفصيلي في انكشاف الواقع به إنما الفرق بينهما من ناحية المعلوم لا من ناحية العلم والانكشاف فإن الحكم المعلوم بالإجمال فعليا من جميع الجهات امتنع جعل الحكم الظاهري على خلافه في تمام الأطراف أو في بعضها ما دام الحكم فعلي من جميع الجهات يمتنع الترخيص لا في جميع الأطراف ولا في بعض الأطراف يعني كما تحرم المخالفة القطعية تجب الموافقة القطعية ثم قال ضرورة استحالة الترخيص ولو احتمالا في مخالفة التكليف الفعلي المنجز) ثم أتى بالطرف الآخر ( وإن لم يكن الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال فعليا من تمام الجهات فلا مانع من جعل الحكم الظاهري على خلافه في بعض الأطراف أو جميعها حتى في المخالفة القطعية فتلخص أنه فيما أمكن جعل الحكم الظاهري في بعض الأطراف لعدم فعلية الحكم الواقعي من جميع الجهات أمكن جعل الحكم الظاهري في جميع الأطراف ومهما امتنع جعل الحكم الظاهري في تمام الأطراف لفعلية التكليف الواقعي امتنع جعله في بعض الأطراف أيضا فإنه كما لا يعقل القطع بثبوت المتضادين كذلك لا يعقل احتمال ثبوتهما أيضا) [1] فإذاً صاحب الكفاية عنده نقطتان مهمتان النقطة الأولى إذا كان الحكم فعليا من جميع الجهات لا يجوز الترخيص، النقطة الثانية أنه لا يجوز الترخيص لأنه لا يعقل القطع بثبوت المتضادين كما لا يعقل احتمال ثبوتهما، هنا لو رُخص في بعض الأفراد يعني يحتمل ثبوت المتضادين وهو كثبوت المتضادين وهو محال، السيد الخوئي في إشكاله ركَّز على النقطة الأولى فقط.

نحن نقول للسيد الخوئي جهة الإشكال هي النقطة الثانية، الآن صاحب الكفاية يلتزم بأن العلم التفصيلي لم يؤخذ في موضوع الحكم، الموضوع فعلي وإذا كان فعليا لم يقل صاحب الكفاية أن الحكم ليس فعليا حتى تقول أنه تخلف الحكم عن موضوعه، فالحكم عنده فعلي فمخالفة الحكم في الترخيص في جميع الأطراف يلزم المخالفة القطعية مسلم لا تقول به كما لا يقول به، المخالفة في بعض الأطراف معناها احتمال اجتماع الضدين، أنت هناك تقول لا يجوز الترخيص في جميع الأطراف لاستحالة اجتماع الضدين والترخيص في بعض الأطراف يلزم منه احتمال اجتماع الضدين وهو محال، هذه النقطة الأساسية في كلام صاحب الكفاية أغفلها السيد الخوئي فلا يرد عليه الإشكال.

التقريب الثاني الذي نقله عن صاحب الكفاية هو تقريب للمحقق العراقي كما في المصباح، حاصله: يقول بأن العلم الإجمالي عندما تعلق بالحكم الإلزامي هنا صار الحكم الإلزامي منجز لأنه تعلق به الحكم بما هو حكم إلزامي تعلق به العلم هنا صار منجزا، الآن الشك في الانطباق، المعلوم بالإجمال ينطبق على هذا أو على ذاك، هنا الشك في الانطباق يقول المحقق العراقي احتمال التكليف المنجز، أولا عندنا تكليف منجز وهو تعلق العلم بالحكم الإلزامي ثم يحتمل انطباق هذا المعلوم على هذا الفرد فيصير عندي احتمال التكليف المنجز، فبما أنه التكليف منجز فاحتماله لا بد من تنجيزه ولا يجوز الترخيص فيه ويستحق العقوبة عليه.

