« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/11/20

بسم الله الرحمن الرحيم

/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/

 

انتهينا الى ما إستثناه المحق النائيني من عدم وجوب الفحص، حيث قال إنَّ الشبهة الموضوعية لا يجب فيها الفحص لكن تُستثنى منها حالتان يجب فيهما الفحص:

الحالة الأولى: ما إذا كان امتثال التكليف يتوقف على الفحص غالباً لأنَّ موضوعه من الموضوعات التي لا يحصل العلم بها إلا بالفحص، كالاستطاعة لوجوب الحج، والنصاب لوجوب الزكاة، والزيادة على المؤونة لوجوب الخمس، بخلاف ما يُعلم بها من دون فحص كوجود الماء بالنسبة الى وجوب الوضوء، والطهارة من الحيض بالنسبة الى وجوب الصلاة، مما يُعلم بها عادة من دون فحص، واستدل عليه بأنَّ ترك الفحص يؤدي الى وقوع مخالفة التكليف كثيراً، وادعى وجود ملازمة عرفية بين تشريع مثل هذه التكاليف وبين إيجاب الفحص.

الحالة الثانية: ما إذا كانت مقدمات العلم كلها متوفرة ما عدا بعض الأمور البسيطة مثل النظر.

وناقش السيد الخوئي في كلتا الحالتين:

أما الحالة الأولى فالكبرى وإن كانت مسلَّمة إلا أنَّ انطباقها على ما ذكره من الأمثلة ممنوع، وذلك باعتبار أنَّ بلوغ النصاب وتحقق الاستطاعة قد يحصل العلم بها أو يحصل العلم بعدمها بها من دون توقف على الفحص كما يشهد به الوجدان، وقد يشك المكلف في بلوغ النصاب وتحقق الاستطاعة ويتوقف العلم بها على الفحص، إلا أنَّ التوقف على الفحص أحياناً لا يستلزم وجوب الفحص، وإلا لوجب الفحص في معظم الموضوعات.

وظاهر كلامه هو الموافقة على الكبرى، كما أنَّ ظاهره هو الموافقة على الملازمة العرفية التي ادعاها المحقق النائيني.

وقد يتوهم: أنَّ ما ذُكر في الشبهة الموضوعية يمكن اجراؤه في الشبهة الحكمية، فيُستدل بنفس الدليل لإثبات وجوب الفحص في الشبهة الحكمية، وذلك بأن يقال:

إنَّ العلم بالحكم الشرعي يتوقف على الفحص غالباً، فكل حكم يتوقف العلم به على الفحص غالباً يجب فيه الفحص، كما قيل في الموضوعات في الشبهة الموضوعية بلا فرق بينهما.

ويلاحظ عليه: بأنَّ هذا الوجه الذي ذُكر لإثبات وجوب الفحص في بعض الشبهات الموضوعية مختص بها لأنَّ المفروض فيها العلم بالحكم الشرعي فيمكن القول بالملازمة العرفية بين تشريع هذا الحكم وبين إيجاب الفحص عن موضوعه، وأما في الشبهة الحكمية فلا علم بالحكم والتشريع حتى تُدعى فيه هذه الملازمة.

وأما المناقشة في الأمثلة التي ذكرها المحقق النائيني فإنها تتم فيما إذا كان التوقف اتفاقي، وإنما تدعى الملازمة إذا كان التوقف دائمياً أو غالبياً، فالمناقشة تكون في أنَّ افتراض التوقف هل هو دائمي أو اتفاقي، والسيد الخوئي افترض التوقف الاتفاقي فلا تثبت الملازمة العرفية، فالمناقشة تكون في هذه الامثلة، ففي باب الحج هل العلم بالاستطاعة لنوع المكلفين يتوقف على الفحص غالباً أو أحياناً، وكذا سائر الأمثلة.

والجواب عنه إنَّ الفحص يتخلف باختلاف الأزمنة والظروف، فقد لا يحصل العلم بالاستطاعة في الأزمنة السابقة إلا بالفحص وأما في هذه الأزمنة فيعلم بتحقق الاستطاعة بلا حاجة الى الفحص، وهكذا في تحقق نصاب الغنم فربما توقف على العد والاحصاء في الأزمنة السابقة، لكنه في هذه الأزمنة يعلم ما يملكه من الغنم عادة، فلا توقف دائمي على الفحص، والتوقف الاتفاقي لا ينتج وجوب الفحص كما تقدم.

وأما الحالة الثانية فناقش السد الخوئي فيها بإنَّ مجرد النظر من دون إعمال مقدمات أخرى وإن كان لا يُعد من الفحص إلا أنَّ (الفحص) بعنوانه لم يرد في الأدلة ولم يؤخذ في لسان الدليل حتى يكون الاعتبار بصدقه عرفاً، بل المأخوذ في أدلة البراءة هو عنوان (الجاهل) و (غير العالم) ولا شك في صدق هذا العنوان في محل الكلام، فيمكن التمسك بدليل البراءة فتجري في حقه ولا يجب عليه الفحص، ولا دليل على وجوب النظر حتى يكون مقيداً لإطلاق دليل البراءة.

ويلاحظ عليه: سلَّمنا صدق عنوان (الجاهل) وعنوان (غير العالم) على المكلف في هذه الأمثلة لكن الكلام في أنَّ البراءة العقلية هل تشمل هذا النحو من الجهل الذي يزول بمجرد النظر أو لا ؟

قد يقال بعدم الشمول لقصور البراءة العقلية عن شمول مثل هذا الجهل، وذلك باعتبار وجود ارتكاز عقلائي على أنَّ ترك الفحص بهذا المقدار يُعد تهرباً وفراراً من التكليف، والعقلاء لا يرونه معذوراً، وهذا يوجب قصور أدلة البراءة عن الشمول لمثله.

وبعبارة أخرى إنَّ البراءة العقلية تعني معذورية الجاهل فإذا كان هناك ارتكاز عقلائي على أنَّ الجاهل إذا ترك الفحص بهذا المقدار وخالف الواقع لا يكون معذوراً فإنَّ لازم ذلك هو أنَّ ما يحكم العقل بمعذوريته هو غير هذا الجاهل فلا تشمله البراءة العقلية.

 

logo