46/07/17
الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان
ذكرنا فيما تقدم أنَّ السيد الخوئي قده فصَّل بين القول بإمكان تكليف الناسي بالناقص وبين القول باستحالة ذلك، فالأصل على الإمكان هو البراءة وعلى الاستحالة هو الاشتغال، وفي مقابل ذلك قال المحقق النائيني قده أنَّ الأصل هو الاشتغال حتى على القول بالإمكان.
وذكرنا أنَّ الصحيح هو جريان البراءة على القول بالإمكان وأنَّ المقام يدخل في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين فيلحقه حكمه وهو جريان البراءة لنفي الأكثر، غاية الأمر أنَّ المقام يختص بصورة النسيان فإن كانت الجزئية مختصة بحال التذكر فالواجب هو الأقل - وهو الجامع بين الناقص في حال النسيان وبين التام بعد ارتفاع النسيان – وإن كانت الجزئية مطلقة وثابتة حتى في حال النسيان فالواجب الأكثر، فيكون الشك بين الأقل والأكثر بلا فرق بين المقام وبين أصل المسألة إلا بخصوصية النسيان فما اخترناه هناك يمكن الالتزام به في محل الكلام.
وأما بناء على القول بالاستحالة فقد تقدم في كلام السيد الخوئي قده تقريب جريان الاشتغال وحاصله هو أنَّ ما يصدر من الناسي - وهو الناقص - ليس مأموراً به فيُشك في سقوط الصلاة عن المكلف بما جاء به ومع الشك في السقوط تجري أصالة الاشتغال.
وبعبارة أخرى إنَّ استحالة تكليف الناسي بالناقص معناه أنَّ المأمور به ليس هو الناقص والشك يكون في سقوط ما كُلِّف به بما جاء به، وحيث أنه غير مأمور بالناقص فيكون الشك من حيث وفائه بالغرض، فإن وفى سقط التكليف وإلا فلا، وهذا شك في السقوط وهو مجرى لأصالة الاشتغال.
الملاحظة عليه:
والكلام تارة في صورة استيعاب النسيان لتمام الوقت وأخرى في صورة عدم الاستيعاب، أما الأولى فيلاحظ عليها أنَّ الناسي في صورة الاستيعاب ليس مكلفاً بشيء لا بالأكثر لاستحالة تكليفه بالمنسي وبما يشتمل على المنسي – وهو التام – ولا بالناقص لأنَّ المفروض استحالة تكليفه بالناقص، فلا معنى لفرض كونه شاكاً في سقوط ما اشتغلت به ذمته، نعم هو شاك بعد خروج الوقت وزوال النسيان في وجوب القضاء لاحتمال كون السورة جزءاً مطلقاً وهو لم يأتِ بها فيصدق الفوت، لكن هذا مجرد احتمال بدوي إذ يوجد في مقابله احتمال عدم كونها جزءاً فلا فوت ولا قضاء فيمكنه إجراء البراءة لنفي وجوب القضاء، وقد عرفتَ أنَّ علمه الاجمالي بوجوب الأكثر الآن - أي بعد ارتفاع النسيان - أو وجوب الأقل في الوقت لا أثر له في تنجيز وجوب القضاء لخروج طرفه الآخر عن محل الابتلاء، فالأصل الجاري في المقام هو البراءة سواءً قلنا بالإمكان أو بالاستحالة.
هذا كله بلحاظ التكليف فهل الأمر كذلك بلحاظ الملاك والغرض؟
تقدم في بداية البحث أنَّ أثبات صحة ما صدر من الناسي يكون بأحد أمرين الأول إثبات أنَّ الناقص مأمور به، الثاني أن يكون المتأتي به وافياً بالغرض، أما الأول فتقدم الكلام فيه فإن قلنا بالإمكان فيقع صحيحاً.
وأما الثاني فيمكن فرض العلم الإجمالي بوجود الملاك والغرض في صورة الاستيعاب بأن يقال بأننا نعلم بوجود الملاك والغرض إما في الأقل في حال النسيان وفي داخل الوقت، وإما في الأكثر في خارج الوقت، وهذا العلم ناشئ من كون السورة جزء مطلقاً أو لا، فإن كانت جزءاً حتى في حالة النسيان فهذا يعني أنَّ الأقل لا يوجد فيه الملاك فما جاء به الناسي ليس واجداً للملاك، وإن لم تكن السورة جزءاً في حال النسيان فما جاء به يكون وافياً بالملاك، وهذا علم إجمالي دائر بين المتباينين ولكن لا أثر له لأنَّ أحد طرفيه وهو الأقل خرج عن محل الابتلاء قبل حصول العلم فلا تنجيز لهذا العلم في هذا الطرف الذي جاء به داخل الوقت، ومثل هذا العلم لا ينجِّز وجوب الأكثر لحصوله بعد خروج أحد الطرفين عن محل الابتلاء وإنما يكون العلم الاجمالي منجِّزاً إذا كان موجباً لحصول التكليف على كل تقدير.
هذا كله في صورة الاستيعاب.