« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/07/21

بسم الله الرحمن الرحيم

 الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز

 

الفوارق بين الشك في الجزئية في حال النسيان وفي حال العجز:

تقدم أن َّجهات البحث في مسألتي الشك في الجزئية في حال النسيان والشك فيها في حال العجز واحدة مع فوراق بين المسألتين نذكر بعضها:

الأول: إنَّ شبهة استحالة تكليف الناسي بالباقي لا تجري في حال العجز لأنَّها مبنية على دعوى استحالة توجه الخطاب الى الناسي باعتبار استحالة توجه الناسي الى نسيانه، وهي غير موجودة في العاجز فإنه يتوجه الى عجزه ويحركه الخطاب الموجه الى العاجز بلا محذور.

الثاني: إنَّ ما ذُكر في النسيان بلحاظ الأصل العملي لا يجري بتمامه في محل الكلام، حيث قلنا هناك إنَّ النسيان إذا ارتفع في داخل الوقت فالمكلف وإن كان يعلم إما بوجوب التام - إذا كانت الجزئية مطلقة حتى لحال النسيان - وإما بوجوب الجامع بين التام بعد ارتفاع النسيان وبين الناقص في حال النسيان - وهو من دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين - لكن هذا العلم الإجمالي ليس له أثر لأنه لا يحصل إلا بعد خروج أحد طرفيه عن محل الابتلاء، لأنّ الناسي جاء بالأقل حال النسيان ثم التفت وحصل له العلم الإجمالي فلا يكون منجِّزاً، فتجري البراءة لنفي وجوب الأكثر حتى إذا قلنا بعدم جريان البراءة في كبرى الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين، وأما في المقام فيصح أن يقال - في فرض ارتفاع العجز في الوقت - إنَّ جريان البراءة هنا مبني على جريانها في تلك الكبرى، لأنَّ العلم الإجمالي هنا يحصل من أول الأمر، لأنه ملتفت الى عجزه من البداية فيحصل له مع كون كلا الطرفين داخلاً في محل الابتلاء، فيدخل في تلك الكبرى.

كما ذكرنا في باب النسيان أنه إذا ارتفع بعد الوقت فيحصل له العلم الإجمالي بأنَّ الواجب عليه إما هو التام وإما هو الجامع بين التام وبين الناقص وهو وإن كان دائراً بين المتباينين إلا أنه ليس منجِّزاً ولا يمنع من جريان البراءة لنفي وجوب التام لأنه إنما يحصل بعد خروج أحد طرفيه عن محل الابتلاء كما تقدم، وأما في المقام فالعلم الإجمالي المذكور يكون منجزاً ومانعاً من جريان البراءة لأنه حاصل من البداية لالتفات العاجز الى عجزه فيحصل له مع دخول طرفيه في محل الابتلاء فيكون منجِّزاً ويمنع من جريان البراءة.

هذا كله بلحاظ الأدلة العامة وهي تقتضي سقوط الأمر بالمركب إذا عجز عن بعض أجزئه، وأما بلحاظ الأدلة الخاصة فقد يُدعى قيام أدلة خاصة تدل على وجوب الاتيان بالباقي، فذكرت أمور كأدلة خاصة تدل على وجوب الاتيان بالباقي عند العجز عن الاتيان بأحد أجزاء الواجب، وهي أمور:

الأول الاستصحاب، الثاني قاعدة الميسور، الثالث حديث الرفع، الرابع عمومات الاضطرار.

أما الأول فالمراد منه هو استصحاب وجوب الأقل الثابت سابقاً ضمن الأمر بالمركب، فقبل العجز كان الواجب هو المركب التام وفي ضمنه الأقل وهو واجب بالوجوب الضمني، وبعد العجز نشك في سقوطه فنستصحب بقاءه.

وفيه: أولاً: إنَّ جريان هذا الاستصحاب مبني على افتراض وجود يقين بوجوب الأقل قبل العجز، وهذا يتوقف على اختصاص حدوث التعذر بعد دخول الوقت فإنه عند دخول الوقت مكلف بالتام وهو يتضمن الأمر بالأقل فيكون متيقناً في الزمان السابق قبل التعذر، وأما إذا كان التعذر حادثاً قبل دخول الوقت فلا مجال لجريان هذا الاستصحاب لعدم اليقين بوجوب الأقل في الزمان السابق حتى يحكم ببقائه بالاستصحاب، لأنَّ المكلف بحسب الفرض شاك في وجوب الأقل من حين دخول الوقت لاحتمال أن يكون التعذر موجباً لسقوط الأمر بالمركب في ذلك الزمان، ولا وجوب قبل دخول الوقت، وهذا بخلاف ما إذا حدث التعذر بعد دخول الوقت فإنَّ الوجوب مستقر بدخول الوقت والمفروض أنه ليس عاجزاً، ونفس الكلام يقال فيما إذا فرض حدوث التعذر مقارناً لدخول الوقت إذ لا يقين بثبوت التكليف بالأقل في زمان سابق بل هذا التكليف مشكوك الحدوث حين دخول الوقت ومعلوم العدم قبله فلا مجال للاستصحاب.

وثانياً: إنَّ الوجوب الضمني للأقل المتيقن سابقاً - في صورة حصول التعذر بعد دخول الوقت - معلوم الارتفاع بعد طرو العجز لارتفاع وجوب المركب التام، وعلى تقدير وجوب الأقل بعد العجز فيكون استقلالياً، وعليه فالوجوب الضمني معلوم الارتفاع والوجوب الاستقلالي لا يقين به سابقاً.

وهناك محاولات لدفع هذا الاشكال وتقريب جريان الاستصحاب بنحو لا يرد عليه هذا الاشكال:

المحاولة الأولى استصحاب الجامع، وذلك بأن يُستصحب الجامع بين الوجوب الضمني والوجوب الاستقلالي المتعلق بغير المقدور من الأجزاء، فإنَّ هذا الجامع معلوم الحدوث سابقاً في ضمن الوجود الضمني ويُشك في ارتفاعه بعد التعذر لاحتمال حدوث فرد آخر وهو الوجوب الاستقلالي على تقدير اختصاص الجزئية بحال القدرة والتمكن وبذلك ينحفظ الجامع فيجري استصحابه.

وفيه: أنه مبني على استصحاب الكلي من القسم الثالث ولا نقول به.

logo