« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

الدليل الثاني الذي استدل به لعدم صحة تطبيق قاعدة لا ضرر على مورد الشفعة هو أنَّ مفاد القاعدة كما قيل هو نفي الحكم الضرري، وسبب الضرر إن كان هو جواز البيع وضعاً فبارتفاعه يثبت البطلان ولا ينتج ثبوت حق الشفعة للشريك، وإن كان هو لزوم البيع فبارتفاعه يثبت الخيار ولا يثبت حق الشفعة كذلك.

وفيه: أنه إنما يتم لو كان حق الشفعة ثابت بالقاعدة فقط وليس له دليل آخر سواها، وليس كذلك فإنَّ لحق الشفعة أدلة أخرى غير القاعدة، نعم وردت القاعدة في ذيل حديث الشفعة كما في روايات عقبة بن خالد، ولكن قالوا - كما سيأتي - لم تذكر القاعدة كعلة لثبوت حق الشفعة وإنما ذكرت كحكمة لثبوته.

وأما ما دعاه من عدم امكان تطبيق القاعدة على حديث منع فضل الماء، حيث ذكر دليلين على ذلك، وحاصل الأول هو أنَّ الضرر لا يحصل بمنع المالك فضل مائه على الغير فلا معنى لتطبيق القاعدة عليه.

فيلاحظ عليه: بأنَّ الظاهر أنَّ مورد الرواية هو ما إذا كان للشخص ماء وكان بقربه كلأ، فإذا منع المالك عن الماء كان ذلك سبباً لعدم رعيها في الكلأ والانتقال الى كلأ غيره، إذن منع الماء يكون سبباً لمنع الانتفاع بالمرعى، وهذا يُعد عرفاً ضرراً، باعتبار قيام المقتضي للانتفاع بالمرعى وهو وجود المرعى واباحته للجميع، فالمنع من الانتفاع به حينئذٍ ولو بتوسط المنع من فضل الماء يُعد ضرراً، وإن كان عدم الانتفاع في غير هذا المورد لا يُعد ضرراً.

والحاصل أنَّ منع الماء في هذه الحالة يُعد ضرراً بمنزلة احتكار المرعى ومنع الرعي فيه واجباره على الانتقال الى مرعى آخر.

وأما الدليل الثاني فحاصله: أنَّ النهي عن منع فضل الماء تنزيهي قطعاً، ولا يمكن أن يكون تحريمياً لأنه ماله، وتطبيق القاعدة على هذا المورد يقتضي كون النهي تحريمياً، وذلك باعتبار أنَّ منشأ الضرر هو الجواز بالمعنى الأعم والقاعدة تنفيه فتثبت الحرمة، ولا يمكن الالتزام بذلك.

ويلاحظ عليه: بأنه لا محذور في الالتزام بالحرمة في هذا المورد لخصوصية فيه.

بحث سندي في روايات الطائفة الثانية:

تقدم أنَّ الروايات الواردة في الشفعة ثلاثة، وفي منع فضل الماء واحدة، أما روايات الشفعة فهي:

الأولى: رواية الشيخ الكليني في ج5 ص 280:

(عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ [وهو أبن أبي الخطاب الثقة الجليل القدر] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالْمَسَاكِنِ وَقَالَ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، وَقَالَ إِذَا رُفَّتِ الْأُرَفُ وَحُدَّتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ)[1]

والإشكال في هذا السند في محمد بن عبد الله بن هلال، وفي عقبة بن خالد، أما الأول فلا نص على وثاقته، وقد وقع في أسانيد روايات كثيرة تبلغ 79 رواية كما ذكر السيد الخوئي قده، وتكررت كثيراً روايته عن عقبة بن خالد لأنه الراوي لكتابه، كما تكررت رواية محمد بن الحسين عنه كما في هذا السند، فهل يمكن إثبات وثاقته؟

هناك محاولة لإثبات وثاقته، وذلك باعتبار أنَّ الشيخ الطوسي في التهذيب ج4 ص257 الحديث 5 ذكر رواية بدأها بمحمد بن أحمد بن يحيى - صاحب نوادر الحكمة - عن محمد بن عبد الله بن هلال[2] ، والكبرى في كتاب نوادر الحكمة هي من استُثني فهو دليل على ضعفه، وعدم الاستثناء دليل على التوثيق - على رأي - وفي المقام روى عنه صاحب نوادر الحكمة مباشرة ولم يُستثنَ فيكون دليلاً على وثاقته.

