< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ٩ إلى ١١ المرتبطة بنذر الإعتكاف

كان الكلام في المسألة التاسعة وهي ما اذا نذر ان يعتكف يوم قدوم زيد، وفصل السيد الماتن (قده) في الحكم، فحكم بالبطلان في صورة الجهل قبل الفجر بقدومه بعده، وبالصحة في صورة العلم قبل الفجر بقدومه بعده فيعتكف في يوم قدومه اعتكافا شرعيا كاملا من حين الفجر ويلحق به يومين اخرين، فيكون ذلك وفاء بنذره.

وقد تقدم ان الحكم بالصحة او البطلان في صورة الجهل مبني على مشروعية الزيادة في الاعتكاف وعدمه، وعلى مشروعية الزيادة ببعض اليوم وعدمه، وعلى مشروعية الزيادة قبل الايام الثلاثة المعتبرة في الاعتكاف وعدمه.

فاذا التزمنا بمشروعية الزيادة على الاطلاق سواء كانت بيوم كامل او بجزء اليوم من دون فرق بين ان تكون سابقة على الايام الثلاثة او لاحقة لها بحيث لا يكون هناك مانع من ان يعتكف الانسان ثلاثة ايام و نصف ليلة او ليلة كاملة او ان يعتكف اربعة أيام، فحينئذ في صورة الجهل ينبغي ان يحكم بالصحة كما حكم السيد الخوئي (قده) بذلك، لانه بحسب الفرض الناذر علم بقدوم زيد في اثناء النهار فيعتكف من وسط النهار ويلحق به ثلاثة ايام فيكون اعتكافه ثلاثة ايام ونصف يوم، غاية الأمر انه لا يعتبر الصيام في النصف الذي اعتكفه اولاً لعدم الدليل على اعتبار الصيام في غير اليوم الكامل، لان الصيام يعتبر في الاعتكاف في الأيام الكاملة، وبذلك يكون الناذر قد وفى بنذره.

واذا لم نلتزم بمشروعية الزيادة على الاطلاق يكون الحكم بالبطلان هو الأقرب كما صنع في المتن، لانه بحسب الفرض الناذر علم بالقدوم في وسط النهار، ولا مجوز بأن يبدأ اعتكافه من منتصف النهار، فهو غير قادر على الإعتكاف في يوم قدوم زيد فلا يصح منه الإعتكاف، فلا يجب عليه شيء حينئذ.

وتحرير هذه المسألة بالصورة المتقدمة مستفاد صريحاً من كلام السيد الخوئي (قده) في المقام، حيث علل البطلان في صورة عدم العلم بعدم امكان الإعتكاف في ذلك اليوم، لان منتصف النهار لا يكون مبدأ لاحتساب الإعتكاف، ثم اشكل عليه بأنه لا مشكلة في ان يبدأ اعتكافه من منتصف النهار بناء منه على مشروعية الزيادة مطلقا، قال: ‌"وأمّا لو أراد الاعتكاف من ساعة قدومه صحّ مع الجهل أيضاً، فيتلبّس بالاعتكاف ساعة القدوم وإن كان أثناء النهار، و يضيف عليها ثلاثة أيّام بحيث يكون أوّل أيّام اعتكافه الثلاثة هو الغد وهذا النصف المتقدّم زيادة على الثلاثة، إذ لا مانع من الزيادة عليها ولو ببعض اليوم، سواء أكانت الزيادة سابقة على الثلاثة أم لاحقة، بمقتضى إطلاق الأدلّة، ‌و لا يعتبر الصوم فيما لو كان الزائد بعض اليوم، بعدم الدليل عليه حينئذٍ كما لا يخفى."[1]

و نحن حيث استشكلنا في مشروعية الزيادة فيكون الأقرب عندنا هو ما ذكر في المتن.

وقد اتضح مما تقدم ان مفروض المسألة هو قدوم زيد في منتصف النهار وان الناذر نذر ان يعتكف يوم قدوم زيد، وهذا له صورتان مرة يعلم بقدومه في منتصف النهار قبل الفجر و مرة يجهل ذلك قبل الفجر بل يعلم به بعد الفجر.

