< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/02/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المكروه/ صوم عاشوراء، صوم عرفة

 

ذكرنا في البحث السابق الروايات التي تدل على جواز صوم يوم عاشوراء بخصوصه، و قلنا أيضاً أن عدة وجوه ذكرت للجمع بينها و بين الروايات الناهية عنه و هي:-

 

الأول: حمل الروايات المجوزة على التقية.

الثاني: حمل الروايات الناهية على الكراهة.

الثالث: حمل الأخبار المجوزة على ما إذا كان على وجه الحزن و التأثر بمصابهم عليهم السلام، و حمل الناهية على ما اذا كان على وجه الفرح و التبرك.

الرابع: حمل الروايات الناهية على الصوم الكامل، و حمل الروايات المجوزة على الصوم الصوري أي: الإمساك إلى ما بعد العصر.

الخامس: الإلتزام بالنسخ في الروايات المجوزة.

 

هذه هي وجوه الجمع بين الطائفتين، و لابد من ملاحظة ما تم سنداً في كل من الطائفتين حتى نختار أحدها.

 

بالنسبة إلى الطائفة الأولى و هي الروايات المانعة، فتوجد روايتان معتبرتان فقط و هما صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم، و رواية عبدالله بن سنان بناءاً على نقل إبن المشهدي لها[1] .

 

أما في الطائفة الثانية فرواية أبي همام تامة سنداً فقط دون غيرها، لان الرواية الثانية التي ذكرناها في البحث السابق ضعيفة بمسعدة بن صدقة حيث لم تثبت وثاقته، و كذا الرواية الثالثة و إن عبر عنها السيد الخوئي بالصحيحة، لان جعفر بن محمد بن عبد الله مجهول، و في بعض النسخ جعفر بن محمد بن عبيد الله بدلاً عنه و هو مجهول أيضاً.

 

يمكن أن يقال بان الجمع بين هذه الاخبار يكون باختيار الوجه الرابع المتقدم بقرينة رواية عبد الله بن سنان.

و يمكن الالتزام بالوجه الخامس ايضاً، و القرينة عليه صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم الصريحة في ترك صيامه بعد نزول الحكم بوجوب الصوم في شهر رمضان، فيلتزم بان الصوم الشرعي -من الفجر إلى غروب الشمس-كان مشروعاً قبل نزول حكم وجوب الصوم في شهر رمضان، ثم بعد ذلك نسخ هذا الصوم المشروع و أصبح غير مشروع بالنسخ. و على هذا المعنى تحمل صحيحة ابي همام التي تقول: (صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء) أي: صامه قبل نسخه، خصوصاً ان التعبير فيها لم يدل على الاستمرارية، فلم يكن بلسان (كان رسول الله ...) مثلاً، فليست فيها دلالة على الوجوب و لا على الاستمرارية في كل سنة، فما ورد في الرواية يصدق حتى على المرة الواحدة.

و أيضاً على هذا المعنى يحمل النهي الوارد عن صومه في رواية عبد الله بن سنان، أي: النهي عن الصوم الشرعي الذي يكون من الفجر إلى الغروب مع النية، و من هنا يكون الترك في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم على نحو اللزوم.

نعم يستحب الامساك عن المفطرات بلا نية الصوم، من الفجر إلى ما بعد العصر بساعة، و الدليل على ذلك رواية عبد الله بن سنان.

وأما العمومات الدالة على الاستحباب الشاملة لمحل الكلام فيمكن تقييدها بصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم، و رواية عبد الله بن سنان.

والنتيجة هي الالتزام بحرمة صومه بالمعنى المتعارف للصوم، واستحباب الامساك من الفجر إلى ما بعد صلاة العصر بساعة، وقد التزام بذلك الشهيدان الاول في الدروس، والثاني في المسالك، والمحقق الكركي في جامع المقاصد. وهذه النتيجة حاصلة من العمل بجميع الروايات التامة سنداً.

نعم لا يبعد ان حرمة صوم يوم عاشوراء تختلف عن حرمة صوم العيدين، فالحرمة فيهما بالعنوان الاولي، و الحرمة فيه لايبعد ان تكون بالعنوان الثانوي باعتبار كونه يوم حزن ومصيبة ولكونه تشبهاً عملياً باعداء اهل البيت الذين يصومونه فرحاً وتبركاً.

والامر الذي يمنع من الالتزام بالحرمة بهذا الشكل هو ذهاب المشهور إلى عدم الحرمة (الجواز أو الاستحباب)، ولابد حينئذ من الالتزام بالاحتياط، لكن ذهاب المشهور إلى الجواز غير واضح، وعلى كل حال فالامر يدور بين الالتزام بالتحريم وبين الاحتياط الوجوبي في محل الكلام.

قال السيد الماتن: و منها[2] : صوم عرفة لمن خاف ان يضعفه عن الدعاء الذي هو افضل من الصوم وكذا مع الشك في هلال ذي الحجة خوفاً من ان يكون يوم العيد.

لا إشكال في إستحباب صوم يوم عرفة في غير الموردين المذكورين في المتن كما دلت الروايات على ذلك، و إنما الكلام في كراهة صومه فيهما، أي: من خاف أن يضعفه الصوم عن الدعاء، و من شك في هلال ذي الحجة و احتمل أنه يوم عيد.

قد يستدل على الكراهة فيهما بروايات :-

منها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن صوم يوم عرفة؟ فقال: من قوي عليه فحسن، إن لم يمنعك من الدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة، فصمه، وإن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه»[3] .

 

منها: رواية حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن صوم يوم عرفة، فقلت: جعلت فداك، إنهم يزعمون أنه يعدل صوم سنة، فقال: كان أبي لا يصومه، قلت: ولم ذاك جعلت فداك؟ قال: إن يوم عرفة يوم دعاء ومسألة وأتخوف أن يضعفني عن الدعاء، وأكره أن أصومه، وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى وليس بيوم صوم[4] .

هذه الرواية تامة دلالة، و هي تدل على كلا الموردين بخلاف الرواية الأولى حيث دلت على المورد الأول فقط، أما من جهة السند فقد يناقش فيها، بإعتبار أن سدير الصيرفي الذي هو من أصحاب الإمام السجاد و الإمام الباقر و الإمام الصادق (عليهم السلام) لم ينص على وثاقته، و لكن الظاهر أنه ثقة و ذلك لرواية إبن أبي عمير عنه بسند صحيح، فمن يبني على أن المشايخ الثلاثة لا يروون و لا يرسلون إلا عن ثقة يرى صحة هذه الرواية.


[1] أجّل الشيخ الأستاذ البحث عن وثاقة محمد بن جعفر المشهدي، و عن نسبة كتاب المزار إليه إلى البحث القادم، و الان نفرض أنها معتبرة كما هو الأقرب.
[2] أي من الصوم المكروه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo