47/05/10
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
كان الكلام في الاعتراض الرابع على الاحتمال الثاني، وقلنا بأنه وارد في الروايات المشتملة على قيد (في الاسلام)، بمعنى عدم استفادة الحرمة التكليفية منها، وأنَّ الظاهر منها هو نفي وجود الضرر في الشريعة، وأما ما ذكره بالنسبة الى الروايات الخالية من القيد فهو وإن كان صحيحاً إلا أنه يتم فيما لو كان المعنى الآخر لا يحتاج الى قرينة صارفة، وأما مع احتياجه لها فيتساوى الاحتمالان ويحتاج كل منها الى القرينة الصارفة ولا يمكن تعيين أحدهما.
وأما لماذا يكون حمل الحديث على نفي الحكم الضرري بحاجة الى قرينة - مع كونه نفياً - فلأنه مخالف للظهور أيضاً، وذلك لأنَّ جملة (لا ضرر) معناها الحقيقي هو نفي وجود الضرر خارجاً، وهذا المعنى غير مراد جداً بناءً على هذا الاحتمال، وإنما المراد الجدي هو نفي الحكم الضرري والإخبار عن عدم التسبيب التشريعي للضرر، وعليه فمجرد إمكان حمل الجملة على الخبرية والنفي لا يعني عدم الاحتياج الى القرينة، فلو سلمنا أنَّ الجملة خبرية وأنَّ المراد بها الإخبار عن عدم الضرر لكن لا إشكال في أنَّ المراد التصديقي الذي يراد تفهيمه للمخاطبين ليس هو نفي الضرر حقيقة، بل هو بيان عدم التسبيب التشريعي للضرر، وهذا يوجب اختلاف المراد الاستعمالي عن المراد الجدي، وهو لا يخلو من مخالفة للظاهر ويكون بحاجة الى قرينة.
هذا مضافاً الى ظهور الحديث في كون الضرر مأخوذاً على نحو الموضوعية، وهذا الاحتمال يأخذه على نحو الطريقية للحكم، ويجعله عنواناً له باعتباره مسبباً عن الحكم، نظير إطلاق الاحراق على الإلقاء بينما هو السبب، وهذه مخالفة للظاهر أيضاً.
الاعتراض الخامس: إنَّ القاعدة طُبقت في بعض نصوصها على بعض الموارد التي لا يحرم فيها الضرر، وهو مورد الأخذ بالشفعة، فبيع الشريك على غير شريكه ليس حراماً تكليفاً ولم يلتزم بذلك أحد، وإنما التزموا بحرمته وضعاً، بمعنى عدم صحته، فلابد من ارادة نفي الحكم الضرري وهو هنا لزوم هذا البيع أو صحته، فيثبت الخيار أو الفساد.
ويلاحظ عليه: بأنَّه مشترك الورود، إذ يقال إنَّ بعض النصوص طبقت القاعدة على قضية سمرة بن جندب مع أنه لا يوجد فيها حكم ضرري حتى يُنفى بالحديث، لأنَّ الثابت هو اباحة المرور الى عذقه، وليست الاباحة حكماً ضررياً وإنما يكون الحكم ضررياً إذا كان إلزامياً.
الاعتراض السادس: إنه بناءً على احتمال النهي التكليفي يلزم صحة البيع الغبني ولزومه، إذ لا يوجد حينئذٍ ما يدل على فساده أو عدم لزومه، مع وضوح أنَّ هذا البيع الصحيح أو اللازم فيه ضرر على المغبون، فهل يلتزم صاحب هذا الاحتمال بحرمة هذا البيع تكليفاً مع صحته أو لزومه وترتب الأثر عليه؟!
هذا هو الاحتمال الثاني والاعتراضات عليه.
الاحتمال الثالث: وهو ما ذهب إليه الشيخ وجماعة من المتأخرين منهم المحقق النائيني، من أنَّ المراد هو نفي الحكم الضرري، بمعنى عدم وجود حكم مُشرَّع يكون موجباً للضرر، وهذا يعني أنَّ جميع الأحكام لا تثبت في مورد الضرر، ومن هنا قالوا أنَّ القاعدة تكون حاكمة على جميع الأدلة لأنها توجب تخصيصها بغير موارد الضرر.
ولهذا الاحتمال تقريبات تشترك في النتيجة:
التقريب الأول: أن يكون هناك الحذف في (لا ضرر) بحيث يكون النفي داخلاً على محذوف لا على الضرر، وهو الحكم، والتقدير: لا حكم يكون سبباً في الضرر.
التقريب الثاني: أن يُفرض المجاز في الكلمة، فيستعمل المُسبَّب مجازاً في سببه، فلفظ (الضرر) يستعمل مجازاً في الحكم، فيطلق الضرر ويراد به سببه بعلاقة السببية.
التقريب الثالث: أن يكون من باب اطلاق الضرر على الحكم المُسبِّب له حقيقةً، وذلك باعتبار أنَّ السبب - وهو الحكم - يكون مصداقاً لمسبَّبه - أي الضرر - التوليدي[1] عرفاً، فإنَّ الإلقاء في النار بنفسه إحراق فيصدق الاحراق المُسبَّب على الإلقاء عرفاً، وهنا يصدق الضرر على الحكم لأنَّ الحكم مصداق للضرر.
التقريب الرابع: أن يراد به نفي الضرر حقيقة، فلا يراد به الحكم لا بنحو التجوز في الحذف، ولا التجوز في الكلمة، ولا من باب إطلاق المسبَّب وإرادة السبب، وإنما يراد نفي نفس الضرر حقيقة غاية الأمر أنَّ المقصود الأصلي من نفي الضرر حقيقة هو الإخبار عن نفي سببه، أي الحكم الشرعي سواءً كان الضرر ناشئاً من نفس الحكم كما في لزوم البيع الغبني أو من متعلقه كالوضوء الضرري.