« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

الاعتراضات على الاحتمال الثالث:

الاعتراض الأول: إنَّ اطلاق المسبَّب على السبب وإن كان متعارفاً إلا أنه إنما يصح في المسببات التوليدية كالإلقاء والاحراق، وكالرمي والقتل، وأما مثل المقدمات الاعدادية فلا يطلق عليها إسم المسبَّب، فلا يقال لبيع السلاح مثلاً أنه قَتْلٌ إذا ترتب عليه، ومن الواضح أنَّ نسبة الحكم الى الضرر ليست نسبة السبب التوليدي الى مسببه، بل نسبة المعد لتخلل الارادة والاختيار من المكلف بينهما، وعليه لا يصح أن يقال للحكم أنه ضرر.

وأجاب المحقق النائيني عنه: بأنَّ ترتب الضرر على الحكم وإن كان يتوسطه ارادة المكلف واختياره وليس نفس الحكم والجعل علة تكوينية للوقوع في الضرر إلا أنَّ ارادة المكلف لما كانت مقهورة في عالم التشريع لهذا البعث والجعل الشرعي فبالآخرة ينتهي الضرر الى الجعل كانتهاء المعلول - كالإحراق - الى علته وهي الإلقاء، فيكون الجعل سبباً توليدياً للضرر، ومن هنا تعتبر العلة التامة لوقوع الضرر للمتوضئ هي الجعل الشرعي، ويكون النفي متوجهاً إليه.

واُورد عليه: بأنَّ مجرد كون إرادة العبد مقهورة لإرادته سبحانه وتعالى لا يجعلها من قبيل الأسباب والمسببات التوليدية موضوعاً ولا يلحق بها حكماً، مضافاً الى أنَّ ذلك إنما يكون في إرادة العبد المطيع دون العاصي، ومن المعلوم أنَّ الأحكام لا تختص بالمطيعين، بل تشمل العصاة أيضاً.

ويمكن الدفاع عن المحقق النائيني بأن يقال: إنَّ مقصوده هو أنَّ ارادة العبد تكون ضعيفة أمام إرادة المولى سبحانه، نظير ما إذا أمر السلطان عبده بقتل زيد، فيقال إنَّ السلطان قتله، لأنَّ إرادة المأمور تجاه إرادة السلطان ضعيفة وبحكم العدم، فهنا يطلق القتل على الأمر من السلطان وإن توسط بينهما إرادة العبد واختياره، فيصح اطلاق الضرر على الحكم في محل الكلام.

والتعليق عليه:

هذا الاعتراض لا يرد على الاحتمال الثالث بجميع تقريباته، وإنما على خصوص التقريب الثالث المبني على أنَّ اطلاق السبب على المسبب حقيقة، وأما إذا أخذنا بالتقريب الرابع القائل بنفي الضرر حقيقة فاطلاق الضرر على معناه الحقيقي وليس على الحكم، نعم المقصود الجدي هو نفي الحكم الضرري، وعليه فلا يرد عليه هذا الاعتراض.

الاعتراض الثاني: إنَّ المسبب التوليدي إنما ينطبق على سببه بالمعنى المصدري الحاكي عن المبدأ بملاحظة جهة الصدور، وأما إذا كان بمعنى اسم المصدر - وهو حاصل المعنى المصدري من دون نسبة صدورية - فلا يكون الاطلاق صحيحاً، فلا يطلق الاحتراق على الالقاء وإنما يطلق عليه الإحراق، وعليه فما ينطبق على الحكم هو عنوان الإضرار والضرار لا عنوان الضرر لأنه معنى مصدري، فلا يقال للحكم أنه ضرر وإن صح أن يقال أنه إضرار.

ويلاحظ عليه: بأنه إنما يرد على التقريب الثالث أيضاً دون غيره.

الاعتراض الثالث: إنَّ الضرر المترتب على العمل لا يترتب عليه مباشرة دائماً، بل قد يكون العمل مجرد معد للضرر كما لو كان الوضوء بالماء يوجب استعداد المزاج لمرض ما، وحينئذٍ لا يمكن اتصاف الحكم بأنه ضرر بلحاظ توليده للعمل المضر.

ويلاحظ عليه:

أولاً: أنه إنما يرد على التقريب الثالث المبني على إطلاق الضرر على الحكم، فيقال إنَّ ما ذُكر إنما يصح فيما إذا كان الضرر يترتب على العمل مباشرة ولا يصح فيما إذا كان العمل مجرد معد للضرر، فلا يرد على التقريب الرابع لأنه لا يُدعى فيه إطلاق الضرر على الحكم وإنما يُدعى أنَّ المنفي هو نفس الضرر حقيقة، غايته أنَّ المقصود الأصلي من نفي الضرر هو بيان لازمه وهو رفع الحكم الضرري.

وثانياً: يمكن دعوى شمول الضرر لاستعداد المزاج لتقبل المرض فإنه ضرر أيضاً وهو يترتب على العمل مباشرة.

الاعتراض الرابع: أنَّ ما ذكر في تقريب هذا الاحتمال لا يقتضي تعيُّن تفسير الحديث به مع وجود احتمالات أخرى.

الاحتمال الرابع: وهو ما اختاره صاحب الكفاية، وحاصله: أنَّ المراد بالحديث هو نفي الحكم بلسان نفي موضوعه.

 

logo