« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه

47/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

 وجوب متابعة الامامفصل في أحكام الجماعة/ فصل في أحكام الجماعة/صلاة الجماعة

 

الموضوع: صلاة الجماعة/ فصل في أحكام الجماعة/ وجوب متابعة الامام

فصل في أحكام الجماعة

 


(مسألة 31): يجوز اقتداء أحد المجتهدين أو المقلدين أو المختلفين بالآخر مع اختلافهما في المسائل الظنية المتعلقة بالصلاة، إذا لم يستعملا محل الخلاف واتحدا في العمل (1)، مثلا إذا كان رأي أحدهما اجتهادا أو تقليدا وجوب السورة، ورأي الآخر عدم وجوبها يجوز اقتداء الأول بالثاني إذا قرأها، وإن لم يوجبها وكذا إذا كان أحدهما يرى وجوب تكبير الركوع أو جلسة الاستراحة أو ثلاث مرات في التسبيحات في الركعتين الأخيرتين يجوز له الاقتداء بالآخر الذي لا يرى وجوبها، لكن يأتي بها بعنوان الندب بل وكذا يجوز مع المخالفة في العمل أيضا (2) في ما عدا ما يتعلق بالقراءة في الركعتين الأوليين التي يتحملها الإمام عن المأموم، فيعمل كل على وفق رأيه، نعم لا يجوز اقتداء من يعلم وجوب شئ بمن لا يعتقد وجوبه مع فرض كونه تاركا له (3)، لأن المأموم حينئذ عالم ببطلان صلاة الإمام، فلا يجوز له الاقتداء به، بخلاف المسائل الظنية حيث إن معتقد كل منهما حكم شرعي ظاهري في حقه، فليس لواحد منهما الحكم ببطلان صلاة الآخر، بل كلاهما في عرض واحد في كونه حكما شرعيا، وأما فيما يتعلق بالقراءة في مورد تحمل الإمام عن المأموم وضمانه له فمشكل لأن الضامن حينئذ لم يخرج عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون عنه، مثلا إذا كان معتقد الإمام عدم وجوب السورة والمفروض أنه تركها فيشكل جواز اقتداء من يعتقد وجوبها به، وكذا إذا كان قراءة الإمام صحيحة عنده وباطلة بحسب معتقد المأموم من جهة ترك إدغام لازم أو مد لازم أو نحو ذلك، نعم يمكن أن يقال بالصحة إذا تداركها المأموم بنفسه، كأن قرأ السورة في الفرض الأول، أو قرأ موضع غلط الإمام صحيحا، بل يحتمل أن يقال: إن القراءة في عهدة الإمام، ويكفي خروجه عنها باعتقاده لكنه مشكل فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء.[1]

3- كان الكلام في ما اذا كان الاختلاف بين الامام والماموم بالقراءة

وقال السيد الماتن (قده) بأنّ الاقتداء مشكل وبينّا وجه الاشكال وأنّه يبتني على دعوى وجوب القراءة على المأموم كالمنفرد غاية الأمر أنّه يكتفي بقراءة الإمام في مقام الامتثال، وعبّر عنه بأنّه يجب عليه القراءة إمّا بنفسه أو بتوسط الامام فيما لو صلّى جماعة، ولا يمكنه إيكال القراءة الى الامام مع علمه بأنّه لا يقرأ، فلا تصحّ صلاة المأموم فكيف تصحّ جماعة

وفي المقابل هناك من ذهب الى أنّ القراءة واجبة على الامام والمنفرد فقط، فالصورة الثانية كالصورة الأولى فالمأموم فيهما عمل بوظيفته ففي الحالة الثانية وإن ترك الامام السورة لكنّ المأموم عمل بوظيفته إذ المفروض أنّ السورة ليست واجبة عليه فصلاته كاملة ولا نقص فيها في الصورتين، ويبقى الإشكال في الحالتين وأنّه كيف يصلّي بصلاة إمام يعتقد بطلانها، فاذا أجبنا الاشكال في الصورة الأولى نجيب عليه في الصورة الثانية بنفس الجواب

فالمهم التحقيق في مسألة أنّ وجوب القراءة هل هو مختصّ بالامام والمنفرد دون المأموم؟

والعناوين المذكورة في الروايات ثلاثة فبعضها يتحدث بعنوان الضمان وأنّ الإمام ضامن لقراءة المأموم، وعبّرت رواية واحدة بالاجتزاء وأنّ المأموم يجتزي بقراءة الإمام، ورواية عبّرت بالإيكال وأنّ المأموم يكل أمر القراءة الى الامام

أمّا روايات الضمان

فأوضحها موثقة سماعة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإِمام ؟ فقال : ((لا ، إنّ الإِمام ضامن للقراءة ، وليس يضمن الإِمام صلاة الذين خلفه ، إنّما يضمن القراءة)) [2]

ومعنى الضمان اشتغال ذمّة الضامن بما ضمنه، ففي محلّ الكلام تشتغل ذمّة الامام بقراءة المأموم

بمعنى انتقال القراءة من ذمّة المأموم الى ذمّة الإمام فتكون قراءة المأموم في عهدة الإمام وهو يعني تفريغ ذمّة المأموم من القراءة وهو معنى السقوط

فالشارع بمقتضى هذه الروايات جعل قراءة المأموم في عهدة الإمام، والا فلو كانت باقية في عهدة المأموم وانما هو يكتفي بقراءة الامام في مقام الامتثال فهذا لا يعدّ ضماناً، ونتيجة الضمان سقوط القراءة عن المأموم

