< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/01/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة٢/ استحباب قطع الصوم المستحب اذا دعاه مؤمن

قال السيد الماتن في المسألة الثانية: يستحب للصائم تطوعاً قطع الصوم إذا دعاه أخوه المؤمن إلى الطعام بل قيل بكراهته حينئذ.

 

أصل الحكم مما لا إشكال فيه و مسلّم عندهم، و تدل عليه روايات كثيرة، جمعها الشيخ صاحب الوسائل في الباب الثامن من أبواب آداب الصائم[1] ، لكن الفقهاء تعرضوا إلى بعض الفروع في هذه المسألة[2] فمن المناسب أن نتعرض إلى كلها أو بعضها، لكن هذا يتوقف على ملاحظة روايات الباب الثامن حتى نقف على المعتبرة منها.

 

الرواية الأولى:

محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن القاسم ابن محمد، عن العيص، عن نجم بن حطيم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: من نوى الصوم ثم دخل على أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر، فليدخل عليه السرور، فإنه يحتسب له بذلك اليوم عشرة أيام، وهو قول الله عز وجل: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "

 

هذه الرواية غير معتبرة لورود "نجم بن حطيم" في سندها، و هو من أصحاب الصادقين (عليهما السلام)، لكنه مجهول لم يوثقه أحد.

العياشي عندما نقل هذه الرواية في تفسيره ذكر "محمد بن حكيم" بدل "نجم بن حطيم"، و هو ممدوح فيمكن البناء على حسنه، لكن الترديد الموجود بينهما يمنعنا من الأخذ بها.

 

الرواية الثانية:

وعنهم، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن صالح بن عبد الله الخثعمي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل ينوي الصوم فيلقاه أخوه الذي هو على أمره أيفطر؟ قال: إن كان تطوعا أجزأه وحسب له، وإن كان قضاء فريضة قضاه.

 

هذه الرواية رواها الشيخ الكليني في الكافي و الشيخ الصدوق في الفقيه، و هي غير معتبرة على كلا النقلين، فان "صالح بن عبدالله الخثعمي" مجهول لم ينص على وثاقته.

 

قد يقال: يمكن إثبات وثاقته، بإعتبار أن "إبن أبي عمير" روى عنه في رواية واحدة.[3]

 

لكن نقول: هذا الكلام يصح إذا تمّ في هذه الرواية أمران، الأول: صحة طريق الشيخ إلى "هارون بن مسلم"، و الثاني: كون المقصود من "صالح بن عبدالله" الوارد فيها هو "صالح بن عبدالله الخثعمي" المبحوث عنه.

 

أما الأمر الثاني: فالظاهر تماميته، لأن "صالح بن عبدالله الخثعمي" له روايات، و قد عُبر عنه في بعضها ب"صالح بن عبدالله" فقط و من دون لقبه.

 

أما الأمر الأول: فقد يقال أن طريق الشيخ إلى "هارون بن مسلم" صحيح، و ان كان فيه "إبن أبي جيد" لأنّا نبني على وثاقته، و "هارون بن مسلم" وثقه النجاشي.

 

لكن هناك إشكال في طريق الشيخ إلى "هارون بن مسلم"، و هو ان طريق الشيخ هل يشمل جميع روايات "هارون بن مسلم"، او يختص برواياته التي تكون عن رجال الصادق (عليه السلام) فقط؟ و بناءاً على الإختصاص لا طريق للشيخ الى "هارون بن مسلم" فيما اذا روى عن غير رجال الصادق (عليه السلام) كما في المقام، فإن "إبن أبي عمير" ليس من أصحابه (عليه السلام).

 

و منشأ هذا الإشكال هو عبارة الشيخ في الفهرست حيث قال: هارون بن مسلم: له روايات عن رجال الصادق عليه السلام، ذكر ذلك ابن بطة، عن أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم[4] ، عنه[5] . وأخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عنه.[6] انتهى كلامه.

 

و الظاهر أن عبارته تدل على الإختصاص، فبالتالي لا يمكن تصحيح الرواية الثانية لعدم امكان وثاقة "صالح بن عبدالله الخثعمي" لإنتفاء الأمر الأول.

 

مضافاً إلى ذلك ورد في سند الرواية الثانية على نقل الفقيه "إبن فضال" و هو يروي عن "صالح بن عبدالله الخثعمي"، فان "إبن فضال" مردد بين الأب و هو "حسن بن علي بن فضال" و الإبن و هو "علي بن حسن بن علي بن فضال"، و الشيخ الصدوق له طريق صحيح في المشيخة إلى الأب فقط دون الإبن، لكن من المظنون قوياً ان المقصود من "إبن فضال" فيها هو الأب بقرينة وجود طريقه إليه في المشيخة.

 

الرواية الثالثة:

وعنهم، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إفطارك لأخيك المؤمن أفضل من صيامك تطوعا.

 

و هذه أيضاً غير تامة سنداً ب"سهل بن زياد"

 

الرواية الرابعة:

وعن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن جميل بن دراج قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة.

 

و هي غير معتبرة على نقل الكافي و الشيخ الصدوق في العلل و ثواب الأعمال، و ذلك لأجل "صالح بن عقبة" حيث انه لم يوثق، و كونه من رجال تفسير القمي لا ينفع لعدم إثبات وثاقة كل من ورد في سند تفسير القمي بخلاف السيد الخوئي حيث ذهب الى ذلك.

