« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/

 

كان الكلام في اعتراض السيد الروحاني على إشكال المحقق النائيني، وذكرنا الملاحظة عليه، وحاصلها:

إنَّ المحقق النائيني يفترض أنَّ المنجَّز هو جميع الأفراد الواقعية لا خصوص الأفراد المعلومة، ففي مثال الغنم المتنجِّز هو الأفراد البيض بما لها من واقعية، فإذا علم بالتفصيل حرمة مقدار متيقن فلا ينحل العلم الإجمالي لتنجُّز التكليف في الباقي.

وكذا إذا علم بنجاسة جميع ثيابه وحصل له شك في أنها ثلاثة أو أربعة فإنَّ شكه وتردده إنما هو في مقدار ثيابه التي علم بنجاستها قطعاً، فإذا فحص وعثر على ثلاثة من ثيابه نجسة فإنَّ الفرد الزائد وإن كان لا علم بكونه من ثيابه التي علم بنجاستها لكنه يحتمل ذلك، والمفروض أنه يجب عليه اجتناب جميع ثيابه الواقعية حتى إذا استلزم ذلك اجتناب ما يشك في كونه منها - أي الزائد - لأجل تحصيل الموافقة القطعية لما تنجَّز عليه، ومجرد كون الفرد من أفراد العنوان المعلوم بالإجمال إنما يوجب الانحلال إذا كان العلم بالعنوان لا يُنجِّر إلا الأفراد المعلومة الفردية له دون المشكوكة، فإنه حينئذٍ إذا عثر على المقدار المتيقن من أفراد العنوان إنحل العلم الإجمالي لأنَّ الزائد على هذا المقدار يشك في كونه من أفراده أو لا، لكنك عرفت أنَّ الاشكال يبتني على دعوى أنَّ العلم بالعنوان يقتضي تنجيز جميع الأفراد الواقعية لا خصوص الأفراد المعلومة، نظير ما إذا علم بأنه مدين لزيد بمقدار من المال مسجل في دفتر الحسابات إلا أنه لا يتمكن من الوصول اليه، ودار أمر المال بين الأقل والأكثر فإنه حينئذٍ لا يجوز له الاقتصار على القدر المتيقن وينفي الزائد بالبراءة ما دام يحتمل أنه موجود في الدفتر، ولا يقين بالفراغ إلا بالاحتياط، وهذا خلاف ما إذا فرضنا أنه علم بأنه مدين لزيد إما بالأقل أو بالأكثر فلا إشكال في جواز الاقتصار على الأقل إذ لا منجِّز لجميع الأفراد الواقعية للدين.

ومنه يظهر أنهما يتفقان على أنَّ محل الكلام ما إذا كانت الأفراد المعلومة بالتفصيل من أفراد العنوان المعلوم بالإجمال وكان يُحتمل أنها تمام أفراده، وإنما يختلفان في أنَّ العلم بالعنوان - كالعلم بأنَّ البيض موطوءة إنسان أو العلم بأنَّه مدين لزيد أو العلم بنجاسة جميع ثيابه أو العلم بوجود أحكام واقعية في ضمن الأمارات الموجودة في الكتب المعتبرة - هل ينجِّز خصوص الأفراد التي يُعلم أنها من أفراده دون ما يُشك في فرديته له أو أنه يقتضي تنجيز جميع الأفراد الواقعية للعنوان؟ فالمحقق النائيني يرى الثاني ويمنع من جريان البراءة في الزائد على المتيقن لأنَّ الذمة اشتغلت بجميع الأفراد الواقعية للعنوان، وهذا الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وهو لا يكون إلا بالاجتناب عن المشتبه الزائد عن المتيقن ما دام يحتمل أنه من أفراد العنوان، وصاحب الاعتراض الثاني يرى الأول أي أنه لا ينجِّز إلا الأفراد المعلومة، فالمشكوك والمشتبه لا منجَّز له فتجري فيه البراءة وحينئذٍ يصح كلام المحقق الخراساني.

أقول: أما الفرض الأول الذي ذكره السيد الخوئي وهو ما إذا كان المعلوم بالإجمال له علامة وتميُّز ولم يكن مردداً بين الأقل والأكثر كالعلم بنجاسة إناء زيد الموجود ضمن عشرة آنية فليس محلاً للخلاف، إذ لا اشكال في عدم الانحلال بالعلم تفصيلاً بنجاسة إناء معين من الآنية من دون إحراز أنه إناء زيد، وإنما الخلاف في الفرض الثاني وهو إذا كان ما له العلامة مردداً بين الأقل والأكثر، كما في مثال الغنم وكما في محل الكلام، وهنا يرى المحقق النائيني أنَّ هذا التردد بين الأقل والأكثر لا يمنع من تنجيز العلم بالعنوان لجميع أفراده الواقعية، لأنه متأخر عن مرتبة حدوث العلم على ما تقدم، والسيد الخوئي يرى أنَّ هذا التردد يمنع من تنجيز العلم بالعنوان لجميع الأفراد وإنما ينجِّز خصوص الأقل، ويكون الشك في الزائد شكاً بدوياً يمكن الرجوع فيه الى أصالة البراءة.

والتعليق على ما تقدم:

إنَّ الشك والتردد بين الأقل والأكثر يكون في المعلوم بهذا العلم الإجمالي، فإذا علم بأنَّ البيض من الغنم موطوءة إنسان فهو وإن كان لا يشك في أنَّ (البيض) موطوءة إنسان لكن المعلوم بهذا العلم أي البيض الموطوءة هي مرددة بين الأقل والأكثر، أي أنه يعلم بأنَّ البيض المرددة بين الأقل والأكثر موطوءة إنسان ومحرمة الأكل، وهذا يعني أنَّ المعلوم بهذا العلم مردد بين الأقل والأكثر فلا يتنجز إلا الأقل.

وبعبارة أخرى: إنَّ البيض التي تعلق العلم بها هي عبارة عن الأفراد المتصفة بأنَّ لها لون أبيض وهي مرددة بين الأقل والأكثر، ولا يُراد بالبيض من الغنم مجرد العنوان، إذن العلم بأنَّ البيض محرمة الأكل إنما لا يكون فيه شك وتردد إذا لوحظ بما هو عنوان، ولكنك عرفت أنَّ العنوان لا معنى لكونه محرماً ولا معنى لكونه موطوءاً! وأما إذا لوحظ بما هو محرم الأكل فهو مردد بين الأقل والأكثر وهذا يعني أنَّ المعلوم في مرتبة العلم فيه إجمال وتردد بين الأقل والأكثر وهذا يسري الى نفس العلم، بمعنى أننا بالتحليل وبحسب الواقع نعلم قطعاً بحرمة الأقل وأما ما زاد عليه فهو مشكوك، فيصح كلام المحقق الخراساني، ومنه يظهر أنَّ الأقرب للتصديق هو ما ذكره السيد الخوئي.

logo