46/11/09
/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/
تنبيه:
ليس المقصود من الوجه الأخير الذي ذكرناه - وقلنا أنه ينتج عدم الانحلال لا حقيقة ولا حكماً - نسبته بكلا شقيه الى المحقق العراقي فإنه يقول بعدم الانحلال الحقيقي لاشتراطه نظر العلم التفصيلي الى العلم الإجمالي، وهو غير حاصل في محل الكلام، وأما الشق الآخر - أي عدم الانحلال الحكمي - فلا ننسبه إليه وإنما هو مبني على مسلك الاقتضاء في منجزية العلم الإجمالي والذي يعني أنَّ تنجيز العلم الإجمالي مرهون بتعارض الاصول في الأطراف، وأما مع عدم تعارضها كما لو منع مانع من جريان الأصل في أحد الطرفين فلا مانع من جريان الأصل في الطرف الآخر، مع الالتفات الى أنَّ المحقق العراقي يبني على مسلك العلية.
أما الانحلال الحقيقي فيمكن تقريبه بما ذكرناه من أنه لا يُشترط فيه نظر العلم التفصيلي الى العلم الإجمالي ولا تعيين معلومه في أحد الاطراف، بل يكفي فيه أن يكون عنوانهما واحداً مع احتمال تطابقهما، وتطبيقه في محل الكلام بأن يقال إنَّ المعلوم بالإجمال هو وجود جملة من الأحكام الواقعية الالزامية في ضمن الأمارات الموجودة في الكتب الواصلة إلينا والمعلوم بالتفصيل بعد الفحص هو نفس هذا العنوان وهذا يوجب الانحلال الحقيقي.
وأما الانحلال الحكمي الذي ادعي عدم تحققه في المقام فباعتبار عدم تحقق شرطه وهو المعاصرة بين العلمين، أي أنه مشروط بتقدم العلم التفصيلي على العلم الإجمالي، فإنَّ العلم الاجمالي لا ينجِّز كلا الطرفين بعد تنجُّز التكليف في أحد الطرفين بعينه بعلم تفصيلي سابق عليه لأنَّ المتنجِّز لا يتنجَّز مرة أخرى، فيختل شرط منجزية العلم الإجمالي - وهو أن يكون منجِّزاً على كل تقدير - فيسقط عن المنجزية، فلا مانع من إجراء الأصل المؤمِّن في الطرف الآخر وهو معنى الانحلال الحكمي، ويقال إنَّ هذا الشرط غير متحقق في محل الكلام لتأخر العلم التفصيلي عن العلم الإجمالي لحصوله بعد الفحص.
وفي مقام المناقشة نقول إنَّ الانحلال الحكمي له تقريبان مبنيان على مسلك الاقتضاء ومسلك العلية:
التقريب الأول: المبني على مسلك الاقتضاء، فيقال إنَّ منجزية العلم الإجمالي تدور مدار تعارض الأصول في الأطراف وتساقطها، وحيث لا يجري الأصل في الطرف المعلوم بالتفصيل فيجري في الطرف الآخر بلا معارض، فلا يكون منجِّزاً فيتحقق حينئذٍ الانحلال الحكمي.
التقريب الثاني: المبني على مسلك العلية، وهو أن يقال إنَّ منجزية العلم الإجمالي لأطرافه مشروطة بأنَّ يكون صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير، فإذا كان أحد أطرافه منجَّزاً بالعلم التفصيلي لم يكن العلم الإجمالي منجِّزاً لمعلومه على كل تقدير، لأنَّ المتنجِّز لا يتنجَّز، فيسقط عن المنجزية وهو معنى الانحلال الحكمي.
ويلاحظ عليه: بأنَّ الانحلال الحكمي غير متحقق في محل الكلام لأنه مشروط بتقدم العلم التفصيلي على العلم الإجمالي، وأما إذا كان العلم التفصيلي متأخراً عن العلم الاجمالي فيكون العلم الإجمالي منجِّزاً ولا يتحقق الانحلال الحكمي، وتوضيح ذلك:
أما على مسلك الاقتضاء فباعتبار أنَّ الأصل في الطرف الآخر معارض بالأصل في الطرف الأول بلحاظ فترة ما قبل حصول العلم التفصيلي، فإنا إذا أخذنا من هذا الطرف فترة ما قبل حصول العلم التفصيلي وأخذنا من الطرف الآخر الفترة الزمنية على امتدادها فيحصل العلم الإجمالي المنجِّز المانع من جريان الأصل في الطرفين، لأنَّ الأصل كما يجري في الطرف الآخر كذلك يجري في هذا الطرف بلحاظ تلك الفترة الزمنية، لأنَّ المنجزية المانعة من جريان الأصل تبدأ من حين حصول المنجِّز لا قبل ذلك، وعليه يتعارض الأصلان ويتنجَّز الطرف الآخر على امتداده فلا يجري فيه الأصل المؤمِّن، ومقتضاه عدم الانحلال الحكمي.
وأما على مسلك العلية فمع تأخر العلم التفصيلي عن العلم الاجمالي يكون الأخير المتقدم على العلم التفصيلي صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير بلحاظ فترة ما قبل حصول العلم التفصيلي في مورده، لأنَّه لم يتنجَّز في تلك الفترة بمنجِّزٍ لأنَّ العلم التفصيلي إنما ينجِّز من حين حدوثه، وعليه يكون العلم الإجمالي منجِّزاً للطرف الآخر في تمام الأزمنة فلا يجري فيه الأصل المؤمِّن، فلا ينحل العلم الإجمالي حكماً.
إذا عرفت ذلك نقول: إنَّ هذا الشرط - أي تقدم العلم التفصيلي على العلم الإجمالي - في الانحلال الحكمي غير متحقق في محل الكلام لأنَّ المفروض تأخر العلم التفصيلي عن العلم الاجمالي فلا يتحقق الانحلال الحكمي.
فالصحيح في محل الكلام إنَّ العلم الإجمالي بوجود تكاليف إلزامية واقعية ضمن الأمارات الموجودة في الكتب الواصلة إلينا ينحل حقيقة بالعثور على جملة من التكاليف الالزامية لا تقل عن المعلوم بالإجمال، لما عرفت من أنَّ الانحلال الحقيقي يكفي فيه أن يكون متعلق العلمين عنواناً واحداً مع احتمال تطابقهما وهو متحقق في المقام، نعم الانحلال الحكمي - على تقدير عدم تحقق الانحلال الحقيقي – غير متحقق كما عرفت.
وتبين مما تقدم أنَّ الصحيح هو ما ذهب إليه المحقق الخراساني في الكفاية من انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي المتأخر عنه، وأنه لا وجه لوجوب الفحص بعد الانحلال إذا كان الموجب للفحص هو العلم الإجمالي.