46/10/10
الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز
تسلسل البحث:
كان أصل الكلام في أنَّ دليل الجزئية هل له اطلاق يشمل حالة التعذر أو لا ، والفرق العملي بينهما أنه على تقدير ثبوت الاطلاق لدليل الجزئية يسقط وجوب المركب ولا يجب الإتيان بشيء ، وعلى تقدير عدم ثبوت الاطلاق فدليل الجزئية مختص بحال التمكن فلا يكون الجزء جزءاً من المركب في حال التعذر ولازمه وجوب الاتيان بالباقي، هذا أصل البحث ، ثم تعرضنا لما استدل به على اختصاص الجزئية بحال التمكن وعدم شمولها لحال التعذر، وهي أمور:
الأول: استصحاب وجوب الباقي.
الثاني: قاعدة الميسور.
الثالث: حديث الرفع ، نعم يمكن جعله دليلاً على قاعدة الميسور أيضاً.
الرابع: التمسك بعمومات الاضطرار والحرج ، ومنها (..كُلُّ شَيْءٍ اُضْطُرَّ إِلَيْهِ اِبْنُ آدَمَ فَقَدْ أَحَلَّهُ اَللَّهُ لَهُ.)[1] .
ويشهد لها رواية عبد الأعلى مولى آل سام (قالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَثَرْتُ فَانْقَطَعَ ظُفُرِي فَجَعَلْتُ عَلَى إِصْبَعِي مَرَارَةً، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِالْوُضُوءِ، قَالَ يُعْرَفُ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى ﴿مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ اِمْسَحْ عَلَيْهِ)[2] ، وظاهر الرواية هو أنَّ الامام (عليه السلام) استفاد وجوب المسح على المرارة من الآية الشريفة ، بعد الالتفات الى أنَّ السؤال كان عن كيفية الوضوء ، فإنَّ استفادة وجوب المسح من الآية لا يخلو من خفاء فإنَّ ظاهرها هو سقوط المسح على الأصبع للحرج ، وأما وجوب المسح على المرارة التي على الاصبع فلا يخلو من خفاء ، نعم بيّن الشيخ الأنصاري ذلك بما تقدم من أنَّ الواجب عبارة عن شيئين أصل المسح وأن يكون على البشرة وتعذر المباشرة على البشرة لا يوجب سقوط المسح فيسقط المتعذر ويجب الاتيان بالباقي ، فتدل على أنَّ الجزئية مختصة بحال التمكن وأما مع التعذر فتسقط الجزئية المتعذر ويجب الاتيان بالباقي.
ونحوها معتبرة سماعة الواردة في المريض الذي لا يستطيع الجلوس، وهي:
محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال : سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ؟ قال : فليصلّ وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد فانه يجزي عنه ، ولن يكلّفه الله ما لا طاقة له [3] (.ومفادها الأولي هو سقوط المتعذر وهو الجلوس ولكن الامام (عليه السلام) أثبت وجوب الصلاة مضطجعاً وهو يعني وجوب الاتيان بالباقي، وهذا مؤيد لما تقدم.
وهكذا رواية أخرى من الباب نفسه:
(.. الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال : ( سألت أبا عبد الله (عليه السلام (عن المريض هل تمسك له المرأة شيئاً فيسجد عليه ؟ فقال : لا ، إلّا أن يكون مضطرّاً ليس عنده غيرها ، وليس شيء ممّا حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه.) [4] وظاهرها الأولي هو سقوط الشيء المتعذر لكن الامام (عليه السلام) استفاد عدم سقوط الا المتعذر مع وجوب الاتيان بالباقي وهذا مؤيد آخر للكبرى الكلية.
وهكذا معتبرة منصور بن حازم الواردة في المسلوس:
( محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : الرجل يعتريه البول ولا يقدر على حبسه ؟ قال : فقال لي : إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر ، يجعل خريطة[5] ( فلم يُجبه الامام (عليه السلام) بسقوط أصل الصلاة مع التعذر وإنما بسقوط الجزء المتعذر ووجوب الاتيان بالباقي المستفاد من قوله (يجعل خريطة) ، هذا كله مؤيد للكبرى المتقدمة وهي أنَّ أدلة الجزئية ليست مطلقة حتى بلحاظ حال التعذر وإنما تُثبتها في حال التمكن وأما في حال التعذر فيسقط المتعذر عن الجزئية ويجب الاتيان بالباقي.
نعم الاستدلال بهذه الروايات يتوقف على أن يكون استشهاد الامام (عليه السلام) بهذه العمومات لغرض اثبات وجوب الباقي وإما إذا استدل بها على سقوط وجوب المتعذر فقط وأما وجوب الباقي فالدليل عليه شيء آخر فحينئذٍ لا تنفع هذه العمومات على الاستدلال بها على الكبرى الكلية.
لكن الانصاف أنَّ الظاهر من خصوص رواية عبد الأعلى مولى آل سام هو أنَّ الامام استشهد بالآية الشريفة على وجوب المسح على المرارة بالتقريب المتقدم ، ولعل ذلك باعتبار أنَّ لازم رفع الجزئية عن الجزء المتعذر هو كون الباقي في حال التعذر مصداقاً للمأمور به فإنَّ الشارع إذا أمر بمركب من أجزاء ثم قال إنَّ هذا الجزء إنما يكون جزءاً في حال التمكن ويسقط عن الجزئية في حال التعذر فُهم منه عرفاً أنَّ الباقي هو المأمور به في حال التعذر.
بحث آخر
إذا كان للمركب بدل اضطراري فالكلام يقع في تقديم البدل الاضطراري على الناقص أو العكس ، كالوضوء إذا تعذر بعض أجزائه فهل يُنتقل الى التيمم أو يُقدم الوضوء الناقص على التيمم ؟
وجه الأول هو أنَّ مقتضى اطلاق البدلية كون التيمم بدلاً عن التام في جميع آثاره ومنها تقديمه على الناقص فكما يُقدم التام على الناقص فكذلك يُقدم بدله عن الناقص ، ووجه الثاني هو أنَّ الناقص في حال الاضطرار تام لانتفاء جزئية الجزء في حال التعذر.
ويلاحظ على الوجه الأول بأنه يتوقف على أن يكون دليل البدل وارداً بعنوان البدلية حتى يُتمسك بإطلاقه لإثبات بدليته حتى بلحاظ تقديمه على الناقص لكن هذا غير واضح لأنَّ دليل التيمم مثلاً وإن دلَّ على وجوبه عند عدم التمكن من الوضوء لكنه لا يدل على ذلك بعنوان البدلية ، ولو ورد الدليل بعنوان البدلية فالكلام يقع في اطلاقه بنحو يشمل هذا الأثر أو لا يشمله ، ويمكن أن يدعى أنه يشمل الآثار المتعارفة المتوقفة على الطهارة كالصلاة وأما شموله لتقدم التام على الناقص فغير واضح.
ويلاحظ على الثاني بأنَّ مفاد قاعدة الميسور ليس إلا وجوب الباقي وعدم سقوط الوجوب المتعلق به ولا يُستفاد منها تنزيل الباقي منزلة المركب حتى يقال أنه مع التمكن من الباقي لا تصل النوبة الى البدل.
وبالرغم من ذلك قد يقال بالثاني - أي تقديم الناقص على البدل – وذلك باعتبار أنَّ المستفاد من القاعدة هو أنَّ وجوب الباقي وعدم جزئية المتعذر يقتضي اختصاص دليل الجزئية بحال التمكن فيكون المأمور به الواجب بالأصالة في حال التعذر هو الناقص وحينئذٍ لا تصل النوبة الى البدل لأنه فرع عدم التمكن من المُبدل بتمام مراتبه وقد عرفت أنَّ المكلف متمكن من المُبدل بعض مراتبه.