< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، من مسألة ١٨ إلى ٢٤ المتعلقة بمسجد الإعتكاف

 

كان الكلام في المسألة الثامنة عشر وذكرنا بعض الأدلة التي يستدل بها على اعتبار وحدة المسجد في الإعتكاف وناقشنا في بعضها، وكانت السيرة أحد هذه الأدلة، والمراد منها الإرتكاز لدى المتشرعة لا السيرة الخارجية، وعلى أساس هذا الإرتكاز جرت سيرة المتشرعة خارجاً، اذ لا نجد متشرعاً يعتكف في مسجدين.

 

ثم قال السيد الماتن (قده): سواء كانا متصلين أو منفصلين،

وهو واضح بعد الفراغ عن اعتبار وحدة المسجد وعن أنهما مسجدان، وهذا لا يفرق فيه بين الإتصال والانفصال، اذ الإتصال لا يعني أنهما صارا مسجداً واحداً.

هذا وقد حكي عن بعضهم من جواز التشريك في المسجدين المتصلين، والظاهر انه لا يمكن تتميمه بناء على اعتبار وحدة المسجد، وبناء على ما هو المفروض في المسألة من انهما مسجدان.

 

ثم أضاف (قده): نعم لو كانا متصلين على وجه يعد مسجداً واحداً فلا مانع.

وهو واضح كما نبهنا عليه آنفاً.

 

(مسألة ١٩): لو اعتكف في مسجد ثم اتفق مانع من إتمامه فيه من خوف أو هدم أو نحو ذلك بطل،

البطلان في مفروض المسألة واضح، لان المفروض ان المانع منع من اتمام الإعتكاف في المسجد ولا يمكن الالتزام بصحة الإعتكاف، لأن صحته تكون إما بأن يتمم اعتكافه في مسجد آخر او بأن يتممه في نفس المسجد بعد زوال المانع، وكل منهما لا يمكن الإلتزام به، أما الأول فهو خلاف ما دل على اعتبار وحدة المسجد، وأما الثاني فهو على خلاف ما دل على اعتبار استدامة اللبث في المسجد.

 

ثم قال (قده): ووجب استئنافه أو قضاؤه إن كان واجباً في مسجد آخر أو ذلك المسجد إذا ارتفع عنه المانع، وليس له البناء سواء كان في مسجد آخر أو في ذلك المسجد بعد رفع المانع.

قوله (وجب استئنافه): اشارة الى ما اذا كان واجباً غير معين كما لو نذر الاعتكاف كذلك، فإنه اذا بطل الإعتكاف لمانع يجب عليه ان يستأنفه وفاء للنذر.

قوله (أو قضاؤه): اشارة الى ما اذا كان واجباً معيناً كما لو نذر ان يعتكف في زمان معين، وقد تقدم انه لدى فوت الإعتكاف في ذلك الزمان المعين يجب القضاء.

قوله (وليس له البناء …): إشارة الى انه لا يجوز له ان يتم اعتكافه من حيث اتفق عروض المانع وانقطع الإعتكاف، كما لو نذر ان يعتكف عشرة ايام واتفق عروض ما يمنع من الإعتكاف في اليوم الخامس، فانه لا يجوز له ان يكمل اعتكافه بأن يعتكف خمسة أيام، بل يجب عليه أن يستأنف اعتكافاً جديداً إما بعنوان الاستئناف أو بعنوان القضاء؛ فليس له أن يبني على ما تقدم من الإعتكاف، بإعتبار ماتقدم بيانه سابقاً من إعتبار إستدامة اللبث في المسجد طيلة مدة الإعتكاف، وهذا لا يتحقق إذا خرج منه.

نعم يوجد كلام في الخروج من المسجد لمدة قصيرة بحيث لا تؤثر على الوحدة العرفية للإعتكاف، كأن يكون المانع من البقاء في المسجد هو الخوف لكن سرعان ما زال هذا المانع، فالبعض ذهب إلى عدم وجود مانع من البناء على ما تقدم إذا كانت المدة قصيرة، لكن هذا غير واضح عندنا، لأنّ مقتضى الأدلة أن الخروج من المسجد يقتضي بطلان الإعتكاف، فنحن قلنا سابقاً بدلالة الأدلة على الحكم الوضعي من بطلان الإعتكاف بالخروج، ومقتضى إطلاقها البطلان مطلقاً طالت المدة أو لم تطل.

 

(مسألة ٢٠): سطح المسجد وسردابه ومحرابه منه ما لم يعلم خروجها، وكذا مضافاته إذا جعلت جزء منه كما لو وسع فيه.