من ذلك يتضح تمامية الفرع الثاني في المسألة وهو ما إذا نذر أن يعتكف ثاني يوم قدوم زيد.

مسألة ١٠: (لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام من دون الليلتين المتوسطتين لم ينعقد)

قد تقدم سابقاً أن إعتكاف ثلاثة أيام يشمل الليلتين المتوسطتين فتدخلان فيه، وهذا ليس معناه أن اليوم يشمل الليل، بل اليوم هو النهار وفي قبال الليل، وإنما قلنا بدخولهما في الإعتكاف لأن الذي يفهم من أدلة الإعتكاف هو إشتراط التتابع في الأيام الثلاثة بمعنى أن يكون الإعتكاف في مجموع هذا الوقت، ولذا دخلت الليلتان المتوسطتان في الإعتكاف، فلابد من الإعتكاف فيهما كما لابد من الإعتكاف في النهارات الثلاثة حتى يتحقق الإعتكاف الشرعي.

فإذا فسرنا عبارة المتن بأن النذر يكون (بشرط لا) من حيث الليلتين المتوسطتين، أي ينذر إعتكاف ثلاثة أيام بشرط عدم إعتكاف الليلتين المتوسطتين فيتجه البطلان وعدم تحقق الإعتكاف، لأن متعلق النذر لا يكون مشروعاً فلا ينعقد النذر. وهنا يأتي كلام السيد الخوئي -كما تقدم- في تصحيح هذا النذر بأن يقصد الناذر من الإعتكاف الإعتكاف اللغوي الذي هو اللبث في المسجد، فيكون متعلق النذر راجحاً لما دل على رجحان اللبث في المسجد فينعقد النذر، وقد تقدم تفصيل ذلك وقلنا أن ما ذكره (قده) لا بأس به.

أما إذا فسرناها بأن ينذر الإعتكاف (لا بشرط) من حيث إنضمام الليالي المتوسطة، فلا مانع من إنعقاد النذر ويجب عليه أن يعتكف في الليلتين المتوسطتين، وقد تقدم أيضاً أنه يكفي في إنعقاد النذر أن يكون المنذور ولو في بعض مصاديقه راجحاً، وفي موردنا الإعتكاف بمعناه الشرعي هو الفرد الراجح والمشروع شرعاً فيجب عليه إعتكاف ثلاثة أيام مع ضم الليلتين المتوسطتين، لكن غاية الأمر أن وجوب الإعتكاف في ما عدا الليلتين المتوسطتين يكون بالنذر في حين أن الإعتكاف في الليلتين المتوسطتين الظاهر أنه لا يكون بالنذر بل لتوقف تحقق المنذور على الإعتكاف فيهما.

مسألة ١١: (لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام أو أزيد لم يجب إدخال الليلة الأولى فيه، بخلاف ما إذا نذر اعتكاف شهر فإن الليلة الأولى جزء من الشهر)[2]

الغرض من هذه المسألة هو بيان الفارق بين ما إذا نذر إعتكاف ثلاثة أيام وبين ما إذا نوى إعتكاف شهر، ففي إعتكاف ثلاثة أيام لا تدخل الليلة الأولى فيه لعدم دخولها في اليوم، وأما إدخال الليلتين المتوسطتين فكان لإشتراط التتابع في الإعتكاف، وإلا فإن اليوم لا يشمل الليلة، فاليوم يبدأ من طلوع الفجر، وأما الشهر فهو الوقت الذي يقع ما بين الهلالين، فإذا طلع الهلال دخلت الليلة الأولى في الشهر. فإذا قلنا أن الإعتكاف يبدأ من الفجر فالمسألة تكون مبنية على مسألة مشروعية الزيادة في الإعتكاف ويكون هذا نظير ما لو نذر أن يعتكف نصف يوم قبل الثلاثة، فإذا لم نقل بمشروعية الزيادة فما هو الوجه في إنعقاد النذر؟ فالصحيح أن الليلة الأولى جزء من الشهر، لكن الكلام هو هل ينعقد نذره أم لا؟ وهذا مبني على ما تقدم في مسألة مشروعية الزيادة التي تقدم الكلام عنها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo