« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/

 

كان الكلام فيما يُستدل به على جوب الفحص، وتقدم الكلام عن الوجه الأول وهو العلم الإجمالي، وانتهينا الى انحلاله فلا يمكن إثبات وجوب الفحص بهذا الوجه.

الوجه الثاني: الآيات والروايات الدالة على وجوب الفحص مقدمة للعمل.

فمنها قوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[1] ، وهي صريحة في وجوب التعلم على الجاهل، فلا بد من الفحص.

ومن الروايات معتبرة مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ (قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ) وقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ (تَعَالَى): ﴿فَلِلّٰهِ اَلْحُجَّةُ اَلْبٰالِغَة﴾ فَقَالَ: إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ: عَبْدِي أَ كُنْتَ عَالِماً، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ: أَ فَلاَ عَمِلْتَ بِمَا عَلِمْتَ، وإِنْ قَالَ: كُنْتُ جَاهِلاً، قَالَ لَهُ: أَ فَلاَ تَعَلَّمْتَ حَتَّى تَعْمَلَ، فَيَخْصِمُهُ فَتِلْكَ اَلْحُجَّةُ اَلْبَالِغَة.)[2]

وفيها دلالة واضحة على وجوب التعلم عند الجهل، وهذا دليل على عدم جواز الرجوع الى البراءة قبل الفحص.

وإذا ثبت وجوب الفحص وعدم جريان البراءة قبله فتختص أدلة البراءة بما بعد الفحص، ولا يكون لها إطلاق لحالة ما قبل الفحص.

الاعتراضات على هذا الوجه:

الأول: إنَّ هذه الأدلة إنما تنفع على تقدير الوصول الاتفاقي، بمعنى أنها إذا وصلت الى المكلف اتفاقاً وتمت عنده سنداً ودلالة فيجب عليه التعلم ولا يجوز له إجراء البراءة، وأما من لم يطلع على هذه الأدلة فلا تنفع لإثبات وجوب الفحص عليه، نعم إذا كان هناك منجِّز في رتبة سابقة فيكون هو الدال على وجوب الفحص وليس هذه الأدلة.

وفيه: إنها تنفع في حالة وجود منجِّز لوجوب الفحص وهو حكم العقل بوجوب الاحتياط، فإنَّ المكلف إذا احتمل عموم أدلة البراءة للشبهات الحكمية قبل الفحص بحيث تكون حاكمة على حكم العقل ورافعة لموضوعه وجب عليه الفحص عن المخصصات والمقيدات، لأنَّ حجية الاطلاق والعموم مشروطة بالفحص عن المخصص والمقيِّد، وهذه المخصصات والمقيدات تعتبر مانعة من جريان البراءة قبل الفحص، فلا يصح ما ذُكر في الاعتراض من أنها لا تنفع إلا على تقدير الوصول الاتفاقي، بل يجب عليه الفحص عنها.

الاعتراض الثاني: وهو ما عن المحقق العراقي في بعض كلماته[3] ، وحاصله:

إنَّ الأدلة المُستدل بها على وجوب الفحص لا تصلح لتقييد أدلة البراءة الشرعية في الشبهات البدوية لظهورها في الارشاد الى حكم العقل بلزوم الفحص، فيرد عليها ما ورد على حكم العقل من أنَّ إطلاق أدلة البراءة يكون رافعاً لموضوع الحكم العقلي بلزوم الفحص، فكذا يكون رافعاً لموضوع هذه الأدلة فلا يصح الاستدلال بها على وجوب الفحص، نعم إذا ثبت في رتبة سابقة أنَّ أدلة البراءة لا إطلاق فيها وأنها مختصة بما بعد الفحص فلا يرتفع موضوع الحكم العقلي.

وبعبارة أخرى: إنَّ حكم العقل بلزوم الفحص ليس تنجيزياً بل هو تعليقي فتكون هذه الأدلة - إذا كانت إرشاداً الى حكم العقل - تعليقية أيضاً، ويكون إطلاق دليل الأصل المؤمِّن وارداً عليها، فلا يصح الاستدلال بها على وجوب الفحص في الشبهات البدوية التي هي محل الكلام.

ويلاحظ عليه:

أولاً: أنَّ لازم ما ذُكر هو أنَّ أدلة وجوب الفحص لا تشمل الشبهات البدوية، لأنَّ إطلاق أدلة البراءة يكون حاكماً على هذه الأدلة ورافعاً لموضوعها، وحينئذٍ يكون وجوب الفحص ثابتاً بنكتة منجزية العلم الإجمالي، وهذا خلاف ظاهر هذه الأدلة، قال المحقق الخراساني:

(.. لقوة ظهورها – أي الأدلة المستدل بها على وجوب التعلم - في أنَّ المؤاخذة والاحتجاج بترك التعلم فيما لم يُعلم، لا بترك العمل فيما عُلم وجوبه ولو اجمالاً ..)[4] ، أي أنَّ هذه الأدلة ظاهرة في أنَّ العتاب والمؤاخذة ثابت على ترك التعلم في حالة الجهل، أي ثابت بنكتة عدم معذورية الجاهل، وليس ثابتاً على ترك العمل عند العلم بالتكليف ولو إجمالاً، أي ليس بنكتة منجزية العلم الإجمالي، فيكون حمل هذه الأدلة على أنَّ وجوب الفحص ثابت بنكتة منجزية العلم الإجمالي خلاف الظاهر.


[3] نهاية الأفكار، البروجردي، ج3 ص474.
logo