هنا السيد الخوئي أورد عليه بإشكالين في الواقع، نقضي وحلّي، والإشكال النقضي أورده بموردين، المورد الأول: أن الشارع رخّص في موارد في مقام الامتثال رخصّ بالامتثال الاحتمالي مع وجود العلم التفصيلي، فمن باب أولى مع وجود العلم الإجمالي مثّل لذلك بقاعدتي التجاوز والفراغ، أنا أعلم تفصيلا وجوب صلاة الظهر عليّ الآن شككت في الركوع بعد الدخول في السجود أو بعد الفراغ من الصلاة الشارع يقول: ما أتيت به كافي، هذه الصلاة التي أتيت بها ويحتمل أنها ناقصة كافي، هنا امتثال احتمالي ليس قطعي هنا يعني رخّص الشارع في الامتثال الاحتمالي، فإذا رخص في العلم التفصيلي فمن باب أولى في العلم الإجمالي فيرخص في بعض أطرافه ويكتفي بالامتثال الاحتمالي، المورد الثاني من النقض: في باب الاشتغال مثلاً إذا فرضنا وقعت نجاسة في أحد الإناءين وكان أحدهما المعين مسبوقا بالنجاسة مستصحب النجاسة، هنا نجري أصالة الطهارة في الإناء الثاني بلا معارض، الإناءان كان أحدهما نجسا أو مستصحب النجاسة الآن وقعت قطرة الدم في أحد الإناءين هنا عندنا بالنسبة على الإناء الذي كان مستصحب النجاسة لا تجري فيه أصالة الطهارة، بالنسبة إلى الإناء غير المسبوق بالنجاسة تجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض ففي مثل هذا المورد قال الأصوليون بجريان أصالة الطهارة مع وجود علم إجمالي بوقوع النجاسة في أحدهما، هذا النقضان استكشف منهما الجواب الحلي، أو كتأكيد للجواب الحلي.

الجواب الحلي:

يقول: إن العلم الإجمالي تعلق بالجامع والشك تعلق بالأطراف، هذا الطرف بما هو طرف أنا أشك فيه، أجري فيه الأصل المرخص، بالنسبة إلى الطرف الثاني بما هو طرف مشكوك فيه فأجري فيه الأصل المرخص، فهنا ما تعلق به العلم وهو الحكم الإلزامي وهو الجامع غير ما تعلق به الشك فالعلم ينجز بمقدار الجامع وأما بالنسبة إلى الأطراف فكل طرف طرف مشكوك فيه وبما أنه مشكوك فيه يمكن جريان الأصل، طبعا جريان الأصل في الإثنين ممتنع لامتناع المخالفة القطعية ولكن يمكن جريانه في أحدهما.