 

نعم، رواها الشيخ الصدوق في الفقيه بإسناده عن "جميل بن دراج"، و طريقه اليه صحيح، لكن في طريقه اليه يوجد كلام و هو انه طريق الشيخ في المشيخة لا يكون الى "جميل بن دراج" وحده، بل يكون طريقاً اليه و الى "محمد بن حمران" معاً، حيث قال:

 

وما كان فيه عن محمد بن حمران، وجميل بن دراج فقد رويته عن أبي رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حمران، وجميل بن دراج.

 

فهل طريقه يكون طريقاً إليهما معاً فقط بحيث لا يكون طريقاً الى كل واحد منهما منفرداً، او يكون طريقاً الى كل منهما وحده؟

 

ظاهر عبارته و ان كان هو الأول، الا ان الصحيح هو الثاني بقرينة عدم وجود رواية أصلاً في الفقيه عنهما معاً، بل الشيخ الصدوق إما يبتدأ السند ب"جميل بن دراج" فقط او ب"محمد بن حمران" فقط، و لعل وجه عبارته في المشيخة على نحو الجمع بينهما هو وجود كتاب مشترك بينهما[7] .

 

إذن: الرواية الرابعة معتبرة بناءا على نقل الفقيه.

 

الرواية الخامسة:

وعنه، عن الحسن بن علي الدينوري، عن محمد بن عيسى، عن صالح بن عقبة، عن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أيما رجل مؤمن دخل على أخيه وهو صائم فسأله الاكل فلم يخبره بصيامه فيمن عليه بافطاره كتب الله جل ثناؤه له بذلك اليوم صيام سنة.

و هي ضعيفة سنداً ب"الحسن بن علي الدينوري" فانه لم يوثق، و ب"صالح بن عقبة" و تكلمنا عنه في الرواية السابقة.

 

الرواية السادسة:

وعنه، عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى، عن الحسن بن إبراهيم بن سفيان، عن داود الرقي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لافطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا.

 

و هي أيضاً ضعيفة ب"الحسن بن إبراهيم بن سفيان" المجهول، و ب"داود الرقي" الذي تعارض فيه التوثيق و التضعيف.

و من هنا يتبين ضعفها على نقل الشيخ الصدوق في الفقيه و العلل و ثواب الأعمال، لوجود "داود الرقي" في سندها، مضافاً الى ضعف طريقه اليه.

 

الرواية السابعة:

وعن علي بن محمد، عن ابن جمهور[8] ، عن بعض أصحابه، عن علي بن حديد، قال: قلت لأبي الحسن الماضي عليه السلام: أدخل على القوم وهم يأكلون وقد صليت العصر وأنا صائم فيقولون: أفطر، فقال: أفطر، فإنه أفضل.

 

و هي غير معتبرة للإرسال، و لوجود "إبن الجمهور" و "علي بن حديد" حيث لم يوثقا.

 

الرواية الثامنة:

محمد بن علي بن الحسين في (العلل) عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد عن محمد بن الحسن بن علان، عن محمد بن عبد الله، عن عبد الله بن جندب، عن بعض الصادقين عليهم السلام قال: من دخل على أخيه وهو صائم تطوعا فأفطر كان له أجران: أجر لنيته لصيامه، وأجر لادخال السرور عليه.

 

و هي غير معتبرة أيضاً ب"محمد بن الحسن بن علان" المجهول، و ب"محمد بن عبدالله" المشترك بين عدة رواة ليس كلهم ثقات، و لا يمكن تمييزه.

 

الرواية التاسعة:

أحمد بن أبي عبد الله البرقي في (المحاسن) عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير عن أبان، عن حسين بن حماد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أدخل على الرجل وأنا صائم فيقول لي: أفطر، فقال: إن كان ذلك أحب إليه فأفطر.

 

ضعيفة ب"حسين بن حماد" حيث انه مردد بين شخصين كل منهما مجهول.

 

الرواية العشرة:

وعن إسماعيل بن مهران، عن محمد بن أبي حمزة، عن إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يدعوني الرجل من أصحابنا وهو يوم صومي؟ فقال: أجبه وأفطر.

 

فيها أن "محمد بن أبي حمزة" مردد بين "محمد بن أبي حمزة التيملي الكوفي" المجهول، و بين "محمد بن أبي حمزة الثمالي المسمى بالثابت" الثقة، و لأجل الترديد تسقط الرواية عن الحجية.

 

لكن يمكن أن يقال أن الأول لم يذكر في كتب الرجال، إنما ذكره الشيخ بإعتباره من أصحاب الصادق (عليه السلام)، بخلاف الثاني فانه معروف، و من هنا لا يبعد الإنصراف الى الثاني من "محمد بن أبي حمزة"، و بالتالي نحكم بصحة الرواية العاشرة.


[2] من قبيل أن هذا الحكم هل يشمل صوم الواجب الموسع كقضاء رمضان فيما إذا كانت الدعوة قبل الزوال، أو يختص بالصوم التطوعي؟.
[3] و هي ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن هارون بن مسلم، عن ابن أبي عمير، عن صالح بن عبد الله قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام:....الحديث. (الوسائل١٠/٣٩٣ – ح٢ب١٧ من أبوب بقية الصوم الواجب).
[4] هو "محمد بن أبي القاسم عبيد الله بن عمران الجنابي البرقي أبو عبد الله الملقب ماجيلويه" كما قال النجاشي.
[5] أي عن هارون بن مسلم.
[6] الفهرست، الشیخ الطوسي، ج1، ص259 . و من يرى صحة طريق الشيخ اليه اعتمد على طريقه الثاني، و ذلك لضعف الطريق الأول ب"إبن بطة"
[7] حيث قالوا انهما ألّفا كتاباً مشتركاً، كما ان لكل منهما كتاباً يخصه.
[8] هو "محمد بن جمهور أبو عبد الله العمّي".

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo