46/07/19
الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان
كان الكلام في تشخيص ما هو الأصل العملي بلحاظ الملاك والغرض، أي بلحاظ وفاء الناقص بالغرض المترتب على التام، وقلنا أنَّ الكلام تارة عن صورة الاستيعاب وأخرى عن صورة عدم الاستيعاب:
أما الصورة الأولى فذكرنا أنَّ المكلف وإن كان يحصل له علم اجمالي بأنَّ الغرض موجود إما في الأقل في حال النسيان وإما في الأكثر بعد ارتفاع النسيان لكن هذا العلم لا يحصل إلا بعد خروج الوقت وارتفاع النسيان فلا يكون منجِّزاً لخروج أحد طرفيه عن محل الابتلاء وهو الأقل، ويشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون منجِّزاً على كل تقدير، فيمكن اجراء البراءة لنفي لزوم تحصيل الملاك التام بعد خروج الوقت.
وأما الصورة الثانية – أي ارتفاع النسيان داخل الوقت – فقد يقال بالاشتغال وذلك باعتبار أنَّ الناسي بعدما جاء بالناقص وارتفع نسيانه يعلم بأنَّ الواجب عليه هو الصلاة التامة ويشك في سقوطه بما جاء به، وهذا شك في السقوط وهو مجرى لقاعدة الاشتغال.
وجوابه بأنَّ الناسي بعد زوال النسيان لا يعلم بوجوب الصلاة التامة لأنَّ الأقل إن كان وافياً بالغرض فيسقط وجوب التام وذلك باعتبار أنَّ وجوب الأكثر يكون مشروطاً بعدم الاتيان بالأقل، لأنَّ كُلاً منهما يفي بالغرض، ومع وفاء الأقل بالغرض لا معنى لتحصيل نفس ذلك الغرض، فإذا شك في وفاء الأقل بالغرض فهو شك في التكليف لأنه إن كان وافياً بالغرض فلا تكليف بالأكثر وإن لم يكن وافياً بالغرض فالتكليف بالأكثر موجود، وهذا شك في ثبوت التكليف، فكيف يقال بأنَّ هناك علم بوجوب الأكثر عليه! هذا غير صحيح بل هو من الشك في التكليف فتجري أصالة البراءة لنفي التكليف بالأكثر.
نعم هذا يحتاج الى إثبات إنَّ عدم الاتيان بالأقل شرط في التكليف حدوثاً فإذا جاء بالأقل - مع افتراض أنه وافٍ بالغرض - فلا تكليف حدوثاً، فإذا شك في وفائه بالغرض فهذا يعني الشك في التكليف حدوثاً، وأما إذا لم يمكن إثبات ذلك وإنما أثبتنا أنه شرط في مرحلة البقاء فقد تصح دعوى جريان قاعدة الاشتغال، وذلك لثبوت التكليف حدوثاً وإنما الشك في سقوطه، فيقال هو عالم بالتكليف حدوثاً وإنما يشك في سقوطه بالإتيان بالناقص وهذا شك في السقوط وهو مجرى لقاعدة الاشتغال.
فهل هناك محاولة لإثبات جريان البراءة مع كون الشك في السقوط؟
الجواب: إنَّ المشرع وإن كان لا يمكنه التكليف بالناقص ولكن يمكنه الاخبار بأنَّ الناقص واجد للملاك، وليس هذا بمحال - ولا يرد عليه ما تقدم من أنَّ التكليف بالناقص محال فالمأمور به شيء آخر فيكون الشك في السقوط وهو مجرى للاشتغال - لأنَّ ذلك مختص بالتكليف والكلام هنا في الملاك، ولا استحالة في فرض وجود الملاك والغرض في الناقص، وعليه يمكن أن يكون الملاك موجوداً في الأقل ويمكن أن يكون في الأكثر، فإذا كانت الجزئية مختصة بحالة التذكر فالناقص يكون واجداً للملاك، نعم إذا كانت مطلقة فالناقص ليس واجداً للملاك، وهذا يعني أنَّ الأمر بلحاظ الملاك والغرض يدور بين الأقل والأكثر فيمكن إجراء البراءة لنفي وجوب الأكثر.
نعم الاشكال بأنَّ حديث الرفع يختص برفع المجعولات الشرعية يمكن تجاوزه بأنه لا يُفهم من الحديث الاختصاص برفع المجعولات الشرعية بل يشمل كل تحميل على المكلف يكون بسبب الشارع، ووجود الملاك في الأكثر تحميل وتضييق على المكلف فيمكن اجراء البراءة عن الأكثر بلحاظه، وأن أبيتَ إلا عن دعوى الاختصاص فيمكن الاستعانة بأدلة البراءة الشرعية الخالية من كلمة (الرفع)، أو الرجوع الى البراءة العقلية إذا قلنا بها.
أقول: لا مجال للاعتراض على ما ذُكر بأنَّ احتمال وفاء الأقل بالغرض غير وارد أصلاً لأنَّ احتمال وفاء الأقل بالغرض ينشأ من احتمال الحكم بصحة ما أتى به من الناقص وهو غير مأمور به لا في حال التذكر ولا في حال النسيان فمن أين يأتي احتمال وفائه بالغرض!
وهذا الاحتمال ليس بالضرورة يكون تابعاً لوجوب الأقل، فقد قلنا بعدم وجوب الأقل على الناسي على أساس الاستحالة فإنَّ التكليف المختص بالناسي يستحيل أن يحركه لأنه لا يرى نفسه ناسياً، وهذا لا يستلزم الجزم بعدم وفائه بالغرض بل يحتمل ذلك حتى إذا قلنا بالاستحالة وذلك بأن يعتبره المشرع وافياً بالغرض ويرفع يده عن التام، فهذا الاعتراض غير وارد.
اعتراض آخر:
إنَّ وفاء الأقل بالغرض والملاك القائم بالأكثر يُتصور على نحوين:
فتارة نفترض وجود ملاكين أحدهما قائم بالأكثر والآخر قائم بالأقل في حال النسيان، ويقال إنَّ الاتيان بالأقل يستوفي ملاك الأكثر فيوجب سقوط وجوب الأكثر، وأخرى نفترض ملاكاً واحداً يُستوفى بكل واحد من الأكثر والأقل في حال النسيان، فإذا جاء بالأقل استوفى الملاك ولا يوجد ملاك آخر يُستوفى بالأكثر فيسقط وجوب الأكثر، وحينئذٍ يقال:
إنَّ الجواب المتقدم كأنه مبني على الفرض الأول فيقال لا وجه لسقوط ملاك الأكثر بالإتيان بالأقل إلا إذا كان وجوب الأكثر واستيفاء ملاكه مشروطاً بعدم الاتيان بالأقل وإلا - إذا لم يكن مشروطاً - فما يحصل بالإتيان بالأقل هو استيفاء ملاك الأقل نفسه، فإذا كان مشروطاً بعدم الاتيان بالأقل وقلنا إنَّ هذا الشرط شرط في حدوث التكليف فيصح الكلام السابق بأنَّ هذا مجرى لقاعدة البراءة لأن الشك في وفاء الأقل بالغرض يساوق الشك في حدوث التكليف بالأكثر لأنه مشروط بعدم الاتيان بالأقل، وأما بناء على التصور الآخر فالظاهر أنَّ الكلام السابق لا يتم بمعنى أنَّ المورد لا يكون من موارد الشك في التكليف وإنما يدخل في مسألة دوران الأمر بين التعيين والتخيير، ولا اتفاق فيها على البراءة - وإن كان هو الصحيح - فقد يقال هنا بالاشتغال.