46/07/10
الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان
كان الكلام في تحديد الأصل اللفظي في محل الكلام وقلنا إنه عبارة عن إطلاق دليل الجزئية وإطلاق دليل الواجب، وهما متنافيان، وذكرنا أنه استُشكل في هذين الاطلاقين، وتقدم الكلام في الاشكال على إطلاق دليل الواجب وانتهينا الى الاشكال في إطلاق دليل الجزئية، وحاصله:
إنَّ دليل الجزئية إن كان بلسان الأمر والتكليف فلا يشمل الناسي لأنه غير قادر على الاتيان بالجزء المنسي حتى يُكلف به فيختص الأمر بالمتذكر، وهذا يعني أنَّ الجزء لا يكون جزءاً في حال النسيان فلا إطلاق في دليل الجزئية بنحو يشمل الناسي، نعم إذا كان دليل الجزئية بلسان الإخبار من قبيل (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) فلا مانع من شموله للناسي.
وذكرنا أنه أُجيب عنه بوجوه تقدم الكلام في الأول والثاني.
الجواب الثالث:
ليس المراد من إطلاق دليل الجزئية وشموله للناسي هو تكليف الناسي بالجزء المنسي حتى يقال بأنه محال، وإنما المقصود به هو أنَّ الجزئية ثابتة في جميع الحالات ومنها حالة النسيان، ولازمه سقوط الأمر بالمركب عن الناسي لعدم قدرته عليه، ولا يلزم منه محذور، وبذلك يندفع الاشكال في إطلاق دليل الجزئية حتى إذا كان بلسان الأمر، ويمكن التمسك بهذا الاطلاق لإثبات الجزئية في حالة النسيان، وعليه يسقط عنه الأمر بالمركب بمقتضى القواعد الأولية، نعم لو دلَّ دليل على وجوب بالباقي على الناسي وجب عليه.
نعم يمكن أن يقال إنَّ هذا الاطلاق يكون محكوماً في خصوص باب الصلاة – على الرأي المشهور – بحديث لا تُعاد فإنه يقتضي صحة الصلاة إذا أخلَّ المصلي بغير الخمسة من واجبات الصلاة أو شروطها، والمتيقن من حديث لا تُعاد هو حالة السهو النسيان فلا تجب إعادتها، وهو يعني صحة الصلاة، وهو المُحكَّم في المقام، لكنه مختص بباب الصلاة بناء على اختصاص الحديث بها، لكننا عممناه لغير باب الصلاة كالحج.
محاولة أخرى:
قد يقال بأنَّ إطلاق دليل الجزئية محكوم في جميع الأبواب بحديث الرفع وذلك باعتبار أنه يقتضي رفع المنسي في عالم التشريع، أي رفع حكمه وهو الجزئية في المقام، لأنَّ الرفع في الحديث بالنسبة الى غير فقرة (ما لا يعلمون) رفع واقعي فيكون الحديث حاكماً على اطلاقات الأدلة المثبتة للأحكام في ظرف النسيان والخطأ وباقي المذكورات في الحديث، ومنها إطلاق الجزئية لحال النسيان، فيدل الحديث على رفعها واقعاً ويكون الواجب على الناسي الصلاة بدون الجزء المنسي.
ولوحظ عليه: بأنَّ ما ذُكر مبني على كون المرفوع في الحديث هو (ما ينشأ من النسيان) وهو في المقام ترك السورة، ومبني أيضاً على كون الرفع رفعاً عنائياً للوجود الخارجي، فينتج أنَّ ما في الخارج الناشئ من النسيان منزَّل منزلة عدمه،
أي فرض ما في الخارج الناشئ من النسيان بمنزلة نقيضه، وحينئذٍ يُفرض ترك السورة نسياناً بمنزلة فعلها ومعناه ترتب آثار الفعل فيحكم بصحتها الملازم لعدم جزئية السورة.
وأما إذا قلنا بأنَّ الرفع في الحديث هو رفع حقيقي للوجود التشريعي فلا فرق بين أن يكون المرفوع هو ما نشأ من النسيان - أي ترك السورة – وبين أن يكون المرفوع هو الجزء المنسي - أي السورة - فعلى كلا التقديرين إذا اختص النسيان ببعض الوقت فلا يتم ما ذُكر، وذلك باعتبار أنَّ السورة - أو تركها - في خصوص ذلك الوقت ليست موجودة بوجود تشريعي حتى يرفعها الحديث، وإنما الموجود هو السورة - أو تركها - في تمام الوقت، فما نساه المكلف لا حكم له شرعاً، وما له حكم شرعاً ليس مورداً للنسيان فلا يشمله الحديث.
نعم إذا فُرض استمرار النسيان في تمام الوقت صح التمسك بالحديث لإثبات عدم وجوب السورة أو عدم حرمة تركها عليه، لكن هذا أعم من فرض وجوب الصلاة عليه بلا سورة، لأنَّ ارتفاع وجوب السورة يمكن أن يكون مع ارتفاع وجوب أصل الصلاة ويمكن أن يكون مع فرض وجوب الباقي، فلا يثبت بذلك وجوب الباقي وبالتالي تصحيح صلاة الناسي.