« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

التهافت المدعى بين روايات الطائفة الثانية:

وهي عبارة عن أربع روايات، ثلاثة منها ترتبط بالشفعة، وواحدة ترتبط بمنع فضل الماء، أما روايات الشفعة فهي:

الأولى ما رواه الشيخ الكليني: عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالْمَسَاكِنِ وَقَالَ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، وَقَالَ إِذَا رُفَّتِ الْأُرَفُ وَحُدَّتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ)[1]

الثانية ما رواه الشيخ الصدوق في الفقيه، قال: وَرَوَى عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ‌: (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالْمَسَاكِنِ وَقَالَ لَا ضَرَرَ وَلَا إِضْرَارَ)، (وَقَالَ الصَّادِقُ (ع‌) إِذَا أُرِّفَتِ الْأُرَفُ وَحُدَّتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ)[2]

ولم يذكر الشيخ الصدوق طريقاً في المشيخة الى عقبة بن خالد.

الثالثة: ما رواه الشيخ الطوسي في التهذيب، قال: محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه ‌السلام قال: (قضى رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله بالشفعة بين الشركاء في الارضين والمساكن وقال: لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا أُرفت الأُرف وحُدَّت الحدود فلا شفعة)[3]

وهو مشابه لما ذكره الشيخ الكليني.

وتقدم أنَّ هذه الروايات غير تامة سنداً من جهة محمد بن عبد الله بن هلال وعقبة بن خالد، ومن هنا حاول البعض التعويض بما ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست[4] عند ذكر طريقه الى عقبة بن خالد فإنه يمر بالشيخ الصدوق، وهذا يعني أنَّ الشيخ الطوسي يروي عن عقبة بن خالد بتوسط الشيخ الصدوق، فيثبت بذلك طريق للشيخ الصدوق الى عقبة بن خالد.

ولكنه - ولو تم كبروياً - غير نافع لأنَّ عقبة بن خالد لم تثبت وثاقته، وكذا محمد بن عبد الله بن هلال.

وعلى كل حال وقع الكلام في ارتباط قاعدة لا ضرر المذكورة في هذه الروايات بالحكم بالشفعة للشريك، فهل في هذه الروايات ظهور في ارتباط القاعدة بهذا الحكم أو لا ظهور لها في ذلك؟

والسبب في ذلك هو أنَّ بعض المحققين[5] استظهر من جملة (لا ضرر) إرادة النهي التكليفي التحريمي عن الاضرار فقط، ومن الواضح أنَّ الارتباط المشار إليه على تقديره يمنع من حمل القاعدة على إرادة الحكم التكليفي فقط، لأنَّ الذي يثبت بذلك هو حرمة الاضرار، فإذا كان بيع المالك لحصته المشاعة فيه اضرار بالشريك فيكون حراماً تكليفاً فقط من دون أن يثبت حق للشريك في منع المالك من البيع، بينما المقصود بالشفعة هو ثبوت حق للشريك في منع هذا البيع، بل انتقال الحصة إليه بالثمن المسمى في البيع، وهذا لا يثبت إذا حملنا القاعدة على الحكم التكليفي، وإنما يثبت إذا حملناها على إرادة نفي الحكم الضرري، باعتبار أنَّ سلطنة المالك على حصته المشاعة ببيع ونحوه فيها إضرار بالشريك فيكون مرتفعاً بالقاعدة، فلا سلطنة له على البيع إذا منع الشريك، فيثبت حق للشريك إذا منع من البيع.

ومن هنا وقع السؤال أنه كيف يمكن الجمع بين حمل لا ضرر ولا ضرار على الحكم التكليفي وبين إثبات حق للشريك في المنع من البيع؟

حاول هذا المحقق فك الارتباط بينهما وادعى بأنَّ ما ورد في هذه الروايات من الجمع بين لا ضرر ولا ضرار وبين الحكم بالشفعة ومنع فضل الماء إنما هو من باب الجمع في الرواية، بمعنى أنَّ القاعدة صدرت منفصلة عن موردي الشفعة ومنع فضل الماء، لكن الراوي جمع بين رواية القاعدة وبين روايتي الشفعة ومنع فضل الماء، وليس من باب الجمع في المروي بمعنى أنَّ قوله (لا ضرر ولا ضرار) هو جزء من قضائه في الموردين.

وقبل أن نذكر ما استدل به على مدعاه من فك الارتباط بين الجملتين لابد من الاشارة الى احتمال أن يكون السبب في هذه الدعوى أحد أمرين:

أحدهما ما تقدم من أنَّ الارتباط وافتراض الجمع بين الأمرين من باب الجمع في المروي، وهو لا ينسجم مع فرض ارادة الحرمة التكليفية من جملة لا ضرر ولا ضرار.

والآخر هو دعوى عدم صحة تطبيق القاعدة على هذين الموردين، أما الشفعة فيدل على عدم صحة التطبيق أمران:

الأول: أنَّ بين موارد ثبوت حق الشفعة وبين تضرر الشريك بالبيع عموم من وجه، فقد يتضرر الشريك من البيع لكن لا يكون له حق الشفعة كما إذا تعدد الشريك، وقد يثبت هذا الحق ولا يتضرر كما إذا فرضنا أنَّ البائع كان مؤذياً لشريكه وكان المشتري منه مؤمناً محسناً للشريك، وربما يجتمعان، وعليه لا يصح ادراج الحكم بثبوت الشفعة تحت كبرى قاعدة لا ضرر وتعليل ثبوت الحق بها.

الثاني: إنَّ مفاد القاعدة على الرأي الآخر هو إما هو نفي الحكم الضرري وإما نفي الموضوع الضرري بأن يُراد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، وفي موارد ثبوت حق الشفعة الضرر الوارد على الشريك إنما يأتي من قِبل بيع شريكه حصته المشاعة، فإذا كان ذلك مورداً للقاعدة لزم الحكم ببطلان البيع وارتفاع جوازه وضعاً لأنَّ الضرر حصل بسببه،

دون إثبات حق الشفعة للشريك والتملك بدفع المسمى!


[5] وهو شيخ الشريعة الأصفهاني في رسالته: قاعدة لا ضرر ولا ضرار.
logo