47/05/12
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
الاحتمال الرابع في تفسير (لا ضرر) وهو ما اختاره صاحب الكفاية، وحاصله:
أنَّ المراد بالحديث هو نفي الحكم بلسان نفي موضوعه كما في (لا ربا بين الوالد وولده) فالمراد نفي الحكم الثابت للفعل بعنوانه في حال ترتب الضرر عليه، مثل الوضوء فإنه بعنوانه له حكم وهو الوجوب، والحديث ينفي الوجوب الثابت للوضوء بعنوانه إذا كان ضررياً، وعليه يختص هذا الاحتمال بما إذا كان متعلق الحكم ضررياً في نفسه كالوضوء الموجب للضرر، في مقابل أن يراد نفي الحكم الذي يترتب عليه الضرر - أي الاحتمال الثالث - فيُنفى كل حكم شرعي يترتب عليه الضرر، سواء ترتب الضرر على المتعلق أو كان الحكم نفسه ضررياً، صحيح أنَّ الحديث على الاحتمال الثالث يشمل وجوب الوضوء إذا ترتب على الوضوء الضرر، كما أنَّ الرابع يشمله لكنهما يفترقان في مثال البيع الغبني فعلى الاحتمال الثالث يمكن نفي اللزوم بــ (لا ضرر) ولكن لا يمكنه نفيه بناءً على الاحتمال الرابع لأنه يختص بما إذا كان متعلق الحكم ضررياً، والبيع الغبني - إذا لم يكن لازماً - ليس كذلك.
مثال آخر: في موارد وجوب الاحتياط عند تمامية دليل الانسداد، فعلى الاحتمال الثالث يمكن نفي وجوب الاحتياط العقلي في موارد الانسداد بقاعدة (لا ضرر) بنفي التكليف الواقعي الذي يكون الاحتياط بلحاظه باعتباره حكماً يترتب عليه الضرر، ولا يمكن ذلك على الاحتمال الرابع لأنَّ الاحتياط كموضوع ومتعلق وإن كان ضررياً إلا أنَّ وجوبه ليس شرعياً حتى ينفى بالحديث، بل هو وجوب عقلي، وأما الحكم الواقعي المجهول المتعلق بموضوعه فلا يمكن نفيه بالحديث على الاحتمال الثالث لأنَّ متعلق ذلك الحكم ليس ضررياً.
واعترض على هذا الاحتمال بعدة اعتراضات:
الاعتراض الأول: إنَّ نفي الحكم بلسان نفي الموضوع وإن كان متعارفاً في الاستعمالات العرفية والشرعية لكن المتعارف هو توجه النفي الى نفس موضوع الحكم الشرعي، ويراد نفي الآثار الشرعية المترتبة عليه، كما في مثل (لا شك لكثير الشك) فإنَّ الشك في الصلاة له آثار شرعية يُراد نفيها بلسان نفي الموضوع، وكذا (لا ربا بين الوالد وولده)، وفي المقام النفي في الحديث تعلق بالضرر وهو مما لا أثر له يُراد نفيه بنفي الضرر، ولو كان له أثر كالحرمة فلا يُقصد نفيه جزماً، وقياس المقام على مورد رفع الاضطرار بحديث الرفع مع الفارق، لأنَّ الرفع هناك تعلق بالفعل في حال الاضطرار - ما اضطروا إليه - لا بنفس الاضطرار، فيكون مقتضاه رفع الآثار المترتبة على الفعل في حال الاضطرار وليس كذلك في المقام، لأنَّ النفي تعلق بنفس الضرر لا بالفعل الضرري، فكيف يمكن نفي الآثار الشرعية الثابتة للفعل الضرري بحديث (لا ضرر) كما يقول صاحب الكفاية!
والحاصل إنَّ صاحب الكفاية يريد أن يقول:
إنَّ مفاد الحديث هو أنَّ الأحكام الثابتة لموضوعاتها مطلقاً تُنفى عنها في حال الضرر، ويوجب ذلك اختصاص الحكم بموارد غير الضرر، فالوضوء الذي ثبت له الوجوب حال عدم الضرر ينتفي عنه في حال الضرر، وهذا لا يتلاءم مع كون المنفي في الحديث هو عنوان الضرر، بل اللازم أن يكون المنفي في المقام الحكم الثابت للضرر، مثل حرمة الضرر، لا الحكم المترتب على الفعل الضرري مثل وجوب الوضوء، ومن الواضح أنَّ نفي الحكم الثابت بعنوان الضرر ليس مراداً له قطعاً، بل هو غير معقول لأنَّ الضرر بالنسبة الى الحكم المترتب عليه موضوع له ومقتضٍ له فكيف يعقل أن يكون نافياً له ومانعاً منه! وهذا المحذور لا يلزم إذا كان المنفي هو الفعل الضرري، إذ يمكن أن يقال لا ضرر ويكون نافياً لحكم هذا الفعل في مورد الضرر.
ومنه يظهر أنه لا مجال لقياس المقام برفع الاضطرار بحديث الرفع.
ولوحظ على هذا الاعتراض: بأنَّ رفع الخطأ والنسيان في حديث الرفع إنما يكون رفعاً للحكم المتعلق بالفعل الصادر حال الخطأ والنسيان، فليكن ما نحن فيه من هذا القبيل، فيكون المرفوع هو الحكم الثابت للفعل عندما يكون ضررياً.