هذا اذا لم نقل بما قاله المحقق الاصفهاني (قده) من فهم سقوط القراءة عن المأموم من لفظ الضمان رأساً

ويمكن أن يستفاد من كلامه عدم القبول بتفسير الضمان باشتغال الذمة لأنّ لازمه أن تكون ذمّة الإمام مشغولة بقراءات متعددة بعدد المأمومين

وعليه تسقط القراءة عن المأموم وتكون صلاته في المقام صحيحة وكاملة وإن ترك القراءة كل من الامام والمأموم لأنّ القراءة ليست واجبة عليه

وامّا ما عبر بالاجتزاء فهو موثقة سماعة ـ في حديث ـ قال : سألته عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول ؟ فقال : ((إذا سمع صوته فهو يجزيه ، وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه)) [3]

والظاهر أنّه يستفاد منها عكس ما استفدناه من الضمان فإنّ قوله يجزيه فيه دلالة على وجوب القراءة عليه غاية الأمر أنّه يكتفي بقراءة الإمام فاذا قرأ الامام اكتفى المأموم بذلك ولا تجب عليه القراءة وأمّا لو لم يقرأ الامام فلا معنى للاكتفاء ويجب عليه الاتيان بالقراءة حينئذ، فيكون سقوطها عن المأموم باعتبار أنّ الشارع اكتفى بقراءة الامام عن قراءته فيكون سقوطها عن المأموم مشروطاً بقراءة الإمام

وعليه يتمّ الدليل المتقدم على عدم جواز الاقتداء، ويتمّ ما قاله السيد الماتن (قده)

وأمّا ما عبر بالايكال فهو صحيحة سليمان بن خالد سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : أيقرأ الرجل في الأُولى والعصر خلف الإِمام وهو لا يعلم أنّه يقرأ ؟ فقال : ((لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله إلى الإِمام))[4]

ومعنى الإيكال جعل الشيء في عهدة شخص آخر فيكون الغير مسؤلاً عنه، والايكال من قبل المأموم للامام وان كان تصرفاً بالعبادة وهي توقيفية الا أنّه بإذن من الشارع فلا بد أن يكون هذا ناظراً الى وجود دليل يأذن فيه الشارع بايكال أمر القراءة الى الامام والظاهر ان الاقرب الى هذا المعنى ما يستفاد من روايات الضمان فإنّ الشارع جعل الامام ضامناً فيها لقراءة المأموم وهنا عبّر أنّ المأموم يكل القراءة الى الامام

وعليه ففي روايات الضمان دلالة على ما يدعيه أصحاب القول الثاني

بينما في روايات الاجتزاء دلالة على ما يدعيه أصحاب القول الأول

وأمّا روايات الإيكال فمرجعها الى التضمين

وقد يقال بأنّ (الإيكال والتضمين خاصّ بما إذا خرج الإمام عن عهدة الضمان حسب اعتقاد المضمون عنه، كي يتحقّق البدل الصحيح الذي كلّف به المأموم عوضاً عن القراءة التي أُمر بها، إذ لو كانت فاسدة عنده فوجودها كالعدم، وكأنّه صلّى خلف من لا يقرأ، فلم تتحقّق القراءة لا بنفسها ولا ببدلها ومعه كيف يسوغ له الائتمام)[5] ، فيصح كلام صاحب العروة

ويلاحظ عليه أولاً إنّه مبني على الرأي الأول وأنّ القراءة واجبة على كلّ من المنفرد والمأموم ، ولا يأتي هذا الكلام لو قلنا بما قاله المحقق الاصفهاني (قده) من أنّ وجوب القراءة مختصّ بالمنفرد والامام دون المأموم

وثانياً: إنّ التضمين والإيكال لا يراد به تضمين المأموم للامام بل المراد به التضمين الشرعي أي أنّ الشارع جعل الامام ضامناً لقراءة المأموم أيّ أنّه جعلها في عهدته وهذا يعني خروج القراءة عن عهدة المأموم وخلو ذمته منها، ومن الواضح أنّ

هذا التضمين الشرعي لا يختصّ بما إذا خرج الامام عن عهدة الضمان كما هو الحال في ضمان الأموال فهي تبقى في ذمة الضامن أدّاها الآخر أو لم يؤدي، فالقراءة تبقى في عهدة الامام أدّاها المأموم أو لم يؤدها فقد انتقلت من عهدة المأموم الى عهدة الامام

ومنه يظهر أنّ الأمر يدور بين الأخذ بروايات الضمان المستلزم للسقوط المناسب لاختصاص وجوب القراءة بالمنفرد

وبين الأخذ بروايات الاجتزاء الملازم لعدم سقوط القراءة عن المأموم وانها واجبة عليه وان كان يمكنه الاكتفاء بقراءة الامام واذا لم يأت بها الامام لا تسقط عنه

وقد يقال بأنّ ما ورد فيه التعبير بالإجتزاء أظهر في عدم السقوط ووجوب القراءة على المأموم من ظهور الرواية التي ورد فيها الضمان في سقوطها عن المأموم؛ لان معنى الاجتزاء وجوبها عليه ولكن بامكانه الاكتفاء بقراءة الامام، بينما معنى الضمان اشتغال الذمة بما ضمنه الضامن، وادعاء أنّ الإمام تشتغل ذمته بقراءة المأموم ليس واضحاً وهو بحاجة الى تفسير


logo