47/04/20
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
تقدمت الوجوه التي ادعي امكان التشبث بها لإثبات وثاقة عقبة بن خالد، لكن يصعب جداً الاستناد اليها لإثبات الوثاقة بالمعنى المطلوب، فيظهر أنَّ الخلل في السند من جهتين، من جهة محمد بن عبد الله بن هلال، ومن جهة عقبة بن خالد، هذا بلحاظ رواية الكافي.
وأما رواية التهذيب فهي نفس رواية الكافي متناً وسنداً، غاية الأمر أنَّ الشيخ الكليني ينقل عن محمد بن يحيى مباشرة وهو شيخه، والشيخ الطوسي وإن بدأ السند بمحمد بن يحيى ولكن له طريق صحيح إليه بلا إشكال، فالإشكال فيهما واحد.
وأما في الفقيه فقد بدأ السند بعقبة بن خالد، وبمراجعة المشيخة لا نجد له طريقاً إليه، فطريقه إليه مجهول.
وهناك محاولة تقدمت الاشارة إليها لإثبات أنَّ طريق الصدوق الى عقبة بن خالد يستفاد من طريق الشيخ الطوسي الى عقبة الذي ذكره في الفهرست لأنه يمر بالشيخ الصدوق، لكن على تقدير تمامية كبرى هذا التعويض تبقى المشكلة في محمد بن عبد الله بن هلال وفي عقبة بن خالد على حالها.
هذا كله بلحاظ روايات الشفعة.
وأما رواية منع فضل الماء فلم أعثر على رواية في ذلك إلا ما في المستدرك ج17 ص116 نقلاً عن درر اللآلئ لابن أبي جمهور الاحسائي، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: (مَن منع فضل الماء ليمنع به الكلأ، منعه الله فضل رحمته يوم القيامة.) وهي مرسلة كما هو واضح.
يبقى الكلام في عبادة بن الصامت، وهو الراوي للرواية التي اعتمد عليها شيخ الشريعة قده، فنقول:
لا إشكال في أنه من الصحابة، وذُكر بأنه من النقباء الاثني عشر الذين اختارهم النبي (ص) في قضية ينقلها الشيخ الصدوق في الخصال بسند لا بأس به، تحت عنوان النقباء إثنا عشر، ص 491 الحديث 70 قال[1] :
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْهَمَذَانِيُّ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ اَلْبَزَنْطِيِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ اَلْأَحْمَرِ عَنْ جَمَاعَةِ مَشِيخَةٍ قَالُوا:
(اِخْتَارَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ أُمَّتِهِ اِثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً أَشَارَ إِلَيْهِمْ جَبْرَئِيلُ وَأَمَرَهُ بِاخْتِيَارِهِمْ كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، تِسْعَةٌ مِنَ اَلْخَزْرَجِ وَثَلاَثَةٌ مِنَ اَلْأَوْسِ فَمِنَ اَلْخَزْرَجِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَاَلْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ [حزام] وَالِدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَاَلْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَسَعْدُ بْنُ اَلرَّبِيعِ وَاِبْنُ اَلْقَوَافِلِ عُبَادَةُ بْنُ اَلصَّامِتِ، وَمَعْنَى اَلْقَوَافِلِ اَلرَّجُلُ مِنَ اَلْعَرَبِ كَانَ إِذَا دَخَلَ يَثْرِبَ يَجِيءُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ اَلْخَزْرَجِ فَيَقُولُ أَجِرْنِي مَا دُمْتُ بِهَا مِنْ أَنْ أُظْلَمَ فَيَقُولُ قوفل حَيْثُ شِئْتَ فَأَنْتَ فِي جِوَارِي، فَلاَ يَتَعَرَّضُ لَهُ أَحَدٌ، وَمِنَ اَلْأَوْسِ أَبُو اَلْهَيْثَمِ بْنُ اَلتَّيِّهَانِ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ.)
وسند الرواية الى أبان بن عثمان تام، وإنما الإشكال في قوله (عن جماعة مشيخة) إذ لا يُعلم من هم فتكون الرواية مرسلة، وذكر السيد الخوئي أنهم مجهولون، ولعلهم من العامة، ويؤيد كلامه بما ينقله عن الاستيعاب فقد ذكر أسماء هؤلاء المشيخة وكانوا جميعاً من العامة، ولولا ذلك لأمكن تجاوز هذا الاشكال بواسطة حساب الاحتمالات.
نعم في تفسير علي بن ابراهيم في تفسير قوله تعالى ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾[2] ذكر في ج1 ص272 ما هو بمضمون الرواية المتقدمة، حيث ينقل بيعة الانصار لرسول الله المعروفة ببيعة العقبة ويقول في ذلك:
(.. فَقَالَ أَمَّا مَا أَشْتَرِطُ لِرَبِّي، فَأَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ أَنْفُسَكُمْ، وَتَمْنَعُوا أَهْلِي مِمَّا تَمْنَعُونَ أَهَالِيَكُمْ وَأَوْلاَدَكُمْ، فَقَالُوا وَمَا لَنَا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ اَلْجَنَّةُ فِي اَلْآخِرَةِ، وَتَمْلِكُونَ اَلْعَرَبَ وَتَدِينُ لَكُمُ اَلْعَجَمُ فِي اَلدُّنْيَا، فَقَالُوا قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمُ اِثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً، يَكُونُونَ شُهَدَاءَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ، كَمَا أَخَذَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اِثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَذَا نَقِيبٌ، هَذَا نَقِيبٌ، تِسْعَةٌ مِنَ اَلْخَزْرَجِ وَثَلاَثَةٌ مِنَ اَلْأَوْسِ، فَمِنَ اَلْخَزْرَجِ سَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ وَاَلْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ حِزَامٍ وَ [وَهُوَ] أَبُو جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ وسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَاَلْمُنْذِرُ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَسَعْدُ بْنُ اَلرَّبِيعِ وَعُبَادَةُ بْنُ اَلصَّامِتِ ..)
وجُعلت في هذه الطبعة عبارة (عبادة بن الصامت) بين قوسين، وذُكر في الهامش بأنه كذا في الأصل، فقد يُشير هذا الى اختلاف نسخ التفسير في وجود عبادة بن الصامت أو عدم وجوده، على أنَّ الرواية غير مسندة فبعد أن يذكر رواية أبي الجارود بقوله: (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ... الى أن يقول: رجعٌ إلى تفسير علي بن إبراهيم ...)[3] ولم يذكر لها سنداً.
وذُكر أيضاً أنَّ عبادة بن الصامت من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنين (ع) كما عن الكشي في عنوان حذيفة وعبد الله بن مسعود ج1 ص178الحديث 78:
(وسأل [وسُئل] عن ابن مسعود وحذيفة؟ فقال: لم يكن حذيفة مثل ابن مسعود لأن حذيفة كان ركناً وابن مسعود خلط ووالى القوم ومال معهم وقال بهم، وقال أيضاً: أنَّ من السابقين الذين رجعوا الى امير المؤمنين عليه السلام أبو الهيثم بن التيهان وأبو ايوب وخزيمة بن ثابت وجابر بن عبد الله وزيد بن أرقم وأبو سعيد الخدري وسهل بن حنيف والبراء بن مالك وعثمان بن حنيف وعبادة بن الصامت، ثم ممن دونهم قيس بن عبادة ...)
والمقصود منه سُئل الفضل بن شاذان، وذلك لأنه يقول في الحديث السابق:
(وسُئل الفضل بن شاذان عن أبي أيوب خالد بن زيد الانصاري وقتاله مع معاوية المشركين؟ فقال: كان ذلك منه قلة فقه وغفلة، ظن أنه انما يعمل عملاً لنفسه يقوي به الإسلام ويوهي به الشرك وليس عليه من معاوية شيء كان معه أو لم يكن.) فإذا حصل الاطمئنان بذلك فيثبت أنه ممن رجع الى أمير المؤمنين عليه السلام.
