46/10/13
حكم الزيادة العمدية والسهوية في المركبات الاعتبارية/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / حكم الزيادة العمدية والسهوية في المركبات الاعتبارية
الكلام في ما إذا كان للواجب بدل اضطراري كما في مثال الوضوء مع التيمم فإذا تعذر الاتيان ببعض أجزاء الوضوء فهل يجب على المكلف الاتيان بالوضوء الناقص بناءً على قاعدة الميسور أو يجب عليه الانتقال الى البدل الاضطراري وهو التيمم؟
ذكرنا وجه تقديم الناقص على البدل ووجه تقديم البدل على الناقص وقلنا أنَّ هذه الوجوه غير تامة.
وقد يقال بتقديم الناقص على البدل الاضطراري حتى إذا لم يكن لسان القاعدة لسان التنزيل وذلك بدعوى أنَّ مفاد قاعدة الميسور هو وجوب الباقي واختصاص دليل الجزئية بحال التمكن فيُفهم من ذلك عرفاً أنَّ المأمور به في حالة التعذر هو الباقي ، وبعبارة أخرى إنَّ الاتيان بالناقص هو إتيان بالواجب بمرتبة من مراتبه ومعه لا يُنتقل الى البدل الاضطراري وإنما يُنتقل إليه مع عدم التمكن من المُبدل بتمام مراتبه ، وهذا يبتني على أنَّ مشروعية البدل الاضطراري لا تكون إلا عند عدم التمكن من المُبدل بتمام مراتبه ، وأما إذا قلنا أنَّ المستفاد من أدلة البدلية هو مشروعية البدل عند عدم التمكن من المُبدل بمرتبته العليا فلا يمكن تقديم الناقص على البدل.
فإذا التزمنا بالدعوى المتقدمة فسيقع التعارض بين قاعدة الميسور وبين دليل البدلية في حالة عدم التمكن من الوضوء التام كما هو المفروض في محال الكلام ، فدليل البدلية يدعو الى البدل الاضطراري وقاعدة الميسور تدعو الى الاتيان بالناقص فكيف يُجمع بينهما؟
هناك وجهان للجمع بينهما:
الوجه الأول الالتزام بالتخيير بين الإتيان بالناقص وبين الاتيان بالبدل الاضطراري وذلك عن طريق رفع اليد عن الاطلاق المقابل للتقييد بــ (أو) في كل من الدليلين ، بمعنى أنَّ كل دليل يُثبت وجوب الإتيان بمتعلقه تعييناً فالقاعدة تقول يجب الاتيان بالناقص ولا بدل له ، ودليل الاضطرار يقول يجب الاتيان بالبدل الاضطراري ولا بدل له ، فنرفع اليد عن هذا الاطلاق ونُقيِّد كُلاً من الدليلين بالأخر بالعطف بـــ (أو) وحينئذٍ دليل القاعدة يقول يجب الاتيان بالناقص أو بالبدل الاضطراري وكذا دليل البدلية يقول يجب الاتيان بالبدل الاضطراري أو بالناقص ، ويُنتج لنا التخيير بين الأمرين.
الوجه الثاني رفع اليد عن الاطلاق المقابل للتقييد بالواو وينتج لزوم الجمع بينهما والاتيان بكل منهما، وذلك لأنَّ الاطلاق في القاعدة يعني وجوب الاتيان بالناقص وحده، وكذا الاطلاق في دليل البدلية يقول يجب عليك الاتيان بالبدل الاضطراري وحده فإذا رفعنا اليد عن هذا الاطلاق وقيدناه بالعطف بالواو فينتج لنا لزوم الجمع بينهما.
قالوا إنَّ الوجه الأول هو الأولى لأنه أقل محذوراً من الثاني وذلك باعتبار أنَّ التقييد فيه لا يلزم منه أي محذور لأنَّ المتكلم ذكر أحد فردي التخيير وهو كاف في الامتثال وبراءة الذمة ولا يكون المتكلم مخلاً بغرضه بترك ذكر العِدل، بينما ترك التقييد بالواو في الوجه الثاني يلزم منه الاخلال بالغرض ووقوع المكلف في المخالفة لأنَّ الامتثال على هذا الوجه يكون بالجمع بينهما، ومن هنا يكون الوجه الأول أقل مخالفة من الوجه الثاني.
ويؤيد تقديم الناقص على البدل رواية عبد الأعلى مولى آل سام المتقدمة فإنه أمره بالناقص دون الانتقال الى البدل الاضطراري.
• حكم الزيادة العمدية والسهوية في الواجب
الزيادة تارة تكون عمدية وأخرى تكون سهوية ، والكلام في النقيصة في البحث السابق لم يقع في النقيصة العمدية لوضوح حكمها وهو البطلان لأنه اخلال بالواجب، وإنما وقع الكلام في حكم النقيصة سهواً أو بسبب العجز وأما في باب الزيادة فيقع الكلام في الزيادة العمدية والزيادة السهوية والسر فيه هو احتمال الصحة في صورة الزيادة العمدية.
والكلام في المقام يقع في مبطلية الزيادة العمدية والسهوية، ومرجع ذلك الى اعتبار عدم الزيادة في الواجب وأما إذا لم تكن معتبرة فلا تكون الزيادة مبطلة ، فهل هناك دليل يدل على اعتبار عدم الزيادة في الواجب أو لا ؟
ويترتب على الاعتبار وعدمه المبطلية في الزيادة وعدم المبطلية بها.
والكلام يقع في أمرين:
الأمر الأول في إمكان تحقق الزيادة في المركبات الاعتبارية، وذلك لوجود شبهة مفادها لا يمكن تحقق الزيادة في المركبات الاعتبارية فلا داعي للبحث عن حكمها ، فلا بد من استئناف بحث في هذه الدعوى.
ذكر الشيخ في الرسائل بأنَّ الزيادة تتحقق في الجزء الذي لم يعتبر فيه عدم الزيادة وأما إذا اعتبر في الجزء عدم الزيادة أي أُخذ بشرط عدم الزيادة كالركوع فالزيادة عليه تكون موجبة لاختلاله من حيث النقيصة لأنَّ فاقد الشرط كالمتروك ، نعم يمكن تصور الزيادة إذا لم يعتبر في الجزء عدم الزيادة.
وهذا الكلام صار منشأً لدعوى استحالة تحقق الزيادة في المركبات الاعتبارية لأنَّ الجزء إن اُخذ في المركب بشرط لا من حيث الزيادة رجع الى النقيصة في الحقيقة فلا زيادة أصلاً ، وإن اُخذ لا بشرط أي على نحو الاطلاق من دون تقييد بالوجود الواحد والوجود المتعدد بحيث يكون الجزء هو الطبيعة الصادقة على الواحد والمتعدد فأيضاً لا تتصور الزيادة فيه لأنَّ كل ما يأتي به المكلف من أفراد لذلك الجزء يكون جزءاً ومأموراً به ومصداقاً للجزء وليس زيادةً وعليه فالزيادة غير ممكنة التحقق.
والذي يبدو أنَّ الشيخ الأنصاري قده افترض تحقق الزيادة في مورد آخر غير هذين الموردين ويكون غرضه هو اخراج هذين الموردين عن محل الكلام، وهذا المورد هو ما أشار إليه جماعة من المحققين وهو أن يكون الجزء مأخوذاً في المركب بنحو صرف الوجود المنطبق على الوجود الأول له كتكبيرة الأحرام وعليه يمكن تحقق الزيادة حينئذٍ لأنَّ الجزء يتحقق بنحو صرف الوجود فالإتيان به ثانياً يكون زيادة في الجزء وليس مصداقاً للمأمور به ولا يكون مانعاً من صدق المأمور به على الوجود الأول بل يكون من قبيل ضم الحجر الى الانسان، وبهذا يمكن تصور الزيادة في المركبات الاعتبارية.