والميزان في هذه المسألة هو صدق المسجد على هذه الأمور، نعم إذا شككنا في صدق المسجد على واحد من هذه الأمور فإنّ الأصل يقتضي عدم المسجدية فنستصحب عدم كون هذا المشكوك من المسجد.

 

(مسألة ٢١): إذا عين موضعاً خاصاً من المسجد محلاً لاعتكافه لم يتعين وكان قصده لغواً.

ولا يكون لقصده أثر، وليس المقصود من هذه المسألة ما إذا عينه بنذرٍ ونحوه وكان متعلقه راجحاً ومنعقداً كما لوكان ذلك الموضع فيه خصوصية تستوجب رجحان الكون فيه من قبيل مقام إبراهيم (عليه السلام) في المسجد الحرام فيتعين عليه ذلك ويجب بلا إشكال، لكن ليس هذا فرض المسألة، وإنما الفرض أن ينوي الإعتكاف في موضع معين من المسجد من دون أن يكون ثابتاً بنذر أو نحوه، فهل يتعين عليه ذلك أو لا؟ والصحيح أنه لا يتعين عليه ذلك، لعدم وجود دليل على ذلك، فإذا إعتكف في موضع آخر فقد خالف نيته وهذا ليس فيه محذور. وأما في صورة النذر والعهد لو لم يعتكف فيه يكون حنثاً وتترتب عليه آثار الحنث من قبيل الكفارة، لكن لا موجب للإلتزام ببطلان إعتكافه، وبعبارة أخرى أن ما جاء به واجد لجميع الشروط المعتبرة في الإعتكاف، فالظاهر أنه يصح منه الإعتكاف.

 

(مسألة ٢٢): قبر مسلم وهاني ليس جزءً من مسجد الكوفة على الظاهر.

الظاهر أنه يوجد بناء من المتشرعة على عدم الدفن في المساجد، على أنه من البعيد أنهما دفنا في المسجد، لأن هذا نوع من التكريم لهما والحال أن السلطة الحاكمة في وقتها كانت لا تسمح بذلك، وعلى كل حال على تقدير أنهما دفنا في هذا المكان فهو ليس من المسجد.

 

(مسألة ٢٣): إذا شك في موضع من المسجد أنه جزء منه أو من مرافقه لم يجر عليه حكم المسجد.

فيجري إستصحاب عدم كونه من المسجد، والإعتكاف لابد فيه من إحراز أن الموضع الذي يعتكف فيه من المسجد.

 

(مسألة ٢٤): لابد من ثبوت كونه مسجداً وجامعاً بالعلم الوجداني أو الشياع المفيد للعلم أو البينة الشرعية، وفي كفاية خبر العدل الواحد إشكال،

لا إشكال في ثبوت ذلك بالعلم الوجداني، أو بالشياع المفيد للعلم، أو بالبينة التي لا إشكال في كونها حجة في باب الموضوعات. نعم، هناك إشكال عام في حجية خبر العادل الواحد في الموضوعات بعد الفراغ عن حجيته في باب الأحكام، وإن كنا إستقربنا حجية خبر الواحد الثقة في باب الموضوعات كالأحكام.

 

ثم قال (قده): والظاهر كفاية حكم الحاكم الشرعي.

حكم الحاكم الشرعي تارة يكون بعد المخاصمة ورفعها إليه كما لو حصل نزاع بين الورثة في وقفية بعض التركة بعنوان المسجدية فرفع النزاع إلى الحاكم الشرعي، وأخرى يكون لأجل المصالح التي يراها من دون أن تكون هناك مخاصمة.

لا إشكال في ترتب آثار المسجدية على حكم الحاكم بمسجدية ما شك فيه إذا كان حكمه من النحو الأول، لأن حكم الحاكم نافذ وحجة في باب القضاء، أما حكمه على النحو الثاني ففيه كلام، إذ هناك إشكال في حجية حكم الحاكم في الموضوعات في غير المخاصمات والتداعي كما لو حكم (لا أنه ثبت عنده) بأن غداً عيد، وهذا البحث يدخل في مسألة ولاية الفقيه.

يظهر من السيد الماتن (قده) أنه يرى نفوذ وحجية حكمه، حيث لم يخصصه بباب الخصومات، ومن الغريب أن السيد الخميني (قده) في تعليقته على العروة إستشكل في ذلك وخص حجيته في باب الترافع بين المتخاصمين مع أنه يقول بولاية الفقيه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo