46/08/24
الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز
كان الكلام في النسبة بين قاعدة الميسور على تقدير تماميتها وبين إطلاق دليل الجزئية، وانتهينا الى أنه لا بد من تقديم اطلاق دليل الجزئية على القاعدة بعد فرض التعارض بينهما.
وقد يقال بتقديم القاعدة على اطلاق دليل الجزئية، وهذا التقديم إما أن يُخرج على أساس الحكومة وإما على أساس الأخصية، أما الأول فبتقريب أنَّ القاعدة تنفي الجزئية في حال التعذر وبهذا تكون ناظرة الى دليل الجزئية والى اطلاقه، كما هو شأن الحكومة نظير (لا ربا بين الوالد وولده) الناظر الى دليل حرمة الربا، وفي المقام تقول القاعدة السورة ليست جزءاً في حال التعذر وهو يعني نظرها الى دليل جزئية السورة فتكون حاكمة عليه.
وأما الثاني – أي الأخصية - فباعتبار أنَّ النسبة بين القاعدة وبين دليل الجزئية وإن كانت هي العموم من وجه في بادئ النظر لكنها تكون نسبة العموم والخصوص المطلق بالنكتة التالية، بمعنى أنَّ القاعدة تكون أخص مطلقاً من دليل الجزئية فتُقدم على أساس الأخصية، وبيان ذلك:
أما نسبة العموم والخصوص من وجوه فباعتبار أنَّ دليل الجزئية يختص بمورده الخاص كالقراءة مثلاً، بينما القاعدة تشمل جميع الأجزاء ولا تختص بالقراءة فتكون أعم هذا من جهة، ومن جهة أخرى تختص القاعدة بحال التعذر بينما دليل الجزئية يُثبتها مطلقاً فيكون أعم، فتكون النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه، ومادة الاجتماع هو ذلك المورد الخاص في حال التعذر، لأنَّ دليل الجزئية يقول هو جزء في حال التعذر والقاعدة تنفيه في ذلك الحال، لكن لما كان تقديم اطلاق دليل الجزئية يوجب بقاء القاعدة بلا مورد دون العكس فلا بد من تقديم القاعدة لأنَّ تقديمها لا يُلغي دليل الجزئية، وأما لزوم الغاء دليل القاعدة فباعتبار أنَّ المنع من شمول القاعدة لمادة الاجتماع - وهو مورد التعذر - وتقديم دليل الجزئية فيه يعني بقاء القاعدة بلا مورد فإنَّ موردها هو حال التعذر، وأما تقديم القاعدة على دليل الجزئية فلا يلزم منه ذلك لأنَّ لدليل الجزئية مورد آخر وهو حال التمكن، وكل دليل يلزم من تقديمه الغاء الدليل الآخر دون العكس فلا بد من تقديم الآخر عليه، وهذا هو التقديم على أساس الأخصية.
وفيه: أما الملاحظة على دعوى الحكومة فبأنَّ القاعدة لا تعرُّض لها الى دليل الجزئية ولا تكون ناظرة اليه ولا متفرعة عليه وإنما هي متفرعة على دليل الواجب إذ لولا ذلك لما كان معنى لمفاد القاعدة، أي سقوط الوجوب، فالقاعدة إنما تكون حاكمة على الدليل الدال على وجوب المركب لا على دليل الجزئية، نعم لو كان مفاد القاعدة المطابقي عدم الجزئية في حال التعذر لكانت حاكمة على دليل الجزئية ولكن الأمر ليس كذلك وإن كان ذلك هو المدلول الالتزامي للقاعدة، لوضوح الملازمة بين عدم سقوط الوجوب بالتعذر وبين عدم الجزئية، ولكن المناط في الحكومة هو ملاحظة الدليل باعتبار مدلوله المطابقي لا باعتبار مدلوله الالتزامي.
وأما الملاحظة على دعوى الأخصية فهي إنَّ تقديم دليل الجزئية لا يستوجب بقاء القاعدة بلا مورد وذلك لأنَّ هذا التقديم إنما يستوجب عدم جريان القاعدة في موارد اطلاق دليل الجزئية وأما موارد عدم وجود هذا الاطلاق كما لو كان دليل الجزئية مجملاً أو كان لُبياً كالإجماع فلا مانع من جريان القاعدة والعمل بها.
هذا كله في الدليل الثاني على وجوب الاتيان بالباقي عند تعذر بعض أجزاء المركب وهو قاعدة الميسور، ثم يقع الكلام في الدليل الثالث وهو حديث الرفع إن شاء الله تعالى.