46/10/29
/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/
كان الكلام في أنَّ أدلة حجية الأمارة هل يستفاد منها حجية الأمارة إذا كانت في معرض الوصول وإن لم تكن واصلة أو يستفاد منها حجة الأمارة الواصلة خاصة، والمسلَّم هو عدم حجية الأمارة التي ليست في معرض الوصول، وأما اشتراط الوصول في الحجية أو كفاية أن تكون الأمارة في معرض الوصول فهذا بحاجة الى مراجعة أدلة حجية الأمارة لمعرفة ما نستفيده منها.
قد يقال: يشترط الوصول في الحجية وأما الأمارة غير الواصلة فليست مشمولة بأدلة لحجية، ومنشأ هذه الدعوى هو أنَّ أدلة الحجية قاصرة عن الشمول لمثل هذه الحالة، أما بناء العقلاء فلأنه دليل لبي لا اطلاق فيه فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو الأمارة والواصلة، وأما الأدلة اللفظية فظاهرها هو حجة الأمارة الواصلة ايضاً كما تقدم تفصيله.
وبناءً عليه فأدلة البراءة - حتى إذا كانت مقيدة بعدم قيام الأمارة المعتبرة على الخلاف - يكون موضوعها محرزاً قبل الفحص لأنَّها مقيدة بعدم الأمارة الواصلة على الخلاف لأنها هي المعتبرة، وعدم الوصول محرز حتى قبل الفحص فلا مانع من جريانها كما هو الحال فيما بعد الفحص.
نعم احتمال وجود الأمارة المعتبرة على الخلاف بعد الفحص ليس منجَّزاً على المكلف بخلافه قبل الفحص فإنه يكون منجَّزاً على المكلف ولكن هذا لا يعني التفصيل في الحجية بين الصورتين تبعاً للتنجيز بحيث تكون الأمارة المحتملة حجة قبل الفحص ولا تكون حجة بعد الفحص بل الأمارة ليست حجة في الصورتين لعدم الوصول، غاية الأمر إنَّ المكلف قبل الفحص يتنجَّز عليه الواقع فيتعين عليه الفحص عن المؤمِّن الحجة لكي يخرج عن عهدة ما تنجَّز عليه، فإذا فحص وعثر على أمارة مؤمِّنة تكون حجة بالوصول وتكون مؤمِّنة له، وأما بعد الفحص فلا يتعين عليه الفحص عن المؤمِّن لعدم تنجُّز الواقع عليه وتبقى الأمارة غير الواصلة ليست حجة في كلا الفرضين.
والحاصل: المكلف يجب عليه الأخذ من الثقات والرجوع إليهم قبل الوصول، وإذا ترك الفحص يكون غير معذور عند العقلاء، إلا أنَّ ذلك لا يعني حجية الأمارة التي هي في معرض الوصول بل لأجل وجود منجِّز سابق للواقع كالعلم الإجمالي أو لكونها شبهة قبل الفحص.
وبعبارة أخرى: إنَّ الشبهة قبل الفحص كالشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي من حيث تنجُّز الواقع على المكلف ولزوم تحصيل المؤمِّن من ناحيته، ولمّا كان خبر الثقة الواصل حجة ويكون مؤمِّناً فلا بد من الأخذ به، ولكن هذا لا يعني حجيته قبل الوصول، بل يمكن أن يقال أنَّ مفاد أدلة الحجية هو حجية خبر الثقة الواقعي ولا تكون حجيته مقيدة بشيء حتى الوصول، فإذا كان الناقل ثقة واقعاً فإخباره حجة سواء كان في معرض الوصول أو لا وسواء وصل أو لا، والوجه في ذلك هو أنَّ نكتة الحجية هي الكاشفية، ومن الواضح أنَّ الكاشفية مرتبطة بكون المخبر ثقة في حديثه وضابطاً في نقله وأما وصول الخبر أو كونه في معرض الوصول فليس له أي ربط بالكاشفية فلا مجال لجعل الحجية منوطة بذلك، نعم الوصول طريق لإحراز موضوع الحجية أي خبر الثقة الواقعي إذ لا علم لنا به قبل الوصول، وعليه إذا احتملنا وجود خبر ثقة على الخلاف في الواقع – وإن لم يكن واصلاً أو في معرض الوصول - فلا يصح التمسك بأدلة البراءة لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص لأنَّ المفروض أنَّ أدلة البراءة مقيدة بعدم الأمارة المعتبرة على الخلاف ، كما أنَّ المفروض أنَّ الحجية الثابتة للأمارة الواقعية وإن لم تكن واصلة فتكون الشبهة مصداقية للمخصص من دون فرق بين ما بعد الفحص وما قبله ما دمنا نحتمل وجود هذه الأمارة.
نعم يمكن نفي هذا الاحتمال بعد الفحص وعدم العثور على الأمارة لحصول الاطمئنان بعدم وجود هذه الأمارة وبذلك نحرز موضوع أدلة البراءة ويصح التمسك بها بخلاف ما قبل الفحص.
ويظهر مما تقدم :
أولاً: إنه على القول بأنَّ الأمارة إذا كانت في معرض الوصول تكون حجة وإن لم تكن واصلة فالنتيجة هي التفصيل بين ما قبل الفحص فلا يجوز التمسك بأدلة البراءة لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص وبين ما بعد الفحص فتجري البراءة .
ثانياً: إنه على القول باختصاص الحجية بالأمارة الواصلة فالنتيجة هي جريان البراءة حتى قبل الفحص لعدم وصول الأمارة فلا تكون حجة.
ثالثاً: وعلى القول بأنَّ الحجية ثابتة للأمارة الواقعية فالنتيجة هي عدم جريان البراءة حتى بعد الفحص لاحتمال وجود أمارة واقعية على الخلاف، نعم إذا حصل الاطمئنان بعدم وجود أمارة واقعية على الخلاف فيمكن جريان البراءة.