46/11/02
/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/ الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/
كان الكلام في الاعتراض الأول الذي ذكره المحقق الخراساني وانتهى الكلام الى الاشكال عليه من قبل المحقق النائيني والى الجواب عن هذا الاشكال، وأنه لا بد من التفريق بين حالتين والنظر أنَّ محل الكلام داخل في أي منهما، وهما:
الأولى: ما إذا كان المعلوم بالعلم الإجمالي الصغير مردد بين الأكثر من أول الأمر، ومثلنا له ما إذا علم بوجود موطوء في قطيع شياه مردد بين الأقل والأكثر.
الثانية: إنَّ المعلوم بالإجمال هو عنوان واقعي له أفراد واقعية فيتنجز على واقعه على المكلف غاية الأمر أنَّ أفراده مرددة بين الأقل والأكثر، فالمنجَّز هو عنوان (الشياه البيض).
وفي الحالة الأولى ينحل العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الصغير كما ذُكر ويرد الاشكال المتقدم فلا يُنجِّز العلم الإجمالي إلا الأقل، بل ليس لدينا علم إجمالي حقيقي وإنما هو علم اجمالي صوري، لأنَّ الأقل مقطوع به وإنما الشك في الزائد، فهذا العلم لا يُنجِّز إلا الأقل كما هو الحال في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر، فالمنجَّز هو حرمة أكل الأقل، فإذا علمنا بعد ذلك بأنَّ هذه الخمسة هي الموطوءة فينحل العلم الإجمالي قهراً، وأما الباقي فمشكوك تجري فيه البراءة.
وأما في الحالة الثانية فالمدعى هو عدم انحلال العلم الإجمالي بالعلم بخمسة من الغنم هي موطوءة انسان وذلك لأنَّ العلم الإجمالي في الحالة الثانية يستلزم تنجيز متعلقه بما له من العنوان على واقعه، أي أنه يوجب تنجيز التكليف المتعلق بأفراد البيض الواقعية، فلا ينحل بالعثور على جملة من الأفراد يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليها.
وحينئذٍ نقول في محل الكلام إذا كان المعلوم بالإجمال بالعلم الإجمالي الصغير مردداً من أول الأمر بين الأقل والأكثر فهنا ينحل العلم الإجمالي ويرد الاشكال، إذ لا يبقى ما يقتضي وجوب الفحص في باقي الشبهات، وأما إذا كان المعلوم الاجمال عنواناً واقعياً مثل (البيض) في الغنم وترددت أفراده بين الأقل والأكثر فلا ينحل هذا العلم بالعلم بالأقل - أي بموطوئية خمسة من الغنم - لأنَّ العلم الاجمالي هنا يستلزم تنجيز متعلقه بما له من العنوان على واقعه ، أي أنه يوجب تنجيز التكليف المتعلق بأفراد الغنم البيض الواقعية ، والمقام من هذا القبيل لأنَّ المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الصغير هو الأحكام الالزامية الموجودة في الكتب التي بأيدنا ولا نعلم بعددها وهو مردد بين الأقل والأكثر، وهذا يستلزم تنجيز جميع الإحكام الموجودة في ضمن هذه الكتب وعدم انحلال العلم الإجمالي بالعثور على جملة من الإحكام الالزامية يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليها، وتوضيح ذلك:
إنَّ الأمر في الحالة الأولى وإن كان دائراً بين الأقل والأكثر لكن ذلك بحسب الصورة والظاهر وأما في الواقع فالموجود هو علم بالأقل وشك في الزائد، فالمكلف لا يعلم إلا بحرمة الأقل وما زاد عليه يكون مشكوكاً من البداية، وهذا معناه أنَّ التردد والشك يقع في مرتبة العلم مما يعني أنَّ العلم في المقام ليس إلا عبارة عن قضية متيقنة وأخرى مشكوكة ، فإذا علم تفصيلاً بمقدار الأقل المعلوم بالإجمال انحل العلم الإجمالي وجاز الرجوع الى البراءة في الباقي قبل الفحص فيلزم الاشكال ، وأما في الحالة الثانية - أي كون المعلوم بالإجمال له علامة خاصة - فإنَّ الشك والتردد لم يكن متعلقاً بنفس ما تعلق به العلم بل يكون متعلقاً بالموجود من ذلك الذي تعلق به العلم ، ففي المثال السابق العلم متعلق بعنوان (البيض) الموجودة في القطيع وفي هذه المرتبة - أي مرتبة العلم بالبيض – لا ترى في علمك المذكور قضية متيقنة وأخرى مشكوكة بل في هذه المرتبة لا ترى إلا البيض وأنها موطوءة ومحرمة ، ثم بعد الالتفات الى عدد البيض يحصل الشك والتردد بين الأقل والأكثر، أي أنَّ شكك في عدد البيض يتعلق بها بعد الفراغ عن تعلق العلم بالبيض.
والحاصل: إنَّ العلم الإجمالي في الحالة الأولى يكون في مرتبة حدوثه منحلاً الى قضية متيقنة وأخرى مشكوكة، بخلافه في الحالة الثانية فإنَّ العلم فيها في مرتبة حدوثه لا يُرى إلا قضية واحدة متيقنة غير مشكوكة، وإنما يكون الشك متعلقاً بمقدار الموجود من موضوع تلك القضية المتيقنة، وعليه يقال إنَّ العلم بمقدار المعلوم بالإجمال - الذي هو الأقل في الحالة الأولى - يكون موجباً لانحلال العلم الإجمالي فلا موجب للفحص في سائر فيرد الاشكال.
وأما في الحالة الثانية فلا يكون العلم بالأقل موجباً لانحلال العلم الإجمالي لأنَّ المفروض أنه نجَّز حرمة الأفراد البيض من القطيع على واقعها فلا بد من الاجتناب عنها ، وحيث أنه يحتمل وجودها في الباقي بعد العلم بالأقل فلا يجوز اجراء البراءة في الباقي قبل الفحص.
وفي المقام يكون المعلوم بالإجمال هو الأحكام الالزامية ضمن الأمارات الموجودة في الكتب المعتبرة ، أي الأحكام المعنونة بهذا العنوان ، أي أنَّ المعلوم بالإجمال له علامة خاصة فيكون منجَّزاً بهذا العنوان ، فإذا فحص الفقيه وعثر على المقدار المعلوم بالإجمال من الإحكام الالزامية لم يكن له الرجوع الى البراءة في الزائد من دون فحص لأنَّ التكليف المعنون بهذا العنوان لما تنجَّز على المكلف وهو محتمل الانطباق على الزائد فلا تجري حينئذٍ البراءة فيما زاد على المعلوم بالتفصيل.