والاشكال فيها - بعد تسليم الكبرى – هو احتمال السقط في سند هذه الرواية، بمعنى أنَّ هناك واسطة بين محمد بن أحمد بن يحيى وبين محمد بن عبد الله، وهو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب[3] ، كما هو موجود في أسانيد أخرى كما في ج2 من التهذيب ص 189:(محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد..)[4] ، بل هذا السند يتكرر كثيراً، فيحصل من ذلك الظن بسقوط الواسطة، وهو المناسب للطبقات أيضاً، وهذا ما يمنع من الاستدلال بهذه الرواية على وثاقة محمد بن عبد الله بن هلال، وهو ما استظهره بعض المحققين وجزم بوجود سقط في هذا السند.

نعم روى محمد بن عبد الله بن هلال كتاب عقبة بن خالد كما نص عليه الشيخ في الفهرست، وروى كتاب محمد بن عبد الله الهاشمي كما ذكره النجاشي، إلا أنه لا مجال لتوثيقه بشكل واضح.

وأما عقبة بن خالد الذي يتكرر ذكره في جميع روايات الشفعة، فلا اشكال في أنه من أصحاب الصادق (ع)، كما لا اشكال في روايته عنه كما نص عليه النجاشي والشيخ الطوسي، أما النجاشي فعنونه في كتابه، وذكر أنَّ له كتاب، وذكر طريقه إليه، وأما الشيخ الطوسي فذكره في الفهرست، وذكر أنَّ له كتاب وذكر طريقه إليه، وكذا البرقي ذكره في أصحاب الصادق (ع) ولكن لم ينص أحد على وثاقته، نعم هناك بعض الروايات المتفرقة استفاد منها بعض الرجاليين وثاقته فلابد من النظر فيها، وهي:

الأولى: ما رواه الكشي، قال:

(حدثني محمد بن مسعود [أي العياشي الثقة]، قال: حدثني عبد الله بن محمد، عن الوشاء، قال: حدثنا علي بن عقبة [وهو بن عقبة بن خالد وهو ثقة بلا إشكال]، عن أبيه، قال، قلت لأبي عبد الله (ع): إنَّ لنا خادماً لا تعرف ما نحن عليه، فاذا أذنبت ذنباً وأرادت أن تحلف بيمين: قالت لا وحق الذي إذا ذكرتموه بكيتم، قال، فقال: رحمكم الله من أهل البيت.)[5]

ويلاحظ عليها: بأنه هو الراوي لهذه الرواية فلا يمكن إثبات وثاقته بها، كما أنَّ فيها عبد الله بن محمد وهو مشترك، كما لا دلالة فيها على التوثيق وإن اشتملت على دعاء الإمام (ع).

الثانية: ما رواه في الكافي ج4 ص34 الحديث4:

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ:

(دَخَلْتُ أَنَا وَاَلْمُعَلَّى وَعُثْمَانُ بْنُ عِمْرَانَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَلَمَّا رَآنَا قَالَ مَرْحَباً مَرْحَباً بِكُمْ وُجُوهٌ تُحِبُّنَا وَنُحِبُّهَا جَعَلَكُمُ اَللَّهُ مَعَنَا فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ نَعَمْ مَهْ، قَالَ إِنِّي رَجُلٌ مُوسِرٌ فَقَالَ لَهُ بَارَكَ اَللَّهُ لَكَ فِي يَسَارِكَ، قَالَ وَيَجِيءُ اَلرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي اَلشَّيْءَ وَلَيْسَ هُوَ إِبَّانُ [أوان] زَكَاتِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اَلْقَرْضُ عِنْدَنَا بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَاَلصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ وَمَاذَا عَلَيْكَ إِذَا كُنْتَ كَمَا تَقُولُ مُوسِراً أَعْطَيْتَهُ فَإِذَا كَانَ إِبَّانُ زَكَاتِكَ اِحْتَسَبْتَ بِهَا مِنَ اَلزَّكَاةِ، يَا عُثْمَانُ لاَ تَرُدَّهُ فَإِنَّ رَدَّهُ عِنْدَ اَللَّهِ عَظِيمٌ، يَا عُثْمَانُ إِنَّكَ لَوْ عَلِمْتَ مَا مَنْزِلَةُ اَلْمُؤْمِنِ مِنْ رَبِّهِ مَا تَوَانَيْتَ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُوراً فَقَدْ أَدْخَلَ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَقَضَاءُ حَاجَةِ اَلْمُؤْمِنِ يَدْفَعُ اَلْجُنُونَ وَ اَلْجُذَامَ وَ اَلْبَرَص.)[6]

ويلاحظ عليها: أنَّ في سندها سهل بن زياد، كما أنَّ الراوي لها هو عقبة بن خالد نفسه، وفي دلالتها على التوثيق نظر.

الثالثة: في الكافي ج3 ص128 باب ما يُعاين المؤمن والكافر:

(عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ اِبْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: يَا عُقْبَةُ لاَ يَقْبَلُ اَللَّهُ مِنَ اَلْعِبَادِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ إِلاَّ هَذَا اَلْأَمْرَ اَلَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَمَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَرَى مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهُ إِلاَّ أَنْ تَبْلُغَ نَفْسُهُ إِلَى هَذِهِ ثُمَّ أَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى اَلْوَرِيدِ، ثُمَّ اِتَّكَأَ، وَكَانَ مَعِيَ اَلْمُعَلَّى فَغَمَزَنِي أَنْ أَسْأَلَهُ، فَقُلْتُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ فَإِذَا بَلَغَتْ نَفْسُهُ هَذِهِ أَيَّ شَيْءٍ يَرَى؟ فَقُلْتُ لَهُ بِضْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً أَيَّ شَيْءٍ فَقَالَ فِي كُلِّهَا يَرَى وَلاَ يَزِيدُ عَلَيْهَا، ثُمَّ جَلَسَ فِي آخِرِهَا فَقَالَ يَا عُقْبَةُ فَقُلْتُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَقَالَ أَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تَعْلَمَ فَقُلْتُ نَعَمْ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ إِنَّمَا دِينِي مَعَ دِينِكَ فَإِذَا ذَهَبَ دِينِي كَانَ ذَلِكَ كَيْفَ لِي بِكَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ كُلَّ سَاعَةٍ وَبَكَيْتُ فَرَقَّ لِي، فَقَالَ يَرَاهُمَا وَاَللَّهِ فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي مَنْ هُمَا؟ قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، يَا عُقْبَةُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ أَبَداً حَتَّى تَرَاهُمَا، قُلْتُ فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِمَا اَلْمُؤْمِنُ أَيَرْجِعُ إِلَى اَلدُّنْيَا؟ فَقَالَ لاَ يَمْضِي أَمَامَهُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِمَا مَضَى أَمَامَهُ، فَقُلْتُ لَهُ يَقُولاَنِ شَيْئاً؟ قَالَ نَعَمْ يَدْخُلاَنِ جَمِيعاً عَلَى اَلْمُؤْمِنِ فَيَجْلِسُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عِنْدَ رَأْسِهِ وَعَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَيُكِبُّ عَلَيْهِ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَيَقُولُ يَا وَلِيَّ اَللَّهِ أَبْشِرْ أَنَا رَسُولُ اَللَّهِ إِنِّي خَيْرٌ لَكَ مِمَّا تَرَكْتَ مِنَ اَلدُّنْيَا، ثُمَّ يَنْهَضُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَيَقُومُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ حَتَّى يُكِبَّ عَلَيْهِ فَيَقُولُ يَا وَلِيَّ اَللَّهِ أَبْشِرْ أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ اَلَّذِي كُنْتَ تُحِبُّهُ أَمَا لَأَنْفَعَنَّكَ، ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا فِي كِتَابِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قُلْتُ: أَيْنَ جَعَلَنِيَ اَللَّهُ فِدَاكَ هَذَا مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ؟ قَالَ فِي يُونُسَ قَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَاهُنَا: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴿٦٣﴾ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴿٦٤﴾﴾)[7]


[3] طبعات الكتاب مختلفة في ذكر السند، وهذه الملاحظة بحسب طبعة دار الكتب الاسلامية بتحقيق وتعليق السيد حسن الموسوي الخرسان، وتصحيح الشيخ علي الآخوندي، واما طبعة مكتبة الصدوق بتحقيق علي أكبر الغفاري ج4 ص328 فالواسطة (محمد بن الحسين) موجودة.
logo