« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/08/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز

 

تبيَّن مما تقدم أنَّ الشمول للكلي يُستدل له بإطلاق اسم الموصول (ما) وعدم الشمول والاختصاص بالكل يُستدل له بظهور كلمة (كله)، كما تبين أنَّ حمل الرواية على الكلي ليس فيه محذور.

والأظهر هو عدم الشمول وذلك تمسكاً بظهور كلمة (كله) في المركب من أجزاء، فيكون المراد من اسم الموصول في (ما لا يُدرك كله) هو عبارة عن فعل المكلف الواحد و(كله) عبارة عن مجموع أجزائه.

ويضاف الى ذلك إنَّ الشمول للكلي لا يمنع من الاستدلال بالرواية على القاعدة، نعم المانع من الاستدلال بها هو اختصاصها بالكلي.

وعلى كل حال تبيَّن مما تقدم تمامية الاستدلال بهذا الروايات على القاعدة في الجملة، نعم يبقى الاشكال السندي فيها، ويمكن تصحيحه على بعض الوجوه كما ذكر الشيخ الأنصاري بأنه شاع بين العلماء بل بين جميع الناس الاستدلال بها على القاعدة في موارد مختلفة، قال:

(..إنَّ مقتضى الإنصاف تمامية الاستدلال بهذه الروايات، ولذا شاع بين العلماء - بل بين جميع الناس - الاستدلال بها في المطالب، حتى أنه يعرفه العوام، بل النسوان والأطفال.)[1]

وفيه: إنَّ استفادة الالزام من ذلك بالنحو المطلوب في محل الكلام غير واضح.

نعم قد يُدعى عمل الناس بالقاعدة استناداً الى مرتكزاتهم العقلائية التي تقتضي وجوب الاتيان بالباقي.

وجوابه: إنه إنما ينفع في باب الكلي ذي الأفراد لتحقق الارتكاز المذكور إذ لا وجه لسقوط الوجوب عن شيء بمجرد سقوطه عن شيء آخر، وأما في باب المركب فلا مثل لهذا الارتكاز لأنَّ وجوب الكل سقط بتعذر بعض أجزائه فتسقط بالتبع جميع الوجوبات الضمنية الناشئة منه فلا وجوب للباقي، بل يدرك العقلاء أنَّ وجوب الباقي على تقدير ثبوته هو وجوب جديد بملاك آخر لا علاقة له بالوجوب السابق.

نعم قد يُدعى عمل العلماء بالقاعدة استناداً الى هذه الروايات أو الى غيرها مما وصل إليهم ولم يصل إلينا، لكن الاعتماد على ذلك لتصحيح سندها يبتني على أنَّ عمل المشهور برواية ضعيفة جابر لضعفها السندي، وإذا لم نؤمن بهذه الكبرى - كما هو الصحيح - فلا مجال للاعتماد على ذلك لتصحيح سند هذه الروايات.

النسبة بين قاعدة الميسور وبين اطلاق دليل الجزئية:

ثم يقع الكلام عن نسبة القاعدة - على تقدير تماميتها – الى إطلاق دليل الجزئية فإنه يعني ثبوت الجزء في حالتي التمكن والتعذر، وفي مقابل ذلك قاعدة الميسور ومقتضاها هو وجوب الاتيان بالباقي عند تعذر بعض الأجزاء، فهل يوجد بينهما تباين وتعارض أو لا ؟

يبدو لأول وهلة أنهما متنافيان وذلك باعتبار أنَّ القاعدة تقتضي وجوب الاتيان بالباقي وهذا يعني عدم جزئية الجزء في حال التعذر، وفي المقابل اطلاق دليل الجزئية يقتضي الجزئية حتى في حال التعذر فيقع التنافي بينهما، فهل هناك تعارض بينهما أو لا، وعلى تقدير التعارض هل تُقدم القاعدة على اطلاق دليل الجزئية فيُحكم بوجوب الاتيان بالباقي أو لا؟

يظهر من المحقق النائيني عدم التعارض بينهما وذلك باعتبار أنَّ اطلاق دليل الجزئية لا يقتضي أزيد من ثبوت الجزء حتى في حال التعذر وهذا لا ينافي قيام دليل آخر يدل على وجوب الخالي من ذلك الجزء إذ ليس لدليل الجزئية مفهوم ينفي الحكم عن غيره حتى يقع التعارض بينه وبين ما يدل على وجوب الباقي.[2]

ومراده إنَّ مفاد دليل الجزئية ثبوت جزئية الجزء حتى في حال التعذر وهذا وإن كان منافياً لبقاء الوجوب عند تعذر الجزء إلا أنه لا مانع من حدوث ملاك آخر عند تعذر الجزء يكون موجباً لإيجاب الباقي، فإذا دلَّ دليل على ذلك الوجوب الجديد لم يكن منافياً لما يقتضيه اطلاق دليل الجزئية من انتفاء أصل الحكم الوارد على المركب

وبعبارة أوضح: إنَّ اطلاق دليل الجزئية ينفي ثبوت الوجوب السابق للباقي بعد التعذر ولكن لا مانع من أن يثبت وجوب الباقي بملاك آخر إذ دلَّ عليه الدليل وهو في المقام قاعدة الميسور.

ولوحظ عليه: بأنَّ هذا الكلام حتى إذا تم كبروياً إلا أنه لا يتم صغروياً في المقام لأنَّ القاعدة إنما تدل على بقاء الوجوب السابق وعدم سقوطه فتقع المعارضة بينهما، والحاصل إنَّ القاعدة إن استفيد منها وجوب الاتيان بالباقي إلا أنه لا يُستفاد منها أنه وجوب جديد بل الظاهر منها من جهة التعبير بــ (لا يسقط) أنه نفس الوجوب السابق.

والتعليق عليه: إنَّ هذه الملاحظة تكون واضحة جداً إذا كان مستند القاعدة هو حديث (الميسور لا يسقط بالمعسور) وأما إذا كان مستندها هو حديث (ما لا يُدرك كله لا يترك كله) فما ذُكر غير واضح، إذ يحتمل أن يكون وجوب الاتيان بالباقي ثابتاً بملاك جديد فلا يكون منافياً لإطلاق دليل الجزئية، وبناءً عليه يقع التعارض بين اطلاق دليل الجزئية وبين قاعدة الميسور إذا كان مستندها هو حديث (الميسور لا يسقط بالمعسور)، فيقال لا بد من تقديم اطلاق دليل الجزئية المقتضي لسقوط الوجوب بالتعذر ولا تجري قاعدة الميسور المستندة الى هذا الحديث، وذلك لأنَّ دليل الجزئية بإطلاقه يقتضي كون الجزء ركناً مقوماً في المركب وأنَّ الفاقد لذلك الجزء ليس بصلاة، فيقع الكلام في أنه كيف يجب الباقي بعنوان أنه ميسور من ذلك المركب، فلا بد من تقديم اطلاق دليل الجزئية ولا يمكن التمسك بالقاعدة لإثبات وجوب الباقي.

 


logo