هنا أيضا يمكن أن نناقش السيد الخوئي (ره) بالنسبة إلى النقضين، هذان خارجان عن محل البحث كما نبَّه على ذلك المحقق العراقي في بعض كلماته كما سنذكر، النقض الأول وهو جريان قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز خارج عن محل البحث باعتبار أن الشارع في المقام أخذ بالبدلية يعني في مقام الامتثال الشارع أولا وبالذات يريد مطلوبه الأصلي وهو الصلاة التامة، في مثل هذا المورد إذا شككت بعد الفراغ أو التجاوز الشارع قال أكتفي بهذا المقدار في مقام الامتثال، إذا قلنا هذا بدل، يعني ما أتى به المكلف اعتبر بدلا عن الواقع أن هو وافق الواقع فبها ،عن حالف الواقع اعتبر بدلا، وإن قلنا أنه بدل هذا يختلف عن أن نقول بأن العلم الإجمالي غير منجز، حتى تنقض بأن العلم التفصيلي غير منجز، فإن العلم التفصيلي لا شك في تنجزه في الموافقة والمخالفة القطعية، إذاً الشارع ارتضى بهذا باعتبار أنه جعل هذا بدلا ، كما يستبدل الوضوء بالتيمم أو غير ذلك فيقول أنا اكتفي بهذا النقص بما أنه حصل عندك شك بعد الفراغ أو التجاوز، إذا اعتبره بدلا خرج عن مورد البحث، وبالنسبة إلى مورد المثال الثاني الطهارة هنا نقول من باب الانحلال وهذا بحث سيأتي إن شاء الله ، في انحلال العلم الإجمالي تارة بعلم تفصيلي تارة بأمارة تارة بأصل وهو من الأبحاث المهمة، هنا نطبق ما يُذكر هناك، يعني نقول: بما أن أحد الإناءين كان مستصحب النجاسة أو كان نجسا من السابق فهنا صار عندي علم تفصيلي بنجاسة هذا الإناء وشك بدوي بنجاسة الإناء الثاني، فالعلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ينحل هنا، فلهذا جرت الطهارة في الإناء الثاني لأجل انحلال العلم الإجمالي لا لأجل أن العلم الإجمالي لم يكن منجزا، وهذا كما أشار إليه المحقق العراقي ولا بأس بنقل كلامه، يقول: ( فالظاهر أن المنشأ لتوهم التفصيل المزبور في العلم الإجمالي بين حرمة المخالفة ووجوب الموافقة إنما هو من جهة الخلط بين المقام وبين مقام الانحلال ومرحلة جعل البدل بتخيل أن جواز الرجوع إلى الأصل النافي في موارد الانحلال عند قيام منجز عقلي أو شرعي على ثبوت التكليف في بعض الأطراف هذا نجس بلا عنوان وكذا موارد قيام الطريق على تعيين المعلوم بالإجمال وتطبيقه على طرف أو قيامه على نفي التكليف في طرف خاص كموارد جعل البدل إنما هو جهة الاكتفاء فيها بالموافقة الاحتمالية فجعل ذلك شاهدا على اقتضاء العلم الإجمالي بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية وجواز الإذن في ترك تحصيل القطع بالموافقة بالترخيص في البعض ولو بلا جعل بدل بدعوى أن العلم الإجمالي كان علة تامة بوجوب الموافقة القطعية فلا يجوز الترخيص حتى مع جعل البدل فإن كان مقتضيا فيجوز ولو بلا جعل بدل ولكنه فاسد جدا لوضوح الفرق بين مقامنا وذيل المقامين وذلك إما مقام الانحلال فواضح....)[2] على حسب ما بينا، فإذاً كلا نقضين السيد الخوئي يرتفعان بهذا البيان.

يبقى عندنا نقطة: وهي بالنسبة إلى ما أورده في التقريب في الحلي، قال بأن عندنا علم إجمالي تعلق بالجامع عندنا شك في هذا الطرف وشك في هذا الطرف بالنسبة للأطراف شك فيمكن جريان الأصل فيها والعلم فقط تعلق بالجامع يتنجز في خصوص الجامع ولا يتعدى إلى الطرفين، هنا نقول: على مبنى السيد الخوئي هذا الكلام تام لأنه يرى بأن العلم الإجمالي يتعلق بالجامع فلا شأن له بالأطراف فكل طرف خو مشكوك فيه فلهذا نقول بالنسبة للطرف يمكن جريان الأصل، ولكن على مبنى صاحب الكفاية والمحقق العراقي يقولان أن العلم الإجمالي لا يتعلق بالجامع صاحب الكفاية قال يتعلق بالفرد ولكن سماه الفرد المردد، المحقق العراقي أيضا يقول تعلق العلم بنفس هذا الخارج ولا فرق بينه وبين العلم التفصيلي إلا بالكشف الاختلاف في العلم فتعلق بالخارج، إذا على مبنيهما ما تعلق به العلم الإجمالي هو الخارج هذا الخارج منجز، إذا كان منجز احتمال انطباقه على هذا احتمال التكليف المنجز واحتمال انطباقه على الآخر احتمال للتكلف المنجز فيكون منجزا، فلا يرد الإشكال على مبنيهما وإن كان يندفع كلامهما على مبنى السيد الخوئي (قده).


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo