« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

المقام الثاني: في دعوى التهافت بين الروايات المُستدل بها على قاعدة لا ضرر:

والأخبار كما تقدم على طوائف ثلاثة، الأولى التي تحدثت عن قضية سمرة بن جندب، وفيها ثلاث روايات:

الأولى: صحيحة زرارة التي رواها المشايخ الثلاثة، لكن نقلها في الكافي والتهذيب يختلف عن نقلها في الفقيه، من جهة فاء التفريع في قوله (فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) فهي موجودة في نقل الكافي والتهذيب دون الفقيه، وهذا أحد مناشئ دعوى التهافت في هذه الروايات.

الثانية: رواية عبد الله بن مسكان عن زرارة التي رواها الشيخ الكليني في الكافي، والوارد فيها هو (إِنَّكَ رَجُلٌ مُضَارٌّ، ولَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ عَلَى مُؤْمِنٍ)، ومنشأ دعوى التهافت فيها هو زيادة (عَلَى مُؤْمِنٍ) وهي غير موجودة في باقي الروايات.

الثالثة: رواية أبو عبيدة الحذاء والوارد فيها هو (مَا أَرَاكَ يَا سَمُرَةُ إِلَّا مُضَارّاً، اذْهَبْ يَا فُلَانُ فَاقْطَعْهَا واضْرِبْ بِهَا وَجْهَهُ‌.) وهي خالية عن لفظ القاعدة أي لا ضرر ولا ضرار، فصار ذلك منشأً لدعوى للتهافت.

ومن هنا قالوا بوقوع التهافت من وجوه ثلاثة:

الأول: عدم وجود فقرة (لا ضرر ولا ضرار) في رواية الحذاء، بخلاف باقي الروايات مع أنها تتحدث في نفس الواقعة وتنقل كلاماً لرسول الله (ص).

الثاني: فاء التفريع الموجودة في الكافي والتهذيب حسب نقلهما للرواية الأولى، وغير موجودة بحسب نقل الشيخ الصدوق لها.

الثالث: زيادة كلمة (على مؤمن) في رواية ابن مسكان عن زرارة وخلو سائر الروايات عنها.

أما المنشأ الأول فقد يقال إنَّ عدم وجود لفظ القاعدة في رواية الحذاء لا يُعد تهافتاً وذلك باعتبار أنَّ الروايات تحكي واقعة واحدة والحاكي لها هو الامام عليه السلام، ولا مانع من افتراض أنه يحكي في رواية جزءاً مما حصل باعتبار تعلق غرضه به ولا ينقل جزءاً آخر لعدم تعلق غرضه به، ثم يحكي في رواية أخرى تمام ما حصل.

وبعبارة أخرى إنَّ رواية الحذاء ليس فيها شهادة على نفي هذه الزيادة حتى تكون منافية للروايات التي ذُكرت فيها، وإنما هي ساكتة عنها.

وأما المنشأ الثاني فيقال إنَّ وجود الفاء يجعل الرواية ظاهرة في كون القاعدة تعليلاً للأمر بقلع النخلة ورميها إليه، أي يُستدل بالقاعدة على جواز القلع، بينما لا يُستفاد من نقل الشيخ الصدوق هذا المعنى، ومن هنا يأتي احتمال أن يكون قوله (لا ضرار ولا ضرار) في ذيل الرواية تعليلاً للحكم التكليفي المستفاد منه قوله (اسْتَأْذِنْ عَلَيْهِ) فالدليل على وجوب الاستئذان هو قوله (لا ضرر ولا ضرار)، كما يُحتمل أن تكون خطاباً مستقلاً خصوصاً مع عطفه بــقوله (وقال).

لكن السؤال هنا: هل نقل الشيخ الصدوق للرواية يختلف عن نقل الشيخ الكليني، بنحو لا يُستفاد التعليل من نقل الشيخ الصدوق؟

نقل الشيخ الصدوق هو: (فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) الْأَنْصَارِيَّ أَنْ يَقْلَعَ النَّخْلَةَ فَيُلْقِيَهَا إِلَيْهِ وَقَالَ لَا ضَرَرَ ولَا إِضْرَارَ)[1] ، والظاهر منه أنه في مقام الاستدلال على جواز القلع ولا مانع من حملها على ذلك، فيتحد مفادها مع ما ذكره الشيخ الكليني والشيخ الطوسي في التهذيب، نعم لا إشكال في أنَّ فاء التفريع تجعل التعليل أوضح، ولكن لا يمنع من استظهاره من الرواية الخالية عنها، بل لو فُرض عدم ظهور ما نقله الشيخ الصدوق في ارتباط الفقرة بمسألة قلع النخلة فمع ذلك نقول لا تهافت بين النقلين، لأنه ليس ظاهراً بعدم الارتباط وإن لم يكن ظاهراً في الارتباط، أي أنَّ العبارة يحتمل فيها الارتباط كما يحتمل فيها عدم الارتباط، فليس لها ظهور في عدم الارتباط ليقع التهافت مع ما نقله الشيخ الكليني والشيخ الطوسي.

هذا مضافاً الى أنه يحتمل أن يكون حذف الفاء من جهة أنَّ المقصود ليس هو نقل لفظ الرواية، بل المقصود نقل فعل الرسول (ص) لأنه قال: (فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) الْأَنْصَارِيَّ أَنْ يَقْلَعَ النَّخْلَةَ فَيُلْقِيَهَا إِلَيْهِ)، وعلى هذا لا يمكن ربط نفي الضرر بفاء التفريع.

وأما المنشأ الثالث – وهو المهم – فهو التهافت بلحاظ الزيادة، وهو مبني على دعوى ظهور الفقرة المشتملة على قيد (على مؤمن) في مجرد الحرمة التكليفية، في حين أنَّ الفقرة بدونها لا تُفيد ذلك وإنما تُفيد نفي الحكم الضرري، اللهم إلا أن يقال بصدور الفقرة مرتين تارة بنحو الخطاب الى سمرة بن جندب مع الزيادة لبيان حرمة ما فعله، وأخرى بنحو الخطاب الى الأنصاري بدون هذه الاضافة لإثبات جواز القلع.

ويلاحظ عليه: إنَّ الرواية المشتملة على قيد (على مؤمن) غير تامة سنداً فلا يمكن إثبات الزيادة، لا بملاحظة قواعد تصحيح الأسانيد ولا بملاحظة التواتر أو الاطمئنان، لوضوح عدم تواتر هذا القيد، بخلاف قيد (في الاسلام) المدعى فيه التواتر كما سيأتي.

وعليه فالكلام يقع على فرض صحة هذه الرواية سنداً، فنقول:

من الواضح أنَّ الأمر يدور بين الزيادة والنقيصة، فهل تقدم الرواية المشتملة على الزيادة على سائر الروايات الخالية منها على أساس القاعدة القائلة إذا وقع التعارض بين أصالة عدم الزيادة وبين أصالة عدم النقيصة فالتقديم لأصالة عدم الزيادة كما نُسب الى المشهور، أو لا؟

لا إشكال في حصول التعارض بين الروايتين في كيفية النقل لتكاذبهما، ومقتضى القواعد الأولية هو تطبيق قواعد باب التعارض عليهما، فنلتزم بالترجيح إن وجد المرجح، وإلا فنلتزم بالتساقط بلحاظ هذه الفقرة، وهذا يعني الالتزام عملاً بعدم ثبوت الفقرة من دون الالتزام بالنقيصة.

ادعي هنا وجود قاعدة ثانوية تقتضي تقديم احتمال وجود الزيادة على احتمال عدم وجودها، ونُسب ذلك الى المشهور، ويُستدل له بوجوه:

الوجه الأول: وحاصله: إنَّ الرواية المشتملة على الزيادة صريحة في وجودها في حين أنَّ الروايات الخالية من الزيادة ظاهرة في عدم وجود الزيادة، من جهة الاطلاق السكوتي وعدم نقلها عدم الزيادة، وحينئذٍ يجمع بينهما جمعاً عرفياً بحمل الظاهر على الصريح، فتثبت بذلك الزيادة.


logo