وروي فيه أنه ممن مضوا على منهاج نبيهم ولم يُغيروا ولم يعدلوا، كما في عيون أخبار الرضا (ع) ج2 الباب 35 ص 120 وهو كتاب الامام عليه السلام للمأمون عندما سأله أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الايجاز والاختصار فكتب له فيما كتب أنه لا بد من الولاية والبراءة:
(..وَاَلْبَرَاءَةُ مِنْ أَشْبَاهِ عَاقِرِي اَلنَّاقَةِ أَشْقِيَاءِ اَلْأَوَّلِينَ وَاَلْآخِرِينَ وَمِمَّنْ يَتَوَلاَّهُمْ، وَاَلْوَلاَيَةُ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَاَلَّذِينَ مَضَوْا عَلَى مِنْهَاجِ نَبِيِّهِمْ عَلَيهِ وَآلِهِ السَّلامُ، وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ يُبَدِّلُوا مِثْلِ سَلْمَانَ اَلْفَارِسِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ اَلْغِفَارِيِّ وَاَلْمِقْدَادِ بْنِ اَلْأَسْوَدِ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَحُذَيْفَةَ اَلْيَمَانِيِّ وَأَبِي اَلْهَيْثَمِ بْنِ اَلتَّيِّهَانِ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَعُبَادَةَ بْنِ اَلصَّامِتِ ...) وهذا المدح مهم جداً، وأما سند الرواية فهو:
(حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبْدُوسٍ اَلنَّيْسَابُورِيُّ اَلْعَطَّارُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ بِنَيْسَابُورَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اِثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَثَلاَثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ اَلنَّيْسَابُورِيُّ عَنِ اَلْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، قَالَ: سَأَلَ اَلْمَأْمُونُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَ اَلْإِسْلاَمِ عَلَى سَبِيلِ اَلْإِيجَازِ وَاَلاِخْتِصَارِ، فَكَتَبَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَهُ أَنَّ مَحْضَ اَلْإِسْلاَمِ شَهَادَةُ...)
ولا بأس بهذا السند، فقد التزمنا بوثاقة عبد الواحد بن محمد بن عبدوس باعتباره من مشايخ الصدوق الذين ترضى عنهم، وهو دال على الوثاقة، وأما علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري المسمى بالقتيبي فقد قال فيه النجاشي أنَّ الكشي اعتمد عليه، فيُفهم منه الوثاقة وإمكان الاعتماد عليه.
فالظاهر أنَّ هذه الرواية مع ضمها الى باقي الروايات الأخرى تكفي في إثبات وثاقة عبادة بن الصامت.
وجوه أخرى يستدل بها على عدم الارتباط بين الفقرتين:
ثم إنَّ هناك وجوه أخرى يُستدل بها على ما ذهب إليه المحقق شيخ الشريعة الأصفهاني، وبعضها مستفاد من كلمات المحقق النائيني الذي وافقه في إنكار الارتباط بين الفقرتين، وهي:
الوجه الأول: إنَّ فقرة (لا ضرر ولا ضرار) لو كانت مرتبطة وذيلاً لحديث الشفعة للزم عدم نقل عقبة لهذا القضاء، وخلو روايته الواردة في الأقضية منه، وأما إذا انكرنا الارتباط فيكون هذا القضاء منقولاً في روايته.
وهذا الوجه يتوقف على إثبات أمرين:
الأول: دعوى أنَّ (لا ضرر) لو كان مرتبطاً بحديث الشفعة فهو ليس من الأقضية، وإنما يكون كذلك إذا كان مستقلاً.
الثاني: أنَّ عقبة بصدد نقل أقضية الرسول (ص) المستقلة، وأما لا يكون مستقلاً - كالقاعدة التي تطبق على موردها وذُكرت كاستدلال عليه - فلا يكون بصدد نقله.
وكل منهما غير واضح، أما الأول فإنَّ (لا ضرر) بمثابة الكبرى والقاعدة الكلية التي يُعلل بها كثير من الأحكام الشرعية، وهذا لا ينافي كونه قضاءً.
وأما الثاني فلأنَّ الظاهر أنَّ عقبة بصدد نقل ما سمعه من الصادق عليه السلام وكما سمعه، وقد وقعت فقرة (لا ضرر) فيما سمعه من الإمام (ع) ونقله عنه مرتبطاً بحديث الشفعة، على أنَّه لا ملزم لكون (لا ضرر) من أقضية الرسول، بل هو حكم كلي كسائر الأحكام الكلية الصادرة عنهم عليهم السلام، ولذا لم يُعبِّر عنه في الرواية بالقضاء كما عبر عن غيره فقال قضى بالشفعة، وقضى في منع فضل الماء.
والحاصل لا مانع من افتراض أنَّ فقرة (لا ضرر ولا ضرار) صدرت مرة مستقلة وغير مرتبطة وأخرى مرتبطة وتعليلاً لحكم من الإحكام، وعقبة سمع القاعدة مرتبطة من الصادق عليه السلام، فنقلها كذلك.
الوجه الثاني: إنَّ جملة (لا ضرر) غير مرتبطة بالشفعة، لأنَّ الضِّرار عبارة عن الاصرار على الضرر، وبيع الشريك وإن كان فيه ضرر وضيق على شريكه وطُبقت عليه القاعدة لكنه ليس فيه إصرار على الضرر.